جميع دول منظمة بريكس: قوة اقتصادية جديدة تشكل المستقبل العالمي

تعد منظمة بريكس (BRICS) واحدة من أبرز التكتلات الاقتصادية والسياسية التي شكلت تحوّلًا هامًا في خريطة القوة العالمية خلال العقود الأخيرة. وهي اختصار لمجموعة الدول الخمس الكبرى الناشئة التي تتشارك في رؤى مشتركة للتنمية الاقتصادية والتعاون متعدد الأوجه على الصعيد الدولي. في هذا المقال سيتم تناول جميع دول منظمة بريكس بشكل مفصل، مع تحليل شامل لدورها الاقتصادي والسياسي، وأهم ما يميزها من خصائص وأساليب التعاون بين أعضائها، وأثرها على النظام العالمي الحالي.

نشأة منظمة بريكس وتطورها

ظهرت منظمة بريكس لأول مرة كاختصار لأربع دول ناشئة هي: البرازيل، روسيا، الهند، والصين، وأضيفت إليها جنوب أفريقيا لاحقًا لتصبح المجموعة الخماسية المعروفة اليوم. تأسست الفكرة عام 2006 عندما اقترح محللو بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس تسليط الضوء على هذه الدول باعتبارها محركات النمو الاقتصادي العالمية في المستقبل القريب. تحولت بريكس من مجرد مصطلح اقتصادي إلى منظمة فعلية تتمتع بمقومات اقتصادية وسياسية واسعة النطاق، وترتكز على مبدأ التعاون متعدد الأطراف بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية.

الدول الأعضاء في منظمة بريكس

1. البرازيل

البرازيل تعد أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وتتميز بثرواتها الطبيعية الهائلة، خاصة في مجال الزراعة، حيث تعد من أكبر المصدرين للمنتجات الزراعية كالقمح، السكر، وفول الصويا. كما تمتلك قطاع صناعي متطور نسبيًا، وقطاعات الخدمات التي تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي. تلعب البرازيل دورًا مهمًا في منظمة بريكس كونها تمثل بوابة القارة الأمريكية في هذا التجمع، وتسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي عبر التعاون الاقتصادي والسياسي مع باقي الأعضاء.

2. روسيا

روسيا دولة عظمى تمتلك موارد طبيعية ضخمة، لا سيما في مجال النفط والغاز الطبيعي، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في أسواق الطاقة العالمية. اقتصادها يعتمد بشكل كبير على قطاع الطاقة، لكنها تسعى لتنويع الاقتصاد والابتعاد عن الاعتماد على الموارد الأحفورية. روسيا عضو مؤسس في بريكس، وتلعب دورًا أساسيًا في التوازن الجيوسياسي للمنظمة، خاصة في ظل علاقاتها المتشابكة مع دول الغرب. تلعب موسكو دورًا محوريًا في الدفاع عن مصالح الدول النامية على المستوى العالمي.

3. الهند

الهند هي دولة ذات نمو اقتصادي متسارع، وتحظى بسكان يزيد عددهم عن 1.4 مليار نسمة، مما يجعلها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. يتميز الاقتصاد الهندي بتنوع قطاعات الصناعة والخدمات، مع تركيز خاص على التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات، وكذلك الصناعات التحويلية. تلعب الهند دورًا متزايد الأهمية في بريكس، خصوصًا من حيث الابتكار والقدرة التنافسية في الاقتصاد الرقمي العالمي.

4. الصين

الصين أكبر اقتصاد في آسيا والعالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي عند حساب القوة الشرائية، وهي المحرك الاقتصادي الأكبر في المنظمة. تتمتع الصين بقطاع صناعي ضخم ومتنوع، كما تعتبر قوة عظمى في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية، بالإضافة إلى كونها أكبر مصدر عالمي للسلع. الصين تلعب دورًا محوريًا في توجيه سياسات بريكس الاقتصادية والاستراتيجية، وتعتبر المحرك الرئيسي لمشاريع التعاون الكبرى مثل “الحزام والطريق” التي تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل واسع.

5. جنوب أفريقيا

انضمت جنوب أفريقيا إلى بريكس عام 2010 لتصبح العضو الخامس في المنظمة، وهي تمثل القارة الأفريقية في هذا التجمع الدولي. اقتصاد جنوب أفريقيا متنوع ويشمل التعدين، الزراعة، والصناعة التحويلية، بالإضافة إلى قطاع الخدمات المتنامي. وجود جنوب أفريقيا في بريكس يعزز التمثيل القاري ويضيف بعدًا جغرافيًا مهمًا للمنظمة، ويساعد على تعزيز التعاون جنوب-جنوب.

أهمية منظمة بريكس على الصعيد العالمي

تشكل منظمة بريكس نموذجًا للتعاون بين دول الأسواق الناشئة التي تتمتع بإمكانات كبيرة للنمو، وتطمح لتشكيل نظام دولي أكثر تعددية وتوازنًا. تجمع بريكس بين الاقتصادات الكبيرة والمتنوعة، وتمثل أكثر من 40% من سكان العالم، وما يقرب من 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالإضافة إلى كونها تملك ثروات طبيعية هائلة تؤهلها لتكون لاعبًا لا يمكن تجاهله في الساحة الدولية.

تمثل هذه المجموعة منصة فريدة للتعاون الاقتصادي في مجالات متعددة تشمل الاستثمار، الطاقة، التكنولوجيا، والزراعة، فضلاً عن التنسيق السياسي والتعاون في مجالات الأمن ومكافحة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والأوبئة.

التعاون الاقتصادي والاستثماري داخل بريكس

تشمل مجالات التعاون داخل منظمة بريكس عدة محاور رئيسية:

• التجارة والاستثمار: تعمل الدول الأعضاء على تعزيز التبادل التجاري فيما بينها وتقليل الحواجز الجمركية، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات المتبادلة في القطاعات الاستراتيجية.

• التمويل والتطوير: أنشأت بريكس بنك التنمية الجديد (NDB) لدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة داخل دول الأعضاء وخارجها، مما يخفف الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

• التكنولوجيا والابتكار: تحرص الدول على تبادل الخبرات في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطاقات المتجددة، والابتكار التكنولوجي لتسريع التنمية الصناعية وتحسين مستوى الحياة.

• التعاون الزراعي: تعزيز الأمن الغذائي من خلال مشاريع مشتركة لتطوير تقنيات الزراعة الحديثة، وتبادل الخبرات الزراعية بين الدول الأعضاء.

التحديات التي تواجه بريكس

على الرغم من النجاحات العديدة التي حققتها المنظمة، تواجه بريكس عددًا من التحديات التي قد تؤثر على مسارها المستقبلي:

• الاختلافات الاقتصادية والسياسية: التنوع الكبير بين الدول الأعضاء من حيث النظام السياسي ومستوى التنمية الاقتصادية يجعل التوافق على السياسات المشتركة أحيانًا أمرًا صعبًا.

• المنافسة الاقتصادية: هناك منافسة قوية بين بعض الأعضاء مثل الصين والهند على النفوذ الاقتصادي الإقليمي والعالمي.

• تأثير الأزمات العالمية: مثل جائحة كورونا، والتوترات الجيوسياسية تؤثر على قدرات التعاون المشترك وتؤدي إلى بعض التباينات في الأولويات الوطنية.

• التمثيل القاري: رغم إضافة جنوب أفريقيا، لا تزال إفريقيا كقارة لم تحصل على تمثيل أوسع، مما قد يحد من تأثير المنظمة في بعض المناطق.

نظرة مستقبلية على منظمة بريكس

تمضي بريكس قدمًا نحو تعزيز دورها في النظام العالمي الجديد، مع التركيز على بناء شراكات اقتصادية أوسع ونشر نفوذها عبر مبادرات دولية مشتركة. تستثمر الدول الأعضاء في مشروعات البنية التحتية، وتوسيع التجارة الحرة، ورفع الكفاءة الاقتصادية، وتطوير الابتكار، مما يجعلها قوة صاعدة لا يمكن إغفالها.

من المتوقع أن تتوسع بريكس في المستقبل، حيث توجد دعوات مستمرة لانضمام دول أخرى من الأسواق الناشئة لتقوية المجموعة وجعلها أكثر تمثيلًا وشمولية على الصعيد الدولي، بما يعزز مكانتها كمنصة عالمية فعالة للتعاون بين دول الجنوب.

جدول يوضح معلومات أساسية عن دول بريكس

الخلاصة

تمثل منظمة بريكس نموذجًا جديدًا للتعاون الدولي بين الاقتصادات الناشئة، وتعتبر مهيأة لتغيير موازين القوة العالمية على المدى الطويل. دول بريكس الخمس تجمع بين حجم سكاني ضخم، موارد طبيعية هائلة، واقتصادات متنامية، ما يجعلها لاعبًا لا غنى عنه في صياغة المستقبل الاقتصادي والسياسي الدولي. من خلال تعزيز التعاون والتنسيق، تسعى بريكس إلى تحقيق تنمية مستدامة وعادلة، والحد من الهيمنة التقليدية، وتشكيل نظام دولي أكثر توازنًا وشمولية.