جميع الدول التي تعترف بجمهورية دونيتسك الشعبية: السياق، التطورات، والمواقف الدولية
منذ إعلان استقلال جمهورية دونيتسك الشعبية عن أوكرانيا في عام 2014، أثار هذا الكيان غير المعترف به دوليًا جدلًا واسعًا على الصعيدين الإقليمي والدولي. تأسست الجمهورية في خضم الأزمة السياسية الأوكرانية، التي تلت الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش عام 2014، وتزامنت مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. شهد إقليم دونباس، الذي يضم دونيتسك ولوغانسك، تصاعدًا سريعًا في النزاع المسلح بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا، ما أسفر عن حرب مستمرة حتى اليوم أفضت إلى اعتراف محدود بالجمهورية في بعض الأوساط الدولية.
هذا المقال يقدم عرضًا مفصلًا للدول التي اعترفت بجمهورية دونيتسك الشعبية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويشرح السياق الجيوسياسي والدوافع وراء مواقف هذه الدول، إضافة إلى الأبعاد القانونية والدبلوماسية المتعلقة بهذا الاعتراف.
الخلفية التاريخية والجغرافية
تقع دونيتسك في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية خصوصًا الفحم والمعادن. قبل النزاع، كانت دونيتسك مركزًا صناعيًا مهمًا ضمن الاقتصاد الأوكراني، وترتبط ثقافيًا ولغويًا بروسيا من خلال غالبية ناطقة بالروسية. في أبريل 2014، أعلن الانفصاليون في دونيتسك، بدعم ضمني ومباشر من روسيا، استقلالهم عن أوكرانيا وتأسيس “جمهورية دونيتسك الشعبية”. تبع ذلك صراع مسلح مستمر حتى عام 2022، حيث دخل النزاع مرحلة جديدة بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022.
الاعتراف الدولي بجمهورية دونيتسك الشعبية
الاعتراف الدولي بجمهورية دونيتسك الشعبية كان محدودًا للغاية. معظم المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، يعتبرون دونيتسك جزءًا لا يتجزأ من أوكرانيا. رغم ذلك، قامت بعض الدول والمنظمات، في سياقات مختلفة، بالاعتراف بالجمهورية أو بإقامة علاقات معها، وغالبًا ما كان ذلك بدافع المصالح السياسية المشتركة مع روسيا، أو ضمن إطار صراعاتها مع الغرب.
1. روسيا الاتحادية
تُعد روسيا الدولة الأهم والأكثر تأثيرًا التي اعترفت بجمهورية دونيتسك الشعبية. في 21 فبراير 2022، وقبل أيام من بدء غزوها الواسع لأوكرانيا، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا رسميًا يعترف باستقلال دونيتسك ولوغانسك. جاء هذا الاعتراف كجزء من استراتيجية موسكو لتبرير تدخلها العسكري في أوكرانيا، بذريعة “حماية السكان الناطقين بالروسية” ومزاعم “الإبادة الجماعية” التي كانت تطلقها الدعاية الروسية بحق السلطات الأوكرانية.
هذا الاعتراف ترافق مع معاهدات صداقة وتعاون مشترك ودعم عسكري مباشر، وتحول دونيتسك عمليًا إلى منطقة خاضعة للسيطرة الروسية الفعلية، رغم عدم ضمها رسميًا في البداية. لاحقًا، في سبتمبر 2022، أجرت روسيا استفتاءات صورية في الأقاليم الأربع المحتلة (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوروجيا) وانتهت إلى إعلان ضمّها، ما زاد من تعقيد الوضع القانوني لهذه المناطق.
2. سوريا
في يوليو 2022، أعلنت الجمهورية العربية السورية اعترافها الرسمي بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، لتصبح بذلك أول دولة عربية تقدم على هذه الخطوة. اعتبر هذا الاعتراف تعبيرًا عن دعم دمشق لحليفتها موسكو، التي تدخلت بشكل مباشر في الحرب السورية منذ عام 2015، وساعدت النظام السوري في استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.
يُنظر إلى اعتراف سوريا كجزء من سياسة متبادلة للدعم السياسي والعسكري، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة على البلدين، والتقارب المتزايد بين الأنظمة المعارضة للهيمنة الغربية.
3. كوريا الشمالية
في يوليو 2022 أيضًا، أعلنت كوريا الشمالية اعترافها بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. لم يكن هذا الاعتراف مفاجئًا بالنظر إلى العلاقات التاريخية التي تجمع بيونغ يانغ بموسكو، ودعم روسيا المتكرر للنظام الكوري الشمالي في مجلس الأمن عبر استخدام حق النقض (الفيتو).
كوريا الشمالية بدورها تعاني من عزلة دولية صارمة، وتحرص على تعزيز تحالفاتها مع الدول التي تشاركها العداء للغرب، وخاصة الولايات المتحدة. لذا فإن اعترافها بدونيتسك يندرج ضمن سعيها إلى بناء تحالفات رمزية ضد النظام الدولي الذي تقوده واشنطن.
4. جمهورية أبخازيا
أبخازيا هي كيان انفصالي عن جورجيا، مدعوم من روسيا، أعلن استقلاله في التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو معترف به رسميًا من قبل عدد محدود جدًا من الدول. في عام 2022، أقامت أبخازيا علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية دونيتسك الشعبية، وفتحت ممثلية دبلوماسية فيها.
ورغم أن أبخازيا لا تُعد دولة عضوًا في الأمم المتحدة، إلا أن تعاملها مع دونيتسك على قدم المساواة يعكس شبكة من الكيانات الانفصالية التي تساند بعضها البعض وتبحث عن شرعية متبادلة في ظل غياب الاعتراف الدولي الأوسع.
5. جمهورية أوسيتيا الجنوبية
مثل أبخازيا، أوسيتيا الجنوبية هي كيان انفصالي آخر عن جورجيا ومدعوم من روسيا. أقامت علاقات رسمية مع دونيتسك منذ السنوات الأولى لنشأة الجمهورية الانفصالية، وواصلت الاعتراف بها والتعاون معها على مستويات دبلوماسية ورمزية.
أوسيتيا الجنوبية لا تحظى هي الأخرى باعتراف دولي واسع، ولكنها تؤدي دورًا رمزيًا في تعزيز المشروعية المتبادلة بين الكيانات الانفصالية التي تدعمها روسيا.
جدول: الدول والكيانات التي اعترفت بجمهورية دونيتسك الشعبية
| الدولة / الكيان | تاريخ الاعتراف | ملاحظات |
|---|---|---|
| روسيا | 21 فبراير 2022 | الاعتراف الرسمي الأبرز، تبعه دعم عسكري وضمه لاحقًا |
| سوريا | يوليو 2022 | أول دولة عربية تعترف بدافع من تحالفها مع روسيا |
| كوريا الشمالية | يوليو 2022 | جزء من تحالف رمزي مناهض للغرب |
| أبخازيا | 2022 | كيان انفصالي مدعوم من روسيا، غير معترف به دوليًا |
| أوسيتيا الجنوبية | منذ ما قبل 2022 | كيان انفصالي مدعوم من روسيا، يعترف بدونيتسك كدولة ذات سيادة |
الدول التي رفضت الاعتراف
الرفض الدولي للاعتراف بجمهورية دونيتسك الشعبية كان شبه إجماعي. جميع دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، كندا، اليابان، أستراليا، ومعظم الدول في آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ترفض الاعتراف بها، وتعتبرها جزءًا من أوكرانيا بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
مجلس الأمن الدولي، رغم شلله بفعل الفيتو الروسي، لا يعترف بأي تغيير في حدود أوكرانيا. كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت أكثر من قرار يؤكد وحدة أراضي أوكرانيا، ويدين الغزو الروسي ومحاولات الضم.
البعد القانوني والدبلوماسي للاعتراف
في القانون الدولي، يُعد الاعتراف بدولة جديدة خطوة سيادية لكل دولة، ولكنها ترتبط بعدة شروط ضمنية، مثل امتلاك كيان سياسي لسلطة فاعلة على أرض محددة، وقدرته على التعامل مع دول أخرى. ورغم أن جمهورية دونيتسك الشعبية تُدار بشكل مستقل نسبيًا (بفضل الدعم الروسي)، إلا أنها تفتقر للشرعية الدولية بسبب طبيعة نشأتها القائمة على الانفصال بالقوة المسلحة.
الاعتراف المحدود بها من بعض الدول لا يمنحها صفة الدولة الكاملة وفق القانون الدولي، حيث إن العضوية في الأمم المتحدة تتطلب توصية من مجلس الأمن وموافقة من الجمعية العامة، وهو أمر مستحيل في ظل التوازنات الحالية.
علاقة الاعتراف بالمصالح السياسية
الاعتراف بجمهورية دونيتسك يرتبط بدرجة كبيرة بالعلاقات مع روسيا. فكل دولة أو كيان اعترف بها، فعل ذلك في إطار تحالف أو تبعية مباشرة أو غير مباشرة لموسكو. كما أن الاعتراف يعكس نوعًا من التمرد الرمزي على النظام الدولي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويظهر كأداة سياسية أكثر منه مسعى قانوني لبناء دولة جديدة.
في السياق الجيوسياسي العالمي، أصبح الاعتراف بدونيتسك وسيلة لإعادة رسم الخريطة السياسية بين المعسكرات الدولية المتنافسة. فالمعسكر الغربي يرى فيه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بينما يروج المعسكر الآخر لفكرة “حق الشعوب في تقرير المصير” في إطار يخدم مصالحه الخاصة.
الخلاصة
جمهورية دونيتسك الشعبية لا تزال كيانًا محدود الاعتراف تعاني من عزلة دولية، رغم الدعم الروسي الكبير. الاعتراف الرسمي بها اقتصر على دول قليلة مثل روسيا، سوريا، وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى كيانات انفصالية غير معترف بها كأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. بينما يستمر المجتمع الدولي الأوسع في اعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية.
المسألة لا تزال موضع نزاع قانوني وسياسي كبير، تعكس تحولًا في موازين القوى العالمية وتنامي ظاهرة الكيانات الانفصالية المدعومة من قوى عظمى. مستقبل دونيتسك، سواء ككيان مستقل أو مدمج في روسيا، سيظل مرتبطًا بمخرجات النزاع الأوسع بين روسيا وأوكرانيا، وبإرادة المجتمع الدولي في فرض القانون الدولي على الواقع الجيوسياسي المتغير.
المراجع
-
United Nations General Assembly Resolutions on Ukraine’s territorial integrity (2022, 2023)
-
Ministry of Foreign Affairs of the Russian Federation – Official Statements (2022)
