أحكام الحيض في الشريعة الإسلامية

الحيض هو حالة فطرية تمر بها النساء، وهو من السنن التي خلق الله تعالى النساء عليها، ويُعتبر الحيض ظاهرة طبيعية تحدث في جسم المرأة بشكل دوري نتيجة لتغيرات هرمونية داخلية. تتفاوت مدة الحيض وكميته بين امرأة وأخرى، لكنه في المجمل يمتد عادة بين ثلاثة إلى سبعة أيام. الحيض هو دم ينزل من رحم المرأة في أوقات معينة من الشهر ولا يكون بسبب مرض أو إصابة، ويعد علامة طبيعية لصحة الجهاز التناسلي للمرأة.

في الإسلام، لحالة الحيض أحكامها الخاصة التي نظّمها الشرع الحكيم، وهذا نظراً لما يتعلق بها من الطهارة والعبادات والعلاقات الاجتماعية، لذا من المهم معرفة هذه الأحكام بالتفصيل لتطبيقها بشكل صحيح. يتناول هذا المقال شرحًا مطولاً ومفصلاً لأحكام الحيض في الشريعة الإسلامية وفق المذاهب الفقهية المختلفة، مع التركيز على الجوانب الشرعية والفقهية التي تتعلق بهذه الحالة الطبيعية.

تعريف الحيض وخصائصه

الحيض هو الدم الذي يخرج من رحم المرأة خلال فترة زمنية معينة من كل شهر. يتميز دم الحيض بلونه الأحمر الداكن، ورائحته الخاصة، ويخرج مع وجود تقلصات خفيفة أو متوسطة في منطقة البطن أسفل الرحم. يبدأ الحيض عادة عند الفتاة مع بلوغها، ويستمر حتى وصولها لسن اليأس، ويعتبر من علامات الخصوبة الصحية لدى المرأة.

ينقسم الدم في الحيض إلى أنواع عدة عند الفقهاء: دم الحيض، ودم النفاس، ودم الاستحاضة، ولكل نوع حكمه الخاص في الشريعة. دم الحيض متميز بمدة محددة وخصائص معينة، ويختلف عن دم الاستحاضة الذي قد يحدث في أوقات غير الحيض.

مدة الحيض المعتادة

حددت الشريعة الإسلامية مدة الحيض بين يوم واحد و15 يومًا كحد أقصى، مع اعتبار أن أقل مدة يعتبر فيها الدم حيضًا هو يوم واحد، وأعلى مدة مقبولة للحيض هي 15 يومًا. إذا استمر الدم بعد 15 يومًا يُعتبر استحاضة وليس حيضًا.

مدة الحيض تختلف بين النساء، فتجد بعض النساء لا يتجاوز الحيض عندهن الثلاثة أيام، وأخريات قد يمتد لسبعة أيام أو أكثر، مع ذلك يجب أن لا تزيد عن 15 يومًا حتى لا يختلط الحيض بالاستحاضة.

أحكام الحيض في الشريعة الإسلامية

1. حكم الحيض في الطهارة

الحيض يعتبر نجاسة في الشرع، فلا يجوز للمسلمة أن تصلي أو تمسك عن الطهارة في حالة الحيض. الطهارة شرط لصحة الصلاة، لذا يُحرم على المرأة الحائض الصلاة حتى تطهر من الدم.

تُعد فترة الحيض فترة معافاة من العبادات التي تتطلب طهارة، فيجوز للمرأة أن تأكل وتشرب وتتفاعل مع الناس كالمعتاد، لكن لا يجوز لها لمس المصحف الشريف أو قراءة القرآن بترتيل إلا ما استثناه العلماء من التلاوة بالنظر.

2. حكم الصلاة والصوم في فترة الحيض

• الصلاة: الحائض لا تصلي أثناء الحيض، ويجب عليها قضاء ما فات من الصلوات بعد الطهر، فقد اختلف الفقهاء في وجوب القضاء، لكن جمهور العلماء على وجوب قضاء الصلاة الفائتة بسبب الحيض.

• الصوم: لا تصوم المرأة الحائض، والصيام في رمضان يجب قضاؤه بعد انتهاء فترة الحيض. الصيام في حالة الحيض يُبطل ويجب القضاء لاحقاً.

3. الطهارة بعد انتهاء الحيض

بعد انتهاء فترة الحيض، يجب على المرأة أن تغتسل غسل الجنابة، وهو غسل كامل يشمل الجسم كله بالماء الطهور، ويكون شرطاً لصحّة الصلاة والصيام، وشرطاً للدخول في الصلاة بعد الحيض.

4. دخول المساجد والاعتكاف

لا يجوز للمرأة الحائض دخول المسجد للصلاة أو الاعتكاف، وهذا حكم مستند إلى السنة النبوية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصل الحائض ولا تنفث في المصحف»، كما حرمت الاعتكاف أثناء الحيض لأن الاعتكاف في المسجد يحتاج للطهارة.

تأثير الحيض على العبادات الأخرى

الطواف حول الكعبة

المرأة الحائض محرمة من الطواف بالكعبة المشرفة، ولا يجوز لها القيام بهذه العبادة إلا بعد الطهارة من الحيض، وهذا لأن الطواف من العبادات التي تستلزم الطهارة.

الجماع أثناء الحيض

الجماع أثناء الحيض ممنوع شرعاً، وقد أوجب الإسلام على الزوجين تجنب العلاقة الجنسية أثناء فترة الحيض حفاظاً على صحة المرأة وروح الطهارة في العلاقة الزوجية.

قراءة القرآن أثناء الحيض

المرأة الحائض يجوز لها قراءة القرآن، ولكن بطرق معينة اختلف فيها العلماء، فالجمهور يمنعون لمس المصحف، ولكن يجوز التلاوة بالنظر أو من حفظها عن ظهر قلب. بعض العلماء أباحوا التلاوة بالرُقي (القراءات الشفوية) دون لمس المصحف.

الحالات الخاصة المتعلقة بالحيض

الحيض في حالات الطمث غير الطبيعي (الاستحاضة)

الاستحاضة هي الدم الذي ينزل من المرأة في أوقات غير الحيض أو بعد انتهاء فترة الحيض، وهو مختلف عن الحيض، وله أحكام خاصة في الطهارة والعبادات.

تختلف أحكام الاستحاضة عن الحيض، إذ تظل المرأة تؤدي عباداتها كالصلاة والصوم لكنها تغتسل لكل مرة ينزل فيها الدم، وتتطهر بالطهارة الصغرى حسب المذهب الفقهي المتبع.

الحيض عند البلوغ

الحيض هو أحد علامات البلوغ عند الفتيات، وبداية دخول المرأة في عالم المسؤولية الدينية والشرعية. بمجرد ظهور الحيض، تصبح الفتاة مسؤولة عن أداء الفرائض، وتلتزم بأحكام الطهارة والصلاة والصوم وغيرها.

الحيض عند انقطاع الطمث (سن اليأس)

مع تقدم المرأة في العمر قد تنقطع فترة الحيض، ويُسمى ذلك سن اليأس. بعد انقطاع الحيض نهائياً، تصبح المرأة طاهرة وتعود لأداء جميع العبادات كالصلاة والصوم بشكل طبيعي.

أثر الحيض في الجانب النفسي والاجتماعي

الحيض يحمل تأثيرات نفسية وجسدية على المرأة، فهو مرتبط بالتغيرات الهرمونية التي قد تسبب التقلبات المزاجية والشعور بالتعب أو الانزعاج. لذلك يجب على المجتمع أن يكون واعياً لهذا الجانب ويعامله بحساسية واحترام.

على الصعيد الاجتماعي، يحث الإسلام على رعاية المرأة الحائض وعدم تحميلها فوق طاقتها، مع مراعاة خصوصياتها وحقوقها، وهذا يتجلى في احترام فترة الحيض واعتبارها فترة راحة مؤقتة.

جدول يوضح أحكام الحيض مقارنة بالاستحاضة

مصادر الأحكام ومراجعها

تعتمد أحكام الحيض في الإسلام على النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، إضافة إلى اجتهادات العلماء وفقه المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة).

• قال الله تعالى في كتابه العزيز:
  
  {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ} (سورة البقرة: 222)

• حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
  
  «إنما النساء شقائق الرجال»، في إشارة إلى أن حكم الطهارة والعبادة يشمل الفتيات والنساء مع مراعاة حالاتهن الخاصة كالحيض.

بهذا يكون المقال قد استعرض بشكل مفصل كافة أحكام الحيض في الإسلام، مبيناً الفرق بين الحيض والاستحاضة، وموضحاً تأثير الحيض على العبادات المختلفة، مع تقديم جدول مقارن لتسهيل الفهم، ومبني على نصوص شرعية واضحة ورأي جمهور العلماء.