الدول التي اختفت في القرن العشرين: تحولات جغرافية وسياسية كبرى

شهد القرن العشرين تغييرات جذرية على خارطة العالم السياسية والجغرافية، حيث اختفت عدة دول وتكوّنت دول جديدة نتيجة الحروب، الثورات، تفكك الإمبراطوريات، وحركات الاستقلال والتوحيد. لم يكن هذا القرن مجرد فترة من التقدم التكنولوجي والثقافي، بل كان أيضاً مسرحاً لصراعات جيوسياسية حاسمة أعادت رسم حدود الدول وألغت وجود دول كانت قائمة لعقود وأحياناً لقرون. يعكس هذا المقال حالة الدول التي اختفت في القرن العشرين، أسباب اختفائها، وتأثير ذلك على النظام الدولي.

السياق التاريخي للتحولات السياسية في القرن العشرين

يعتبر القرن العشرين من أكثر القرون تحولاتاً في تاريخ العلاقات الدولية. مع بداية القرن، كان العالم تحت هيمنة عدد من الإمبراطوريات الكبرى مثل الإمبراطورية العثمانية، الإمبراطورية النمساوية-المجرية، والإمبراطورية الروسية. هذه الإمبراطوريات كانت تجمع بين دول وشعوب متعددة تحت سلطة مركزية واحدة، لكنها واجهت تحديات داخلية وخارجية أدت إلى انهيارها.

أبرز الأحداث التي ساهمت في اختفاء دول كانت قائمة:

• الحروب العالمية الأولى والثانية: أدت إلى انهيار عدة إمبراطوريات وتغيرات في الحدود.

• الثورات والحركات القومية: مثل الثورة الروسية التي أنهت حكم القيصرية، وحركات الاستقلال في آسيا وأفريقيا.

• تفكك الإمبراطوريات الاستعمارية: خاصة الإمبراطورية البريطانية والفرنسية.

• ظهور الاتحاد السوفيتي وتفككه لاحقاً: مهد لتغييرات جذرية في أوروبا وآسيا.

الدول التي اختفت في القرن العشرين: دراسات حالة

1. الإمبراطورية العثمانية (1299–1924)

كانت الإمبراطورية العثمانية واحدة من أطول الإمبراطوريات التاريخية، وقد حكمت مناطق واسعة في الشرق الأوسط، شمال إفريقيا، وجنوب شرق أوروبا. شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين سلسلة من الأزمات والحروب، أبرزها الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

• سبب الاختفاء: خسارة الحرب العالمية الأولى، توقيع معاهدة سيفر التي قسمت أراضيها، والانتفاضات القومية داخل الإمبراطورية.

• ما حل محلها: تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، وقيام دول جديدة في الشرق الأوسط كالعراق، سوريا، لبنان، والمملكة العربية السعودية.

2. الإمبراطورية النمساوية-المجرية (1867–1918)

شكلت هذه الإمبراطورية اتحاداً بين النمسا والمجر وكانت من القوى الكبرى في أوروبا الوسطى. تميزت بتنوع إثني وثقافي كبير، لكنها لم تستطع احتواء النزاعات القومية.

• سبب الاختفاء: الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وصعود القوميات المطالبة بالاستقلال.

• ما حل محلها: ظهور دول مستقلة جديدة مثل النمسا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا.

3. تشيكوسلوفاكيا (1918–1992)

تأسست تشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الأولى كوحدة تجمع بين الشعب التشيكي والسلوفاكي، لكنها لم تكن متجانسة سياسياً أو ثقافياً.

• سبب الاختفاء: تصاعد النزعات القومية، الاختلافات السياسية والثقافية بين التشيك والسلوفاك.

• ما حل محلها: انفصالها السلمي عام 1992 إلى دولتين مستقلتين هما الجمهورية التشيكية وجمهورية سلوفاكيا.

4. الاتحاد السوفيتي (1922–1991)

كان الاتحاد السوفيتي أكبر دولة اشتراكية في التاريخ، وجاء إلى الوجود بعد الثورة الروسية عام 1917.

• سبب الاختفاء: أزمات اقتصادية وسياسية، انهيار النظام الشيوعي، وفقدان السيطرة المركزية على الجمهوريات.

• ما حل محلها: ظهور 15 دولة مستقلة مثل روسيا، أوكرانيا، بيلاروسيا، ودول البلطيق.

5. يوغوسلافيا (1918–1992)

أنشئت يوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الأولى لتوحيد الشعوب السلافية في منطقة البلقان، لكنها واجهت انقسامات عرقية وسياسية عميقة.

• سبب الاختفاء: النزاعات العرقية والحروب الأهلية في التسعينيات، انهيار النظام الاشتراكي.

• ما حل محلها: تفككت إلى عدة دول مستقلة مثل صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، مقدونيا، والجبل الأسود.

6. مملكة الحبشة (الإمبراطورية الإثيوبية قبل عام 1974)

كانت إثيوبيا مملكة مستقلة لعقود طويلة لكنها شهدت تغييرات جذرية في القرن العشرين.

• سبب الاختفاء: الإطاحة بالنظام الإمبراطوري في ثورة 1974.

• ما حل محلها: إعلان الجمهورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، تغييرات سياسية كبيرة مع نهاية عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي.

7. مملكة صربيا والجبل الأسود (حتى 1918)

كانت هذه الكيانات السياسية مستقلة قبل أن تدمج ضمن مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين التي أصبحت يوغوسلافيا لاحقاً.

• سبب الاختفاء: توحدها مع دول سلافية أخرى لتشكيل يوغوسلافيا.

• ما حل محلها: كجزء من يوغوسلافيا ثم كدول مستقلة لاحقاً.

أسباب اختفاء الدول في القرن العشرين

يمكن حصر أسباب اختفاء الدول في عدة عوامل متداخلة، منها:

1. الحروب والنزاعات المسلحة

كان للحوارات العالمية الأولى والثانية أثر مباشر على اختفاء دول وإعادة رسم خرائطها. كثير من الدول التي كانت إمبراطوريات عظمى فقدت أراضيها، بينما تم تقسيم دول أخرى إلى كيانات أصغر.

2. الحركات القومية والانفصالية

ازداد الوعي القومي في القرن العشرين، حيث طالبت شعوب داخل دول متعددة القوميات باستقلالها أو حكم ذاتي، مما أدى إلى تفكك هذه الدول.

3. انهيار الأنظمة السياسية

الأنظمة الاستبدادية، الإمبراطورية، أو الأنظمة الشيوعية انهارت بسبب أزمات داخلية أو ضغوط خارجية، فحدثت تغييرات جذرية في النظام السياسي أدت لتغييرات جغرافية.

4. الضغوط الدولية والتدخلات الاستعمارية

أثرت القوى الكبرى الاستعمارية في رسم حدود الدول أو تغيير أنظمة الحكم، خاصة في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا، ما أدى لظهور دول جديدة واختفاء أخرى.

جدول يوضح أبرز الدول التي اختفت في القرن العشرين وأسباب اختفائها

تأثير اختفاء الدول على النظام الدولي

كان لاختفاء هذه الدول تأثيرات بعيدة المدى على النظام العالمي:

• إعادة رسم الحدود: تغيرت الحدود السياسية في أوروبا، الشرق الأوسط، آسيا، وأفريقيا.

• نشوء دول جديدة: بروز دول مستقلة متعددة كانت في السابق أجزاء من إمبراطوريات أو دول موحدة.

• تغير التوازن الدولي: أدى ظهور قوى جديدة واختفاء أخرى إلى إعادة صياغة القوى العالمية.

• تحولات اجتماعية وثقافية: أثرت في هوية الشعوب وتركيبة المجتمعات داخل الدول الجديدة.

خاتمة

القرن العشرين كان بحق قرناً للتغييرات السياسية والجغرافية الكبرى التي أعادت تشكيل خريطة العالم. اختفاء دول عريقة وظهور دول جديدة لم يكن فقط نتيجة لحروب وصراعات، بل كان انعكاساً لتحولات عميقة في القومية، السياسة، والاقتصاد. دراسة هذه التحولات تساعد في فهم الواقع الدولي المعاصر وأصول النزاعات السياسية والعرقية التي ما تزال تؤثر في العلاقات الدولية حتى اليوم.

المصادر:

1. أرشيف الأمم المتحدة للتاريخ السياسي، 2020

2. كتاب “تاريخ القرن العشرين”، إدوارد هيل، 2018