أصغر دولة في العالم: الفاتيكان
عندما نتحدث عن أصغر دولة في العالم، يتبادر إلى الأذهان في البداية فكرة أن الدولة الأصغر ربما تكون في جزيرة نائية أو منطقة نائية من العالم. إلا أن الحقيقة قد تكون مفاجئة للكثيرين؛ أصغر دولة في العالم هي دولة الفاتيكان، أو كما تُعرف رسميًا بـ “الكرسي الرسولي”، وهي تمثل مركز السلطة العليا للكنيسة الكاثوليكية. ورغم صغر مساحتها الجغرافية، فإن للفاتيكان أهمية تاريخية، دينية، وسياسية عظيمة على مستوى العالم.
1. الموقع الجغرافي لدولة الفاتيكان
الفاتيكان هو دولة مستقلة تقع في قلب العاصمة الإيطالية روما. وهي مُحاطة بالكامل بأراضي إيطاليا، ما يجعلها دولة ذات سيادة مستقلة تمامًا على الرغم من أنها محاطة بدولة أخرى. تبلغ مساحة الفاتيكان حوالي 0.44 كيلومتر مربع فقط، مما يجعلها أصغر دولة في العالم من حيث المساحة. للتوضيح، فإن مساحتها أقل من مساحة العديد من الحدائق العامة في المدن الكبرى، بل هي أصغر من العديد من المجمعات السكنية.
2. التاريخ المؤسس لدولة الفاتيكان
تأسست دولة الفاتيكان بشكل رسمي في عام 1929 بموجب اتفاقية لاتران بين الكرسي الرسولي و إيطاليا. ولكن تاريخ الفاتيكان كمنطقة دينية يعود إلى آلاف السنين. حيث كانت الفاتيكان في الأصل موقعًا لحصن الإمبراطور نيرو في روما، وهو المكان الذي شهد استشهاد القديس بطرس، أحد تلاميذ يسوع المسيح وأول البابوات في الكنيسة الكاثوليكية.
وبعد استشهاد بطرس في القرن الأول الميلادي، تم بناء كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان في القرن الرابع على قبره. في العصور الوسطى، أصبح هذا الموقع محجًا للمسيحيين، ولا يزال واحدًا من أقدس الأماكن في العالم الكاثوليكي.
لكن الفاتيكان لم يصبح دولة ذات سيادة إلا في القرن العشرين، بعد أن كانت الأراضي التابعة للبابا في مختلف مناطق إيطاليا قد تعرضت للتهديد والتقليص بسبب التغيرات السياسية في أوروبا.
3. حكومة الفاتيكان: البابا ودور الكرسي الرسولي
الكرسي الرسولي هو الهيئة الحاكمة العليا في الفاتيكان، وهو ليس مجرد موقع جغرافي، بل مؤسسة ذات تاريخ طويل في القيادة الروحية والسياسية. البابا هو رأس الدولة، وفي نفس الوقت، هو رأس الكنيسة الكاثوليكية، ويُعتبر السلطة الدينية العليا التي لا تعلو عليها أي سلطة دينية أخرى في العالم المسيحي. وعلى الرغم من أن البابا هو الحاكم المطلق في الفاتيكان، إلا أن السلطة الروحية في الفاتيكان تمتد إلى كافة أنحاء العالم من خلال تأثير الكنيسة الكاثوليكية.
الفاتيكان يعد نقطة التقاء بين العالمين الديني والسياسي، حيث يمارس البابا دورًا هامًا في السياسة الدولية، ويلعب دورًا بارزًا في الدبلوماسية الدولية والعلاقات بين مختلف الدول. يحتفظ الفاتيكان بعلاقات دبلوماسية مع أكثر من 180 دولة حول العالم، ويملك سفارات في العديد من العواصم الكبرى.
4. السكان في الفاتيكان
عدد السكان في الفاتيكان قليل للغاية مقارنةً بدول أخرى، حيث لا يتجاوز عدد السكان في الدولة الـ 800 نسمة. ومعظم هؤلاء السكان هم من رجال الدين، وهم يخدمون في مختلف المناصب الدينية أو الإدارية في الكنيسة الكاثوليكية. هناك أيضًا مجموعة صغيرة من الأفراد غير الكاثوليك الذين يعيشون في الفاتيكان نتيجة لمهام عملهم في الدولة.
من الملاحظ أن سكان الفاتيكان هم في الغالب موظفون دينيون أو دبلوماسيون يمثلون الكرسي الرسولي في مختلف أنحاء العالم. كما توجد أيضًا الشرطة السويسرية التي تعمل على حماية الفاتيكان، وتتكون من الشرطة السويسرية الفاتيكانية التي تعد من أقدم القوات العسكرية في العالم.
5. الثقافة والفن في الفاتيكان
يعد الفاتيكان واحدًا من أكبر المراكز الثقافية والدينية في العالم. ورغم صغر حجمه، إلا أنه يحوي العديد من المعالم الدينية والفنية التي تجذب ملايين الزوار سنويًا. من أبرز معالم الفاتيكان كنيسة القديس بطرس، والتي تُعد واحدة من أكبر وأشهر الكنائس في العالم، بالإضافة إلى متحف الفاتيكان الذي يحتوي على مجموعة هائلة من الأعمال الفنية التي تشمل الفنون التشكيلية من عصور مختلفة، بما في ذلك لوحة سقف كنيسة سيستينا الشهيرة التي رسمها الفنان ميخائيل أنجلو.
تعتبر هذه المعالم من أكثر المواقع جذبًا للسياح، مما يعزز من مكانة الفاتيكان كوجهة ثقافية ودينية على مستوى العالم.
6. الاقتصاد في الفاتيكان
على الرغم من صغر حجمها، فإن الفاتيكان تُعد دولة ذات دخل مرتفع جدًا نظرًا لعدة عوامل، أبرزها: الدخل الناتج عن السياحة، والتبرعات من الكنائس الكاثوليكية في جميع أنحاء العالم، وكذلك العوائد من الاستثمارات التي تمتلكها الدولة.
إضافة إلى ذلك، هناك الدخل الناتج عن بيع التذكارات والكتب المقدسة التي يتم بيعها للسياح، بالإضافة إلى البطاقات البريدية والهدايا التذكارية التي يمكن شراءها من المحلات المتواجدة في الفاتيكان.
ورغم أن الفاتيكان يمتلك نظامًا اقتصاديًا مختلفًا عن بقية الدول، فإنه يظل غير مرتبط بالجهاز المصرفي العالمي، ويعتمد على التبرعات والموارد الخاصة به.
7. القوانين في الفاتيكان
تستند القوانين في الفاتيكان إلى مبادئ الكنيسة الكاثوليكية وقيمها. ويعمل البابا على إصدار القرارات الدينية والتشريعات التي تضمن سير العمل في مختلف المجالات الدينية والإدارية. على سبيل المثال، تقتصر الجنسيات في الفاتيكان على الرجال الدينيين والموظفين الإداريين الذين يعملون في الحكومة الفاتيكانية، ولا يُسمح للمواطنين بالعيش في الفاتيكان إلا إذا كانت لهم وظائف معينة.
أما من الناحية السياسية، فتظل دولة الفاتيكان واحدة من أكثر الدول التي تحترم الحياد السياسي، حيث لا تتدخل في النزاعات السياسية بين الدول، ولا تسعى وراء مصالح إقليمية.
8. التأثير الديني والسياسي للفاتيكان
دولة الفاتيكان، رغم صغر حجمها، تملك تأثيرًا دينيًا وسياسيًا كبيرًا، ليس فقط في الكنيسة الكاثوليكية، بل أيضًا في السياسة العالمية. فمنذ أن أصبح البابا في العصور الوسطى يشغل مكانة مرموقة بين الحكام، والكرسي الرسولي حافظ على مكانته كأحد اللاعبين الكبار في الدبلوماسية الدولية.
تلعب الفاتيكان دورًا كبيرًا في الدفاع عن حقوق الإنسان و السلام العالمي، حيث يدعو البابا في مختلف المناسبات إلى الحوار بين الأديان وتبني مواقف محايدة تركز على تقليل النزاعات الطائفية والسياسية. هذا الموقف جعل من الفاتيكان مركزًا للمفاوضات الدولية، سواء في قضايا حقوق الإنسان أو في قضايا تتعلق بالحروب والصراعات العالمية.
9. التنظيم الإداري في الفاتيكان
إدارة الفاتيكان تتكون من عدة هيئات أبرزها مجلس الفاتيكان، الذي يتولى الشؤون الإدارية والمالية، بالإضافة إلى السكرتارية البابوية التي تدير العلاقات الخارجية. كما أن هناك عدد من اللجان المختصة بإدارة شؤون التعليم، الإغاثة الإنسانية، والفنون.
تتمثل أبرز الهيئات في دولة الفاتيكان في هيئة الدولة الفاتيكانية التي تشرف على شؤون الحكومة، حيث يُعتبر البابا هو رأس السلطة التنفيذية، التشريعية، والقضائية في آن واحد.
10. ختامًا: الفاتيكان بين التقدير الديني والصغر الجغرافي
رغم صغر حجمها بشكل ملحوظ مقارنة بأي دولة أخرى، تظل دولة الفاتيكان أيقونة دينية في العالم، حيث إنها تمثل قلب الكنيسة الكاثوليكية ومركزًا روحيًا ودينيًا للملايين حول العالم. وكلما نظرنا إلى هذه الدولة الصغيرة من حيث المساحة، ندرك كم هي عميقة في تأثيرها على المستوى الثقافي والديني والسياسي، مما يجعلها فريدة بين دول العالم.
