دور المرأة في المجتمع قديمًا وحديثًا

المقدمة

لطالما شكلت المرأة جزءًا جوهريًا من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في مختلف الحضارات القديمة والمعاصرة، غير أن أدوارها كانت وما زالت تمر بتحولات عميقة تعكس تطور الفكر البشري والأنظمة الاجتماعية. فمن امرأة مرتبطة بوظائف تقليدية ضمن حدود الأسرة، إلى عنصر فاعل في بناء المجتمعات واقتصاداتها، يتجلى في هذا المسار الطويل حجم التحديات والإنجازات التي واجهتها المرأة عبر العصور. إن تتبع دور المرأة في المجتمع قديمًا وحديثًا يُمكّن من استيعاب مدى مساهمتها الحقيقية في التنمية الشاملة، ويتيح تقييم التغيرات الثقافية والقانونية التي أثرت على وضعها ومكانتها.

المرأة في المجتمعات القديمة

المجتمعات القبلية والزراعية

في المجتمعات القبلية والزراعية القديمة، كانت المرأة تمثل نواة الأسرة ومصدرًا أساسيًا للحفاظ على البنية الاجتماعية. كانت مهامها تشمل رعاية الأطفال، إدارة المنزل، والمساهمة في الزراعة وتربية المواشي. وفي العديد من هذه المجتمعات، كانت المرأة تمتلك دورًا روحيًا أو دينيًا ضمن الطقوس الشعبية، إذ كان يُنظر إليها كرمز للخصوبة والحياة. إلا أن هذا الدور ظل محصورًا ضمن الأطر التقليدية ولم يكن يسمح لها بالمشاركة السياسية أو اتخاذ قرارات تتعلق بالمجتمع ككل.

الحضارات القديمة: مصر، اليونان، وروما

في الحضارة المصرية القديمة، حظيت المرأة بمكانة مميزة مقارنة ببعض الحضارات المعاصرة لها. فقد كانت قادرة على امتلاك الأراضي، ووراثة الممتلكات، بل وحتى تولي مناصب دينية وقضائية في بعض الحالات. الملكة حتشبسوت، على سبيل المثال، حكمت مصر بسلطة كاملة، وهو ما يدل على إمكانية وصول المرأة إلى مواقع القيادة.

أما في اليونان القديمة، فقد اقتصر دور المرأة على المنزل والأسرة، وكانت محرومة من التعليم والمشاركة في الحياة العامة. لم يُسمح لها بالحضور في المنتديات أو التصويت، وكانت تُعتبر ملكية للأب أو الزوج. وقد كان الاستثناء في بعض المدن كـ”أسبرطة”، حيث تم منح المرأة حرية أكبر نظرًا لاعتماد المجتمع على بناء الأجسام القوية من كلا الجنسين.

في روما القديمة، كانت المرأة تتمتع بحقوق قانونية محدودة نوعًا ما، لكنها كانت تُعتبر شريكة في تنظيم الشؤون المنزلية والاقتصادية. وسمح لها تدريجيًا بالمشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية.

المرأة في المجتمعات الإسلامية في العصور الوسطى

شهدت المرأة المسلمة خلال العصور الوسطى مشاركة فاعلة في مجالات متعددة. فقد برزت نساء عالمات في الفقه والحديث، ومُدرسات في حلقات العلم بالمساجد الكبرى، كما في حالة فاطمة الفهرية التي أسست جامعة القرويين، أول جامعة في العالم. وفي مجال الاقتصاد، كانت النساء يملكن المتاجر ويشاركن في الأسواق، ولعبن دورًا كبيرًا في التبرع للأوقاف والأعمال الخيرية.

إلا أن الواقع الاجتماعي لم يكن دائمًا منصفًا، إذ خضعت المرأة في بعض المناطق لتفسيرات متشددة حالت دون تمكينها الكامل، فتباين وضعها باختلاف المناطق والمذاهب والسلطات السياسية.

تطورات دور المرأة في العصر الحديث

الثورة الصناعية وتحولات العمل

أحدثت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر تحولًا جذريًا في بنية المجتمعات، وانعكست هذه التغيرات بقوة على دور المرأة. فمع انتقال الناس من الريف إلى المدينة ونشوء المصانع، اضطرت العديد من النساء للعمل خارج المنزل للمساهمة في إعالة الأسرة. وقد عملت النساء في مصانع النسيج والمطابع ومجالات الخدمة، غالبًا في ظروف صعبة ومهينة وبأجور منخفضة مقارنة بالرجال.

ورغم القسوة، شكّلت هذه المرحلة لحظة فارقة إذ خرجت المرأة من الإطار المنزلي المغلق إلى الفضاء العام، ما وضع الأساس لحركات المطالبة بحقوق المرأة لاحقًا، مثل حق الانتخاب والمساواة في الأجور.

القرن العشرون ونضال المرأة من أجل الحقوق

في مطلع القرن العشرين، تصاعدت الحركات النسوية في أوروبا وأمريكا مطالبةً بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية. بدأت النساء تناضل من أجل الحصول على حق التصويت، التعليم الجامعي، والمساواة في قوانين الأسرة والعمل. وبالفعل، بدأت الدول تباعًا تمنح المرأة هذه الحقوق، بدءًا من نيوزيلندا عام 1893، ثم المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها.

وشهد منتصف القرن العشرين دخول المرأة إلى مجالات كانت حكرًا على الرجال، مثل الطب والهندسة والتعليم العالي، كما لعبت أدوارًا مهمة في الحروب، سواء في خطوط الإمداد أو في العمل التمريضي والطبي.

المرأة في العالم العربي الحديث

في العالم العربي، بدأت نهضة المرأة تتجلى في أوائل القرن العشرين، مع بروز رائدات الفكر والتنوير مثل هدى شعراوي، نازك الملائكة، ومي زيادة. وقد طالبن بتعليم المرأة وتحريرها من القيود التقليدية، مما أسهم في تغيير النظرة العامة نحو النساء.

شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين تطورًا نوعيًا في مشاركة المرأة العربية في الحياة العامة. فدخلت مجالات الإعلام، والطب، والتعليم، والسياسة، وبرزت كاتبات وأديبات وناشطات سياسيات. إلا أن التفاوت لا يزال قائمًا بين دولة وأخرى نتيجة لاختلاف التشريعات، العادات، ودرجة الحداثة المجتمعية.

المرأة في المجتمع الحديث: الحاضر والمستقبل

المرأة والتعليم

يُعتبر التعليم حجر الزاوية في تمكين المرأة، وهو المجال الذي شهد فيه العالم تطورات ملحوظة خلال العقود الأخيرة. فقد أصبحت نسبة التحاق النساء بالتعليم العالي تفوق في كثير من الأحيان نسبة الرجال، خصوصًا في الدول المتقدمة وبعض الدول النامية. هذه القفزة العلمية أثمرت عن ارتفاع عدد العالمات، الباحثات، والطبيبات، وأسهمت في تحسين الصورة النمطية المرتبطة بالمرأة.

المرأة وسوق العمل

دخلت المرأة سوق العمل بكثافة خلال القرن الحادي والعشرين، وأصبحت تشارك في مختلف القطاعات بما في ذلك التكنولوجيا، الطاقة، الريادة، والسياسات العامة. وشهدت النساء في العالم العربي تطورًا واضحًا في نسب التوظيف، لا سيما في الخليج العربي حيث تبنت الدول سياسات داعمة لتمكين المرأة، مثل السعودية والإمارات.

غير أن التحديات لا تزال قائمة، مثل الفجوة في الأجور، نقص تمثيل النساء في المناصب القيادية، وصعوبة التوفيق بين العمل والأسرة، ما يتطلب سياسات اجتماعية وتشريعية أكثر تقدمًا لضمان المساواة الفعلية.

المرأة والتمكين السياسي

شهدت العقود الأخيرة صعودًا نسائيًا متزايدًا في المجال السياسي، حيث تقلدت النساء مناصب قيادية كرئاسة الوزراء والوزارات والبرلمانات. وقد ساعدت القوانين التي خصصت نسبًا محددة (كوتا) للنساء في البرلمانات على زيادة تمثيلهن السياسي، وهو ما عزز من صوت المرأة في صناعة القرار وتشكيل السياسات العامة.

المرأة والابتكار الرقمي

في ظل الثورة الرقمية، برزت المرأة كفاعل أساسي في قطاع التكنولوجيا وريادة الأعمال الرقمية. دخلت آلاف النساء إلى مجالات البرمجة، الذكاء الاصطناعي، وتصميم التطبيقات. وقد برزت مبادرات عالمية لدعم النساء في هذا القطاع، مثل “Women in Tech” و”Girls Who Code”، لدعم التعليم التكنولوجي وتمكين النساء رقميًا.

جدول يوضح المقارنة بين دور المرأة قديمًا وحديثًا

الخلاصة

إن تتبع دور المرأة في المجتمع عبر العصور يكشف عن انتقال عميق من أدوار هامشية أو محدودة إلى مساهمة محورية في كافة مجالات الحياة. ولم تكن هذه النقلة ممكنة لولا نضال النساء عبر الأجيال، وتطور الفكر الإنساني، وظهور تشريعات ضمنت للمرأة حقوقها. ومع استمرار التحديات، تبقى المساواة وتمكين المرأة مشاريع مستمرة تتطلب تعاون المجتمعات والحكومات والمؤسسات الدولية.

المصادر:

1. Fatima Mernissi. The Veil and the Male Elite: A Feminist Interpretation of Women’s Rights in Islam. Basic Books, 1991.

2. UNESCO Institute for Statistics. Women in Science. 2021.