نعود في الزمن إلى عام واحد وتسعمائة وواحد وتسعين، حينما بدأت مسيرة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وكانت الولايات المتحدة على أعتاب تأسيس هذا البنك المركزي المكون من اثني عشر فرعاً إقليمياً، والذي يعتبر تحت مظلة القطاع الخاص. ورغم أنه يظهر ككيان مستقل، إلا أن الحقيقة المدهشة هي أن رئيس الولايات المتحدة يُعين أعضاء مجلس إدارته.
في القرن التاسع عشر، كانت أمريكا تمتلك ما يقرب من سبعمائة مصرف، حيث كان كل منها يصدر عملته الخاصة. لذا، كان هناك أكثر من ثلاثين ألف عملة متداولة في هذا الوقت. إذا كنت تعيش في نيويورك، فقد تجد أن الدولار الذي تتعامل به يختلف عن الدولار في واشنطن، مما قد يبدو فوضويًا في الأسواق المالية الأمريكية.
لكن في نهاية المطاف، تم اتخاذ قرار يمكن أن يغير هذه السياسة النقدية في الولايات المتحدة وحتى في العالم. ولكن هذا لم يحدث إلا بعد مرور مائة عام، عندما فقدت بورصة الولايات المتحدة خمسين بالمائة من قيمتها في عام واحد ألف وتسعمائة وسبعة.
في عام ألف وتسعمائة وثلاثة عشر، أمر الكونجرس الأمريكي بتأسيس البنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي يعتمد احتياطيه على الذهب، ليقوم بمهمة الاستقرار المالي في البلاد، وأصبح لاحقًا ذا تأثير هائل على الاقتصاد العالمي. يدير البنك الفيدرالي معدلات الفائدة، ويتابع السياسة المالية، ويقوم بإنقاذ البنوك أثناء الأزمات.
هل تسائلت يومًا إذا كان البنك الفيدرالي هو من يقوم بطباعة الدولار؟ لا، هذا الأمر يعود إلى وزارة خزانة المالية الأمريكية. ومع تقدم الزمن، تعرضت البنوك الأمريكية في عام ألف وتسعمائة وثلاثين لحالة من الذعر، أدت إلى إعلان العديد منها إفلاسها، مما غيّر منظومة البنك الفيدرالي وجعله أكثر قوة ونفوذًا.
وفي عام ألف وتسعمائة وأربعين، عُقد اجتماعٌ لأربع وأربعين دولة لتحديد نظام نقدي دولي، حيث سعت أمريكا إلى الهيمنة على العالم. وكان الذهب هو الوسيلة المالية المعتمدة لتحويل الدولار من عملة محلية إلى عملة احتياط دولية. وهكذا، أصبح للدولار دورٌ هام كعملة احتياطية.
إلى جانب تلاعب البنك الفيدرالي بسعر الفائدة، يظهر الآن كمنظمةٍ ترعب العالم، حيث يتأثر سعر الصرف للعملات الأخرى بتحركاته. بنسبة تزيد عن ثمانين في المائة، تتم التعاملات بالدولار، ويُستثمر معظمه في السندات والأسهم بدلاً من الذهب، مما يجعل الدولار العملة الآمنة للاستثمار.
في حالة الانتعاش الاقتصادي، يرفع البنك الفيدرالي الفائدة للتحكم في التضخم، وفي حالة الركود، يخفض سعر الفائدة لتشجيع الاقتراض وتحفيز الاقتصاد. يُجيد البنك الفيدرالي استخدام سلاح أسعار الفائدة للتعامل مع حالات النمو والتضخم. وهكذا، يظل البنك الفيدرالي الجهة الأهم في عالم السياسة المالية العالمية، حيث يترقبه العالم بفارغ الصبر لاتخاذ قراراته ومتابعتها بدون نقاش.
المزيد من المعلومات
إن مسار البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يمتد عبر العقود، وهو يتخذ دورًا حاسمًا في توجيه السياسة النقدية والمالية لأكبر اقتصاد في العالم. على الرغم من أن تأسيسه كان في سياق تعافي الاقتصاد الأمريكي من الكساد الكبير، إلا أن البنك الفيدرالي أصبح بمرور الزمن ركيزة أساسية في النظام المالي الدولي.
في سياق التاريخ الحديث، عانت الولايات المتحدة والعالم من أحداث اقتصادية هامة، وكان للبنك الفيدرالي دور فعّال في مواجهتها. على سبيل المثال، خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تدخل البنك الفيدرالي بشكل حازم لمنع انهيار النظام المالي، حيث قدم دعمًا للبنوك وشركات التأمين وتبادل الأصول.
يُشير البعض إلى دور البنك الفيدرالي كـ”البنك المركزي للعالم”، حيث يتمتع بتأثير عظيم على الاقتصادات العالمية. في محاولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، يتعاون البنك الفيدرالي مع بنوك مركزية أخرى حول العالم، مما يظهر أن التفاعلات الاقتصادية لا تقتصر على حدود الدولة الوطنية.
علاوة على ذلك، يملك البنك الفيدرالي القدرة على التأثير على سوق العمل ومعدلات البطالة من خلال سياسته النقدية. فعندما يتخذ قرارًا برفع أو خفض معدلات الفائدة، يؤثر ذلك على قرارات الاستثمار والاقتراض في الاقتصاد، وبالتالي يتأثر معدل البطالة.
من الجوانب الهامة أيضًا، يعتبر البنك الفيدرالي مسؤولًا عن مراقبة التضخم، وهو يسعى للحفاظ على استقرار الأسعار. وفي سبيل ذلك، يستخدم البنك الفيدرالي مجموعة من الأدوات الاقتصادية، بما في ذلك التحكم في معدلات الفائدة وتوجيه السياسات النقدية.
إن هذه الأمور تظهر أهمية البنك الفيدرالي كمحرك رئيسي للاقتصاد الأمريكي وكلاعب كبير في المسرح الاقتصادي العالمي. ومع أنه يواجه انتقادات بشأن تأثيره الهائل، إلا أنه يظل جزءًا لا يتجزأ من البنية الاقتصادية العالمية وعاملاً محوريًا في استقرار الأسواق المالية.