دور الإعلام في تربية الأبناء

عنوان المقال: الإعلام وتربية الأبناء

مقدمة

تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في تشكيل الوعي الجمعي والثقافة العامة داخل المجتمعات المعاصرة، ولم يعد تأثيرها مقتصراً على الجانب الإخباري أو الترفيهي فحسب، بل تجاوز ذلك ليشمل عملية التنشئة الاجتماعية والتربوية، خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين. في ظل التطور التكنولوجي الهائل وانتشار المنصات الإعلامية الرقمية، أصبح الإعلام شريكاً غير مباشر للوالدين في تربية الأبناء، سواء من خلال ما يعرضه من مضامين أو من خلال الآليات التي يوصل بها هذه المضامين. تزداد خطورة هذا الدور مع قلة الرقابة الأسرية والانفتاح غير المحدود على محتوى عالمي متنوع ثقافياً وقيمياً.

أولاً: المفهوم العام لوسائل الإعلام

تُعرَّف وسائل الإعلام بأنها جميع الأدوات أو المنصات التي تُستخدم لنقل المعلومات والأفكار والأخبار والبرامج الترفيهية إلى الجمهور. وتشمل وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، إلى جانب الوسائل الرقمية الحديثة مثل الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، القنوات التفاعلية، البودكاست، ومنصات الفيديو كـ”يوتيوب” و”نتفليكس”.

لقد تحولت وسائل الإعلام من أداة تكميلية إلى قوة ثقافية واجتماعية مؤثرة تساهم بشكل مباشر في إعادة تشكيل مفاهيم التربية والقيم داخل البيوت.

ثانياً: الإعلام كأداة تربوية غير رسمية

تلعب وسائل الإعلام دوراً رئيسياً في التربية غير الرسمية للأبناء، وذلك عبر ما تقدمه من مضامين ثقافية، تعليمية، دينية، واجتماعية. في كثير من الأحيان، تكون البرامج التلفزيونية أو الفيديوهات عبر الإنترنت المصدر الأول للمعلومة والسلوك بالنسبة للطفل قبل المدرسة أو حتى الأسرة.

تظهر أهمية هذا الدور في عدة نواحي:

• تعزيز المهارات اللغوية والمعرفية: تقدم البرامج التعليمية الموجهة للأطفال مواد تسهم في تنمية مهاراتهم اللغوية والمنطقية والرياضية.

• تعليم القيم الأخلاقية والاجتماعية: كثير من البرامج الكرتونية والدرامية تسلط الضوء على مفاهيم مثل الصدق، الاحترام، الصداقة، وحل النزاعات بطرق سلمية.

• تعزيز الفضول وحب الاستطلاع: يدفع الإعلام الأطفال نحو طرح الأسئلة والبحث عن المعرفة، من خلال البرامج الوثائقية والعلمية.

ثالثاً: التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام على الأبناء

رغم ما تحمله وسائل الإعلام من إيجابيات، إلا أن تأثيراتها السلبية على الأبناء قد تكون مدمرة في حال غياب الرقابة الأسرية والتوجيه التربوي. ومن أبرز هذه التأثيرات:

1. نشر العنف والمحتوى غير اللائق

تشير دراسات عديدة إلى وجود علاقة بين مشاهدة الأطفال لمحتوى عنيف في التلفاز أو الألعاب الإلكترونية وبين ميلهم إلى السلوك العدواني. كما أن التعرض لمحتوى جنسي أو غير أخلاقي يمكن أن يؤثر سلباً على البناء القيمي والسلوكي للأطفال والمراهقين.

2. التطبيع مع السلوكيات السلبية

من خلال تكرار عرض سلوكيات كالتدخين، تناول الكحول، أو التمرد على السلطة، تُقدَّم هذه الأفعال على أنها عادية أو حتى مرغوبة، مما يشوه وعي الطفل تجاه الخطأ والصواب.

3. الانفصال عن الواقع والأسرة

يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل الإعلام، خاصة الرقمية منها، إلى عزلة الأبناء عن محيطهم الأسري والاجتماعي، مما يقلل من فرص التواصل الفعّال مع الأسرة ويؤثر على العلاقات العاطفية والتربوية داخل البيت.

4. الإدمان الرقمي وتشتت الانتباه

الإفراط في استخدام وسائل الإعلام الرقمية يعزز من ظاهرة الإدمان الرقمي ويقلل من قدرة الطفل على التركيز والانخراط في الأنشطة التعليمية والتفاعلية المفيدة.

رابعاً: دور الأسرة في توجيه العلاقة بين الأبناء والإعلام

يُلقى على عاتق الأسرة الدور الأساسي في تنظيم علاقة الطفل بوسائل الإعلام من حيث المدة والمحتوى. ويتجلى هذا الدور في:

• المتابعة والرقابة: يجب على الوالدين متابعة البرامج التي يشاهدها الأبناء وتحديد الأوقات المناسبة لاستخدام الأجهزة.

• الحوار والتفسير: عند مشاهدة محتوى معين، من المهم التحدث مع الطفل حوله، وشرح المضامين بشكل يتناسب مع عمره ومدى إدراكه.

• القدوة الإعلامية: على الأهل أن يكونوا قدوة في طريقة تعاملهم مع الإعلام، كأن لا يقضوا ساعات طويلة أمام الشاشات، وأن يُظهروا انتقاءهم الواعي للمحتوى.

• البدائل التربوية: تقديم بدائل مفيدة وجذابة مثل الكتب، الألعاب التعليمية، الأنشطة الخارجية، يُسهم في تقليل اعتماد الطفل على الإعلام كمصدر وحيد للتسلية والمعرفة.

خامساً: المدرسة والإعلام التربوي

تلعب المدرسة دوراً مكملاً للأسرة في ترسيخ علاقة صحية بين الطفل والإعلام من خلال:

• تعليم مهارات التفكير النقدي: تساعد المدارس الأطفال على تحليل الرسائل الإعلامية وتقييمها، مما يعزز قدرتهم على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة.

• دمج الوسائل الإعلامية في العملية التعليمية: يمكن للمؤسسات التربوية الاستفادة من الوسائط المتعددة لتقديم دروس تفاعلية تعزز من الفهم وتحفز الاهتمام.

• التوعية بخطورة المحتوى الضار: يجب أن تتضمن المناهج الدراسية موضوعات حول التربية الإعلامية لتوعية الطلاب بمخاطر الإعلام وتدريبهم على التعامل الآمن معه.

سادساً: الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي في حياة الأطفال

يشهد العصر الحالي طفرة غير مسبوقة في استخدام الذكاء الاصطناعي في المحتوى الإعلامي الموجه للأطفال، من خلال توصيات المحتوى، الروبوتات التفاعلية، والتطبيقات التعليمية. ورغم أن هذه التقنيات تفتح آفاقاً جديدة للتعلم، إلا أنها قد تعمق مشكلة التعلق بالشاشة والانعزال عن الواقع في حال لم تُستخدم بوعي.

يجب هنا الإشارة إلى ضرورة تطوير “الذكاء الإعلامي” لدى الطفل، وهو مصطلح يشير إلى القدرة على استخدام وسائل الإعلام بشكل نقدي وآمن، وهو ما يستدعي التعاون بين الأسرة، المدرسة، والمؤسسات الإعلامية.

سابعاً: الإعلام كمصدر لنماذج القدوة

تؤثر الشخصيات الإعلامية بشكل كبير في تكوين صورة “القدوة” لدى الطفل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أو أبطال المسلسلات والأفلام. وقد يكون هذا التأثير إيجابياً أو سلبياً، حسب مضمون المحتوى وطريقة عرض الشخصية.

في حال تقديم الشخصيات الناجحة والأخلاقية في قالب إعلامي جذاب، فإن ذلك يخلق نموذجاً يحتذي به الطفل، يعزز من طموحه ويحسن من سلوكياته. أما في حال الترويج لنماذج سطحية أو منحرفة، فإن النتيجة تكون انحرافاً في معايير الطموح والنجاح لدى الأبناء.

ثامناً: ضرورة تطوير إعلام تربوي هادف

من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية هو غياب إعلام تربوي مؤسسي موجه للأطفال، يكون بديلاً فعالاً للمحتوى العشوائي والهابط المنتشر في المنصات. يجب أن يتوفر إعلام تربوي يحمل الرسالة التالية:

• التركيز على الهوية والقيم العربية والإسلامية

• تعزيز مهارات التفكير والتعلم الذاتي

• طرح محتوى تفاعلي مبني على البحث والاستكشاف

• احترام ذكاء الطفل وقدرته على الفهم والنقد

جدول: مقارنة بين التأثيرات الإيجابية والسلبية للإعلام على الأبناء

خاتمة

لقد أصبح الإعلام مكوناً أساسياً من مكونات التربية المعاصرة، وتأثيره بات متغلغلاً في كل تفاصيل حياة الأبناء. ومع تزايد هذا التأثير، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز التربية الإعلامية داخل الأسرة والمدرسة، وبناء محتوى إعلامي تربوي يستند إلى قيم المجتمع ويهدف إلى تنمية شخصية الطفل من جميع الجوانب. إن تربية الأبناء اليوم لم تعد مسؤولية الأسرة وحدها، بل هي مسؤولية مجتمعية يتقاسمها الإعلام، المدرسة، والمؤسسات الثقافية والتربوية. وتبقى الرقابة الواعية والتوجيه الحصيف هما الأساس في تحقيق التوازن المنشود بين الإفادة من وسائل الإعلام وتفادي أخطارها.

المراجع

1. منظمة اليونيسف. (2020). Media and Children: Impact Study.

2. عبد الرحمن، عبد العزيز. (2019). الإعلام وتربية الأطفال في العصر الرقمي. دار الفكر العربي.