دور الأخصائي الاجتماعي في المجتمع

أدوار الأخصائي الاجتماعي: محور التكامل بين الفرد والمجتمع

يُعدّ الأخصائي الاجتماعي أحد أبرز الركائز المهنية في منظومة الرعاية الاجتماعية، حيث يتجاوز دوره الحدود التقليدية لتقديم الدعم والمساعدة، ليصبح عنصرًا أساسيًا في تنمية المجتمعات وتطوير الأفراد وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية. إن الأخصائي الاجتماعي لا يعمل فقط على حل المشكلات الظاهرة، بل يغوص في عمق العلاقات والسياقات الاجتماعية من أجل الوقاية، والتمكين، وبناء قدرات الأفراد والمؤسسات. تتوزع أدواره بين مجالات متعددة منها المدرسة، والمستشفى، والسجن، والمراكز التنموية، والمؤسسات الخيرية، مما يمنحه تأثيرًا مباشرًا وشاملاً في مختلف مستويات المجتمع.

هذا المقال يتناول بالتفصيل الأدوار المحورية التي يضطلع بها الأخصائي الاجتماعي، مستعرضًا أبعادها النظرية والتطبيقية، ومدى تأثيرها على الأفراد والجماعات، مع التركيز على أهمية التخصص المهني، والمهارات المطلوبة، والتحديات التي تواجهه في سبيل أداء رسالته على النحو الأمثل.

أولًا: الأخصائي الاجتماعي كداعٍ للتمكين الاجتماعي

واحدة من أبرز أدوار الأخصائي الاجتماعي تتمثل في التمكين، أي مساعدة الأفراد على اكتشاف قدراتهم واستغلالها للتغلب على التحديات الاجتماعية أو الاقتصادية أو النفسية. التمكين لا يعني فقط تقديم حلول جاهزة، بل إشراك الأفراد في صياغة الحلول والعمل على تنفيذها، مما يعزز الشعور بالكرامة والاستقلالية.

في هذا السياق، يعتمد الأخصائي الاجتماعي على أساليب علمية مثل التشخيص الاجتماعي، والتخطيط التشاركي، والتدخل المنهجي، بحيث يتمكن من توجيه الأفراد نحو تحقيق أقصى إمكاناتهم ضمن بيئاتهم الاجتماعية.

ثانيًا: الأخصائي الاجتماعي كوسيط في حل النزاعات

يلعب الأخصائي الاجتماعي دور الوسيط الاجتماعي، وخاصة في حالات الخلافات الأسرية، أو نزاعات العمل، أو الصراعات بين فئات المجتمع. يقوم بتحليل جذور النزاع، وإيجاد مساحات للتفاهم، والعمل على بناء الجسور بين الأطراف.

يعتمد الأخصائي في هذا الدور على مهارات التفاوض، والاستماع الفعّال، والحيادية، وفهم الديناميكيات النفسية والاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد داخل الجماعات. وغالبًا ما يكون هذا التدخل حاسمًا في منع تفاقم النزاعات وتحولها إلى صراعات حادة.

ثالثًا: الأخصائي الاجتماعي كمدافع عن الحقوق

من الأدوار الجوهرية التي يضطلع بها الأخصائي الاجتماعي هي الدفاع عن الفئات الهشة والمهمّشة مثل الأطفال، والنساء، وذوي الإعاقة، وكبار السن، والمهاجرين، وضحايا العنف. يُسهم الأخصائي في رفع الوعي بحقوق هذه الفئات، ويعمل على ضمان حصولهم على خدمات متكاملة في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، والحماية القانونية.

ويتطلب هذا الدور معرفة دقيقة بالتشريعات، والقدرة على الترافع الاجتماعي، والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والهيئات الرسمية.

رابعًا: الأخصائي الاجتماعي كمنسق للبرامج والخدمات

يتولى الأخصائي الاجتماعي مسؤولية تنسيق البرامج والخدمات الاجتماعية داخل المؤسسات المختلفة، سواء في المدارس، أو المستشفيات، أو مراكز التأهيل. يقوم بتحديد احتياجات الفئة المستهدفة، وتصميم التدخلات المناسبة، ومتابعة تنفيذها وتقييم نتائجها.

هذا يتطلب منه مهارات تحليل البيانات، والتخطيط، وإدارة الموارد، وبناء العلاقات التعاونية مع مختلف القطاعات المهنية.

خامسًا: الأخصائي الاجتماعي كموجه تربوي ونفسي

في البيئات التعليمية، يُمثل الأخصائي الاجتماعي حلقة وصل بين الطالب والأسرة والمدرسة. يتابع المشكلات السلوكية والتعليمية، ويساهم في وضع خطط تدخل فردية لتحسين الأداء الأكاديمي والاجتماعي للطلاب.

كما يضطلع بدور إرشادي نفسي، وخاصة في التعامل مع حالات التنمر، والاكتئاب، والتسرب المدرسي. ويعمل على تعزيز مهارات التكيف، والذكاء العاطفي، والانضباط الذاتي لدى المتعلمين.

سادسًا: الأخصائي الاجتماعي في المجال الطبي

في المستشفيات والمراكز الصحية، يعمل الأخصائي الاجتماعي ضمن الفريق الطبي لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى وأسرهم. يتولى توعية المرضى بخيارات العلاج، وتنسيق الرعاية بعد الخروج من المستشفى، ومساعدة المرضى على تجاوز الصدمات أو التحديات المرتبطة بالمرض أو الإعاقة.

ويُعد هذا الدور ضروريًا في ضمان رعاية شاملة ومتكاملة تراعي الجوانب النفسية والاجتماعية للمريض إلى جانب الجوانب الجسدية.

سابعًا: الأخصائي الاجتماعي كصانع سياسات

لا يقتصر دور الأخصائي الاجتماعي على المستوى الفردي فقط، بل يمتد إلى المساهمة في صنع السياسات الاجتماعية، من خلال تقديم المشورة المبنية على البيانات الميدانية، واقتراح الحلول والسياسات التي تعزز العدالة الاجتماعية، وتحسن من نوعية حياة الأفراد.

يشارك في صياغة التشريعات، وإعداد الدراسات التقييمية، وتصميم النظم الوقائية، خاصة في مجالات مثل حماية الطفل، والتكافؤ في التعليم، والتصدي للفقر، ومواجهة العنف الأسري.

ثامنًا: الأخصائي الاجتماعي كمدرب وباحث

نظرًا للطبيعة المتغيرة للقضايا الاجتماعية، فإن الأخصائي الاجتماعي يحتاج إلى الاستمرار في البحث والتدريب. كما يُسهم في إعداد الكوادر الجديدة من خلال تقديم الدورات التدريبية، والإشراف على الطلبة المتدربين في الجامعات أو في المؤسسات.

وهو كذلك مطالب بإجراء أبحاث اجتماعية ميدانية تساهم في تطوير الممارسات المهنية، وتغذية الخطط الاستراتيجية للمؤسسات الحكومية والأهلية.

تاسعًا: الأخصائي الاجتماعي كقائد مجتمعي

يُعتبر الأخصائي الاجتماعي قائدًا مجتمعيًا يعمل على تحفيز المبادرات المحلية، وبناء شبكات دعم اجتماعي، وتعزيز روح المشاركة المجتمعية. ينخرط في عمليات التنمية المجتمعية، سواء عبر المشاريع الصغيرة، أو برامج التمكين الاقتصادي، أو تعزيز الوعي بالقضايا البيئية أو الحقوق المدنية.

يعتمد هذا الدور على الكاريزما، والإبداع، والقدرة على تعبئة الموارد البشرية والمادية نحو تحقيق أهداف جماعية.

عاشرًا: التحديات المهنية التي تواجه الأخصائي الاجتماعي

رغم أهمية الأدوار التي يؤديها الأخصائي الاجتماعي، إلا أنه يواجه العديد من التحديات المهنية، منها:

• القصور المؤسسي في دعم هذا الدور، وغياب البنية التحتية الفاعلة.

• قلة الوعي المجتمعي بأهمية عمل الأخصائي الاجتماعي، مما يحد من فعاليته.

• العبء الوظيفي المرتفع نتيجة ضغط الحالات، وقلة الكوادر.

• التحديات الأخلاقية والمهنية مثل حماية خصوصية الحالات، والتعامل مع مواقف حساسة.

• ضعف التمويل والتدريب المستمر، ما يعيق التقدم المهني والبحثي.

جدول يوضح المجالات المتعددة لعمل الأخصائي الاجتماعي والوظائف الأساسية فيها:

المهارات الأساسية للأخصائي الاجتماعي

يتطلب أداء الأدوار المتعددة للأخصائي الاجتماعي امتلاك مجموعة متكاملة من المهارات، من أبرزها:

• الذكاء العاطفي: لفهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بفعالية.

• القدرة على التحليل الاجتماعي: لفهم البنية الاجتماعية وتأثيرها على الأفراد.

• مهارات التواصل الفعّال: لنقل الرسائل بوضوح وتسهيل الحوار.

• إدارة الأزمات: للتعامل مع الحالات الطارئة والتوترات.

• العمل الجماعي: ضمن فرق متعددة التخصصات.

• المعرفة بالتشريعات والسياسات: لفهم الإطار القانوني للعمل.

أثر الأخصائي الاجتماعي على المجتمع

يُسهم الأخصائي الاجتماعي بشكل مباشر في تحسين نوعية حياة الأفراد، ويؤثر على تماسك المجتمع واستقراره. من خلال أدواره المتعددة، يحقق:

• تقليل معدلات الجريمة والتسرب المدرسي.

• تعزيز المشاركة المجتمعية والشعور بالانتماء.

• رفع وعي الأفراد بحقوقهم وواجباتهم.

• تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

• دعم الفئات الهشة وتيسير اندماجها في المجتمع.

خاتمة

الأخصائي الاجتماعي ليس مجرد موظف يؤدي مهامًا مكتبية أو ميدانية، بل هو عقل مفكر، وقلب نابض، وصوت للعدالة، يجمع بين العلم والممارسة، والرحمة والكفاءة، ليرتقي بالمجتمع نحو مزيد من التكافل والتوازن. الأدوار التي يضطلع بها، سواء على المستوى الفردي أو المؤسساتي أو السياسي، تمثل عنصرًا حاسمًا في بناء مجتمعات أكثر إنصافًا واستدامة. ولكي يحقق هذا الدور تأثيره الكامل، لا بد من تعزيز مكانة الأخصائي الاجتماعي، وتوفير الدعم المؤسسي والمهني المستمر له، ليواصل أداء رسالته النبيلة في خدمة الإنسان والإنسانية.

المراجع:

1. الجمعية الأمريكية للأخصائيين الاجتماعيين NASW – www.socialworkers.org

2. “Social Work: An Empowering Profession”, Morales, Sheafor & Scott (7th Edition), Pearson Education.