دور الأخصائي الاجتماعي في المجتمع

المجتمع والنظرة إلى الأخصائي الاجتماعي

يُعتبر المجتمع بمثابة نسيج اجتماعي مترابط يشكل الأفراد داخله شبكة معقدة من العلاقات والتفاعلات، والتي تقوم على قواعد اجتماعية وقيم مشتركة. وعليه، لا يمكن فهم أي مجتمع أو العمل على تطويره وتحسين ظروف أفراده دون الاهتمام بالعوامل التي تؤثر على تماسكه واستقراره. في هذا السياق، يظهر دور الأخصائي الاجتماعي كأحد الأعمدة الأساسية التي تعتمد عليها المجتمعات الحديثة لإيجاد حلول مستدامة للمشكلات الاجتماعية، ومساندة الأفراد والجماعات على التكيف مع متطلبات الحياة المتغيرة.

مفهوم المجتمع وأهميته في بناء الأخصائي الاجتماعي

المجتمع هو مجموعة من الأفراد الذين يشتركون في فضاء جغرافي أو ثقافي أو تاريخي معين، ويُحكمون بنظام معين من القواعد والأعراف. يُعد المجتمع من أهم السياقات التي يؤثر فيها الأخصائي الاجتماعي، إذ يمثل البيئة التي تتولد فيها المشكلات الاجتماعية وتتكشف فيها الاحتياجات البشرية المختلفة. فهم المجتمع وتشكيلاته الاجتماعية هو الخطوة الأولى للأخصائي الاجتماعي الذي يسعى لفهم طبيعة العلاقات الاجتماعية، التحديات، والفرص المتاحة.

المجتمع هو أيضاً الحاضن الذي يُعطي قيمة لعمل الأخصائي الاجتماعي، فبدون فهم المجتمع، لن يكون بمقدور الأخصائي الاجتماعي تقديم حلول أو تدخلات مناسبة. المجتمع هو الميدان الذي يختبر فيه هذا العمل الاجتماعي ويقيس مدى نجاحه.

دور الأخصائي الاجتماعي في المجتمع

الأخصائي الاجتماعي هو ذلك المحترف الذي يمتلك المعرفة والمهارات اللازمة لفهم المشكلات الاجتماعية والتدخل لمعالجتها عبر عدة أدوات وأساليب علمية. يقوم الأخصائي الاجتماعي بدور الوسيط بين الفرد والمجتمع، حيث يعمل على دعم الأفراد الذين يواجهون مشاكل اجتماعية مثل الفقر، العنف الأسري، الإدمان، البطالة، أو الإقصاء الاجتماعي.

كما يهدف الأخصائي الاجتماعي إلى تعزيز قدرات المجتمع نفسه على التكيف وتحسين ظروف أفراده، من خلال العمل على تنمية الموارد المحلية، وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية، والمساهمة في صنع السياسات الاجتماعية الملائمة.

يلعب الأخصائي الاجتماعي دوراً وقائياً مهماً، إذ لا يقتصر دوره على حل المشكلات القائمة، بل يمتد أيضاً إلى التنبؤ بالمشكلات المستقبلية والعمل على تقليل فرص ظهورها عبر التوعية والتثقيف المجتمعي.

النظرة المجتمعية إلى الأخصائي الاجتماعي

تختلف النظرة إلى الأخصائي الاجتماعي من مجتمع إلى آخر بناءً على الثقافة، المستوى التعليمي، ومدى وعي المجتمع بأهمية الدور الذي يؤديه الأخصائي الاجتماعي. في بعض المجتمعات، يحظى الأخصائي الاجتماعي باحترام كبير ويُعتبر عنصراً مهماً في منظومة الدعم الاجتماعي، أما في مجتمعات أخرى فقد يُنظر إليه بشكل سطحي أو حتى مشكك.

في المجتمعات التي لا تعي أهمية الأخصائي الاجتماعي، قد يُعتبر دوره محدوداً أو ثانوياً، ويُعزى ذلك غالباً إلى غياب التوعية المجتمعية حول القضايا الاجتماعية أو ضعف البنية التحتية الاجتماعية التي تؤكد على دور الأخصائي في التنمية الاجتماعية. كما يمكن أن تكون النظرة السلبية ناتجة عن اعتقاد خاطئ بأن الأخصائي الاجتماعي “مجرد موظف إداري” أو “مُراقب” وليس فاعل مباشر في التغيير.

العوامل التي تؤثر في نظرة المجتمع للأخصائي الاجتماعي

1. التعليم والتوعية: كلما زاد وعي المجتمع بالقضايا الاجتماعية وتعقيداتها، كلما ارتفعت قيمة دور الأخصائي الاجتماعي وازدادت ثقته من قبل الناس. التثقيف المجتمعي المستمر يلعب دوراً حاسماً في تحسين الصورة النمطية عن الأخصائي الاجتماعي.

2. نجاحات الأخصائي الاجتماعي: في المجتمعات التي شهدت تدخلات فعالة للأخصائيين الاجتماعيين كانت النظرة إيجابية، إذ يربط الناس نتائج التحسينات الاجتماعية بالدور الذي لعبه الأخصائي.

3. الإعلام: التغطية الإعلامية الموضوعية والواعية لقضايا العمل الاجتماعي وأهميته تساعد في بناء صورة محترمة ومهنية للأخصائي الاجتماعي، بعكس الإعلام السطحي أو السلبي الذي يساهم في تشويه الصورة.

4. الثقافة والقيم الاجتماعية: المجتمعات المحافظة أو التي تمتلك قيم تقليدية متشددة قد ترى في بعض تدخلات الأخصائي الاجتماعي نوعاً من التدخل في شؤون الأسرة أو العادات، مما ينعكس سلباً على نظرتها له.

5. دعم المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية: عندما تتبنى هذه المؤسسات دور الأخصائي الاجتماعي وتعزز مكانته، يزداد اعتراف المجتمع بدوره وأهميته.

التحديات التي تواجه الأخصائي الاجتماعي في المجتمع

على الرغم من أهمية الدور الذي يؤديه الأخصائي الاجتماعي، إلا أنه يواجه العديد من التحديات التي تؤثر على فعاليته وعلى النظرة المجتمعية إليه، منها:

• قلة الموارد المادية والبشرية: عدم توفر الدعم الكافي من الحكومات أو المؤسسات الاجتماعية يحد من قدرة الأخصائي على تقديم خدماته بكفاءة.

• المقاومة الثقافية: يواجه الأخصائي الاجتماعي أحياناً رفضاً من بعض الفئات أو العائلات التي ترى في تدخلاته تهديداً لقيمها أو خصوصياتها.

• قلة الوعي المجتمعي: ضعف المعرفة بأهمية دور الأخصائي الاجتماعي يؤدي إلى تقليل الطلب على خدماته ويحد من تأثيره.

• الإرهاق المهني: الضغط النفسي والإجهاد الذي يتعرض له الأخصائي نتيجة التعامل مع حالات صعبة قد يضعف أدائه ويؤثر على استمراريته.

مهارات الأخصائي الاجتماعي المطلوبة للتعامل مع المجتمع

لكي يتمكن الأخصائي الاجتماعي من مواجهة هذه التحديات وتحسين صورته في المجتمع، لا بد من امتلاك مهارات عدة، منها:

• مهارات التواصل الفعال: القدرة على الاستماع، التحدث، وإيصال الأفكار بطريقة واضحة وملائمة للجميع.

• مهارات التحليل الاجتماعي: فهم القضايا الاجتماعية المعقدة وتحليلها من زوايا مختلفة.

• مهارات التكيف والمرونة: التعامل مع مواقف متنوعة وأشخاص ذوي خلفيات مختلفة بطريقة إيجابية.

• المهارات النفسية والعاطفية: القدرة على تقديم الدعم النفسي ومساندة الأفراد في أوقات الأزمات.

• القدرة على التوعية والتثقيف: نقل المعرفة الاجتماعية والوعي بالمشكلات إلى فئات المجتمع بطريقة تشجع على التغيير الإيجابي.

أثر الأخصائي الاجتماعي في التنمية المجتمعية

يلعب الأخصائي الاجتماعي دوراً محورياً في التنمية الاجتماعية، والتي تُعرف بأنها العملية التي تهدف إلى تحسين نوعية حياة الأفراد من خلال تفعيل الموارد المتاحة وتطوير القدرات الشخصية والجماعية.

تتضمن التنمية المجتمعية مجموعة من الأهداف مثل الحد من الفقر، تمكين الفئات الضعيفة، تحسين التعليم والصحة، وتعزيز التضامن الاجتماعي. وبفضل مهاراته ومعرفته، يساهم الأخصائي الاجتماعي في:

• بناء قدرات المجتمعات المحلية: عبر تدريب الأفراد وتشكيل مجموعات دعم تساعد في مواجهة التحديات.

• تصميم وتنفيذ البرامج الاجتماعية: التي تستهدف تحسين الظروف المعيشية، الصحة النفسية، والاندماج الاجتماعي.

• التنسيق بين الجهات المختلفة: مثل المؤسسات الحكومية، المنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني لضمان استدامة البرامج.

• تقديم الاستشارات والدعم النفسي والاجتماعي: للفئات المستهدفة لتعزيز القدرة على التكيف والمواجهة.

الأخصائي الاجتماعي كجسر بين السياسات والمجتمع

غالباً ما يلعب الأخصائي الاجتماعي دور الوسيط بين صانعي القرار والمجتمع، حيث يقوم بجمع المعلومات وتحليلها حول احتياجات المجتمع الفعلية، ويرفع توصيات لتطوير السياسات الاجتماعية التي تناسب الظروف المحلية.

كما يساهم في مراقبة وتقييم فعالية البرامج الاجتماعية، مما يساعد في تحسين الأداء وضمان توجيه الموارد بشكل أمثل.

مستقبل الأخصائي الاجتماعي في المجتمع

مع التطورات الاجتماعية والتحديات الحديثة مثل التغيرات السريعة في سوق العمل، ارتفاع نسب الفقر، والتحولات الثقافية، يزداد الطلب على الأخصائي الاجتماعي كعامل حاسم في إدارة هذه التحديات.

من المتوقع أن يتوسع دور الأخصائي الاجتماعي ليشمل مجالات جديدة مثل:

• التقنيات الحديثة والرقمية: حيث يمكن للأخصائي الاجتماعي استخدام الأدوات الرقمية للتواصل مع المستفيدين وإدارة البرامج الاجتماعية بفعالية أكبر.

• الصحة النفسية والعافية: في ظل تزايد الضغوط النفسية، سيكون للأخصائي الاجتماعي دور مكثف في تقديم الدعم النفسي.

• العمل في السياسات العامة: المساهمة في تصميم سياسات اجتماعية متكاملة تراعي التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

جدول يوضح الفرق بين النظرة التقليدية والنظرة الحديثة إلى الأخصائي الاجتماعي

خلاصة

المجتمع هو البيئة الأساسية التي يشتغل فيها الأخصائي الاجتماعي، ودوره لا يمكن الاستغناء عنه في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة الأفراد. النظرة إلى الأخصائي الاجتماعي مرتبطة بوعي المجتمع وثقافته، وبمدى دعم المؤسسات لهذا الدور.

التحديات التي تواجه الأخصائي الاجتماعي في المجتمع كثيرة، لكنها قابلة للتجاوز بالمهارات العلمية والتواصل الفعال، وبالتطوير المستمر لمهنة العمل الاجتماعي. مع التغيرات التي يشهدها العالم، يبقى الأخصائي الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من جهود بناء مجتمع أكثر تماسكاً وعدالة وإنسانية.

المراجع:

1. كليب، خالد. “مدخل إلى العمل الاجتماعي”. دار الفكر، 2018.

2. الزعبي، محمد. “دور الأخصائي الاجتماعي في التنمية الاجتماعية”. جامعة العلوم الإنسانية، 2020.