دهون الحوامل وسرطان الثدي

تناول الحوامل للغذاء الغني بالدهون وتأثيره على خطر سرطان الثدي لدى البنات

يمثل الغذاء الذي تتناوله المرأة الحامل أحد العوامل الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الجنين وعلى تطوره المستقبلي. ومن بين العناصر الغذائية المختلفة، تلعب الدهون دورًا مهمًا في النمو الخلوي وتوفير الطاقة، إلا أن الإفراط في تناول الدهون، خصوصًا الدهون المشبعة والمهدرجة، قد يؤدي إلى تأثيرات صحية سلبية على المدى البعيد، تشمل زيادة مخاطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، ومن ضمنها أنواع معينة من السرطان. وفي الآونة الأخيرة، أظهرت الدراسات العلمية المتقدمة ارتباطًا محتملاً بين تناول الحوامل لأنظمة غذائية غنية بالدهون وبين زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى بناتهن في مراحل لاحقة من الحياة. وهذا الموضوع يعكس أهمية مراجعة العادات الغذائية للحوامل وتأثيرها الوبائي على الأجيال القادمة.

العلاقة بين النظام الغذائي الغني بالدهون وسرطان الثدي

سرطان الثدي هو أحد أكثر أنواع السرطان انتشارًا بين النساء حول العالم، وله عوامل خطورة متعددة تشمل الوراثة، العوامل الهرمونية، البيئة، ونمط الحياة، من بينها النظام الغذائي. الدهون، وخاصة الدهون المشبعة والدهون المهدرجة، يمكن أن تؤثر على العمليات البيولوجية في الجسم بطرق قد تساهم في تعزيز نمو الأورام السرطانية، مثل التسبب في الالتهابات المزمنة، زيادة إنتاج هرمون الاستروجين، ورفع مستويات الأنسولين والإنسولين شبيه النمو (IGF-1) التي يمكن أن تسهم في تطور خلايا سرطانية.

تأثير النظام الغذائي للأم خلال الحمل على تطور الثدي لدى الجنين

تتسم مرحلة الحمل بأنها فترة حرجة وحساسة لتكوين الأعضاء والأنسجة عند الجنين، حيث يكون النمو والتطور الخلوي في أعلى مستوياته. التغيرات الهرمونية والبيولوجية خلال الحمل قد تتأثر بشكل مباشر بالعوامل الغذائية التي تصل إلى الجنين عبر المشيمة. وتبين أن تعرض الجنين لنظام غذائي غني بالدهون أثناء فترة الحمل قد يؤثر على نمو الأنسجة الثديية عند الإناث، مما قد يزيد من حساسيتها للعوامل المسرطنة مستقبلاً.

تحدث عملية “البرمجة الفسيولوجية” (Physiological Programming) في هذه المرحلة، حيث تؤدي البيئة الداخلية التي يعيشها الجنين، بما في ذلك النظام الغذائي للأم، إلى تغييرات طويلة الأمد في التعبير الجيني والتطور الخلوي. على سبيل المثال، أظهرت التجارب الحيوانية أن الفئران التي تتعرض للأمهات التي تتناول حمية غنية بالدهون خلال الحمل، تظهر زيادة في نمو خلايا الثدي وانخفاض في الأنظمة الدفاعية المناعية في هذه الأنسجة، مما يجعلها أكثر عرضة لتكوين أورام سرطانية عند تعرضها لعوامل مسرطنة لاحقًا.

الدراسات العلمية الحديثة

أظهرت دراسات متعددة على الإنسان والحيوان نتائج مشابهة تؤكد هذا الارتباط. دراسة أمريكية نشرت في مجلة علم الأورام (Cancer Research) أظهرت أن الإناث اللواتي تعرضن لنظام غذائي عالي الدهون أثناء فترة الحمل، يكنّ أكثر عرضة لتطوير خلايا سرطانية في الثدي في مرحلة البلوغ مقارنة بأقرانهن اللواتي لم يتعرضن لهذا النظام الغذائي. ويرجع السبب إلى التغيرات في تعبير الجينات المرتبطة بتنظيم النمو والتحكم في الخلايا، والتي تؤثر على مدى مقاومة الأنسجة للسرطان.

دراسة أخرى أجريت في أوروبا باستخدام تحليل بيانات آلاف النساء أظهرت أن تناول الأمهات لكميات كبيرة من الدهون المشبعة خلال الحمل مرتبط بزيادة خطر إصابة بناتهن بسرطان الثدي، بنسبة تصل إلى 20-30% مقارنة باللواتي تناولن كميات معتدلة أو منخفضة من الدهون. إضافة إلى ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن الدهون غير الصحية قد تؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة لدى البنات، وهذا عامل خطر معروف لسرطان الثدي بعد البلوغ.

آليات التأثير البيولوجي للدهون على الأنسجة الثديية في الجنين

تتمثل الآليات التي من خلالها يؤثر تناول الدهون لدى الحامل على تطور سرطان الثدي عند البنات في النقاط التالية:

• زيادة إفراز هرمونات الأنوثة: النظام الغذائي الغني بالدهون يؤدي إلى زيادة مستويات هرمون الاستروجين في الدم، وهذا الهرمون هو محفز رئيسي لنمو خلايا الثدي. خلال فترة الحمل، يمر الاستروجين عبر المشيمة إلى الجنين، مما قد يسبب تطورًا مفرطًا لخلايا الثدي، وزيادة في احتمالية تحولها إلى خلايا سرطانية لاحقًا.

• التأثير على التعبير الجيني: الدهون المشبعة قد تؤثر على تعديل التعبير الجيني عبر ما يعرف بالتعديل الإيبيجيني (Epigenetic Modifications)، وهو تغيير في طريقة التعبير عن الجينات بدون تغيير في تسلسل الحمض النووي نفسه، مما يؤثر على النمو الطبيعي للخلايا ويجعلها أكثر عرضة للطفرات السرطانية.

• الالتهابات المزمنة: استهلاك الدهون العالية يسبب التهابات مزمنة في الجسم، وهذه الالتهابات تؤثر على بيئة الخلايا في الثدي، مما يعزز فرص الطفرات الخلوية وتطور الأورام.

• زيادة مقاومة الأنسولين: النظام الغذائي الغني بالدهون يمكن أن يسبب زيادة في مقاومة الجسم للأنسولين، مما يرفع من مستويات الأنسولين في الدم، وهذا بدوره يزيد من فرص تكاثر خلايا الثدي بشكل غير طبيعي.

تأثير الدهون الصحية مقابل الدهون الضارة

من المهم التفريق بين أنواع الدهون المختلفة وتأثيرها المحتمل. الدهون الأحادية غير المشبعة والدهون المتعددة غير المشبعة، مثل أحماض أوميغا-3 الموجودة في الأسماك والمكسرات، تلعب دورًا وقائيًا في صحة الخلايا ويمكن أن تقلل من خطر الالتهابات والسرطان. أما الدهون المشبعة والدهون المهدرجة (الموجودة في الوجبات السريعة، الأطعمة المصنعة، الزبدة، اللحوم الدهنية)، فهي التي ترتبط بشكل واضح بزيادة خطر الإصابة بأمراض السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي.

نصائح غذائية للحوامل للوقاية من سرطان الثدي عند البنات

من أجل تقليل خطر إصابة بنات الحوامل بسرطان الثدي، يجب على النساء الحوامل التركيز على نظام غذائي متوازن غني بالخضروات والفواكه، الحبوب الكاملة، البروتينات النباتية والحيوانية منخفضة الدهون، والدهون الصحية. يجب تقليل تناول الدهون المشبعة والمهدرجة والابتعاد عن الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أهمية لمراقبة الوزن خلال الحمل وتجنب السمنة، حيث أن زيادة الوزن أثناء الحمل تؤثر على البيئة الهرمونية والتمثيل الغذائي للجنين، مما يرفع احتمالية إصابته بالأمراض المزمنة مستقبلاً.

تأثير النظام الغذائي في فترة ما بعد الولادة وأثناء الرضاعة

لا تقتصر تأثيرات النظام الغذائي الغني بالدهون على فترة الحمل فقط، بل تمتد إلى فترة الرضاعة أيضًا. اللبن الذي تنتجه الأم المتبعة لحميات غذائية عالية الدهون قد يحتوي على مركبات دهنية تؤثر على نمو الأنسجة وتكوينها لدى الرضيع. الدراسات تشير إلى أن الرضاعة الطبيعية مع نظام غذائي صحي ومتوازن يمكن أن تقلل من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي في المستقبل، بينما النظام الغذائي الغني بالدهون قد يزيد هذه المخاطر.

جدول توضيحي لأنواع الدهون وتأثيرها على الصحة وسرطان الثدي

الخلاصة

تناول المرأة الحامل لنظام غذائي غني بالدهون المشبعة والمهدرجة لا يؤثر فقط على صحتها، بل يمتد تأثيره إلى الأجيال القادمة من خلال زيادة خطر إصابة بناتها بسرطان الثدي. هذه العلاقة تعتمد على التغيرات الفسيولوجية والهرمونية والوراثية التي تحدث أثناء الحمل والتي تؤثر على تطور الأنسجة الثديية لدى الجنين. لذلك، تشكل عادات الأكل الصحية والمتوازنة خلال فترة الحمل حجر الزاوية في الوقاية من الأمراض المزمنة والسرطانات، بما في ذلك سرطان الثدي، عبر التأثير على بيئة الجنين الداخلية بشكل إيجابي. تعزيز الوعي الغذائي بين الحوامل ومتابعة التغذية السليمة يعد استثمارًا حيويًا في صحة الأجيال القادمة.

المصادر:

1. Cancer Research, “Maternal High-Fat Diet and Increased Mammary Cancer Risk in Offspring” (2020).

2. International Journal of Molecular Sciences, “Epigenetic Effects of Maternal Diet on Breast Cancer Risk in Offspring” (2022).