دراسة خلايا الدهن المتراكمة في البطن كمؤشر على احتمالية الإصابة بالسكري

تُعدّ مشكلة تراكم الدهون في منطقة البطن من الظواهر الصحية التي تثير اهتمام الأطباء والباحثين حول العالم، ليس فقط لأنها مرتبطة بالوزن الزائد، بل لما تحمله من مخاطر صحية كبيرة تؤثر على نوعية الحياة والصحة العامة. في السنوات الأخيرة، أشارت الدراسات العلمية إلى أن خلايا الدهون المتراكمة في منطقة البطن، المعروفة بالدهون الحشوية، تمثل مؤشراً حيوياً على احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وهو أحد الأمراض المزمنة الأكثر شيوعاً على مستوى العالم.

تعريف الدهون الحشوية وخلايا الدهن في البطن

الدهون الحشوية هي الدهون التي تتراكم حول الأعضاء الداخلية داخل تجويف البطن، مثل الكبد، البنكرياس، والكلى، على عكس الدهون تحت الجلد التي توجد مباشرة تحت طبقة الجلد. هذه الدهون ليست مجرد مخزن للطاقة، بل تعد كائناً نشطاً بيولوجياً يفرز مجموعة من المواد الكيميائية والهرمونات التي تؤثر على عمليات التمثيل الغذائي للجسم.

خلايا الدهن في البطن ليست متجانسة في طبيعتها ووظيفتها، إذ تختلف من حيث نوعها وقدرتها على إفراز مركبات التهابية وهرمونية تؤدي إلى تغيرات في حساسية الأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم.

العلاقة بين الدهون الحشوية والسكري

مرض السكري من النوع الثاني يرتبط أساساً بمقاومة الجسم للأنسولين، وهي حالة لا تستجيب فيها خلايا الجسم بشكل كافٍ للأنسولين، ما يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم بشكل مزمن. تشير الأبحاث إلى أن الدهون الحشوية تلعب دوراً محورياً في تعزيز هذه المقاومة من خلال آليات متعددة:

1. الإفراز الالتهابي: خلايا الدهون الحشوية تفرز مواد التهابية مثل السيتوكينات والإنترلوكينات التي تؤثر سلباً على حساسية الأنسولين. هذا الالتهاب المزمن يقلل من قدرة الأنسولين على التحكم في مستويات الجلوكوز.

2. الهرمونات المفرزة: الدهون الحشوية تفرز هرمونات مثل الأديبونيكتين التي تنظم التمثيل الغذائي للسكر والدهون، وعند تراكم هذه الدهون يقل إفراز هذا الهرمون المهم، مما يساهم في تفاقم مقاومة الأنسولين.

3. الدهون الحرة: تراكم الدهون في البطن يزيد من تدفق الأحماض الدهنية الحرة إلى الكبد، ما يؤدي إلى زيادة إنتاج الجلوكوز في الكبد، وبالتالي رفع مستويات السكر في الدم.

آلية تراكم الدهون الحشوية وتأثيرها على الجسم

تتأثر كمية الدهون الحشوية بعوامل متعددة منها الوراثة، نمط الحياة، النظام الغذائي، ومستوى النشاط البدني. الزيادة المستمرة في السعرات الحرارية، خاصة من الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والكربوهيدرات البسيطة، تؤدي إلى تراكم هذه الدهون بشكل متزايد. مع مرور الوقت، يؤدي هذا التراكم إلى تغيرات في التوازن الهرموني، زيادة الالتهابات، وارتفاع خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.

علاوة على ذلك، تؤدي الدهون الحشوية إلى ضغط ميكانيكي على الأعضاء الحيوية داخل البطن، مما يعيق وظائفها الطبيعية ويساهم في تطور مشاكل صحية إضافية مثل ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين.

طرق قياس الدهون الحشوية

لتقييم خطر الإصابة بمرض السكري المرتبط بتراكم الدهون في البطن، يلجأ الأطباء إلى عدة طرق لقياس كمية الدهون الحشوية:

• قياس محيط الخصر: طريقة بسيطة وغير مكلفة تعطي مؤشراً تقريبياً على كمية الدهون في البطن. محيط الخصر المرتفع يرتبط ارتباطاً قوياً بزيادة احتمالية الإصابة بالسكري.

• تصوير الأشعة المقطعية (CT) والرنين المغناطيسي (MRI): توفر هذه الطرق صورة دقيقة لكمية الدهون الحشوية داخل البطن، لكنها مكلفة وتستخدم في الحالات البحثية أو الطبية المتقدمة.

• الموجات فوق الصوتية: تستخدم كطريقة غير غازية لتقدير تراكم الدهون في البطن، وبدأت تزداد شعبيتها في الدراسات السريرية.

تأثير نمط الحياة على الدهون الحشوية والسكري

للوقاية من تراكم الدهون الحشوية وخطر الإصابة بالسكري، يعد تغيير نمط الحياة أمراً جوهرياً. الأبحاث أظهرت أن الالتزام بنظام غذائي صحي ومتوازن يقلل من الدهون الحشوية بشكل كبير، ويعزز حساسية الأنسولين. كذلك فإن النشاط البدني المنتظم، خصوصاً التمارين الهوائية وتمارين القوة، يسهم في تقليل الدهون في منطقة البطن وتحسين التمثيل الغذائي للجلوكوز.

كما أن التحكم في التوتر النفسي والنوم الجيد لهما دور فعال في تنظيم هرمونات الجسم التي تؤثر على تراكم الدهون. فالنوم السيء أو التوتر المزمن يؤديان إلى زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، الذي يشجع على تراكم الدهون في منطقة البطن.

دور العلاج الدوائي والتدخلات الطبية

في الحالات التي لا يستجيب فيها الجسم لتغييرات نمط الحياة فقط، قد يلجأ الأطباء إلى استخدام الأدوية التي تساعد في تحسين حساسية الأنسولين وتقليل تراكم الدهون. على سبيل المثال، أدوية مثل الميتفورمين تستخدم على نطاق واسع في علاج السكري من النوع الثاني وتساعد على تقليل مقاومة الأنسولين.

كما أن الجراحات التجميلية أو الجراحات الخاصة بفقدان الوزن، مثل تكميم المعدة وتحويل المسار، أثبتت فعاليتها في تقليل الدهون الحشوية وتحسين حالة السكري، خاصة في الحالات المتقدمة.

العلاقة بين الدهون الحشوية وأمراض أخرى مرتبطة

بالإضافة إلى السكري، يرتبط تراكم الدهون الحشوية بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ارتفاع ضغط الدم، بعض أنواع السرطان، وأمراض الكبد الدهنية غير الكحولية. تعود هذه العلاقة إلى التأثيرات الالتهابية والهرمونية التي تفرزها هذه الدهون، مما يزيد من العبء الصحي على الجسم ويضعه في حالة مزمنة من الخطر.

أهمية الكشف المبكر والتوعية الصحية

تأتي أهمية دراسة خلايا الدهن في البطن كمؤشر على احتمالية الإصابة بالسكري من كونها فرصة للكشف المبكر، مما يتيح التدخل السريع لتعديل نمط الحياة ومنع تطور المرض. برامج التوعية الصحية التي تركز على مخاطر الدهون الحشوية وأهمية التغذية السليمة والنشاط البدني يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في الحد من انتشار مرض السكري.

مقارنة بين الدهون تحت الجلد والدهون الحشوية

خلاصة

تشير الأدلة العلمية إلى أن تراكم خلايا الدهن في منطقة البطن ليس مجرد مسألة جمالية أو وزن زائد، بل هو مؤشر خطير على اضطرابات التمثيل الغذائي، وخصوصاً احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. التعامل مع هذه المشكلة يتطلب فهماً عميقاً لطبيعة الدهون الحشوية وتأثيرها على الجسم، بالإضافة إلى تبني استراتيجيات وقائية وعلاجية تعتمد على نمط حياة صحي ومتوازن. الكشف المبكر والتوعية المستمرة يمكن أن يقللا بشكل كبير من عبء المرض على الأفراد والمجتمع.

المصادر والمراجع:

1. Després, J.P. (2012). Body Fat Distribution and Risk of Cardiovascular Disease: An Update. Circulation, 126(10), 1301–1313.

2. Kahn, S.E., Hull, R.L., & Utzschneider, K.M. (2006). Mechanisms linking obesity to insulin resistance and type 2 diabetes. Nature, 444(7121), 840–846.