6 نصائح مهمّة للتعامل مع الشاب المراهق بشكلٍ سليم

تشكل مرحلة المراهقة واحدة من أكثر المراحل حساسية وتعقيدًا في حياة الإنسان، حيث يُحدث فيها النمو الجسدي والذهني والعاطفي تحولات جذرية في شخصية الفرد. وتُعد هذه المرحلة بمثابة الجسر الذي ينقل الطفل إلى عالم الراشدين، لكنها لا تمرّ بسلاسة دائمًا، إذ تترافق عادة مع تحديات جمّة، سواء للمراهق نفسه أو للأسرة التي تحيط به. وإذا كان المراهق ذكرًا، فإن طبيعة المجتمع والضغوط الذكورية التي تُفرض عليه قد تضيف طبقات إضافية من التعقيد، تجعله أحيانًا أكثر ميلًا للتمرد أو الانغلاق أو حتى العدوانية في بعض الحالات.

التعامل مع الشاب المراهق يتطلب وعيًا عميقًا بطبيعة هذه المرحلة، وفهمًا متزنًا للتحولات التي تطرأ عليه، وتبنّي استراتيجيات مدروسة تساعده على اجتياز هذه المرحلة بنجاح دون أن تتأذى علاقته بعائلته أو تنكسر نفسيته. وفيما يلي استعراض مُفصّل لست نصائح جوهرية في هذا السياق، مدعومة بالتحليل النفسي والتربوي، بهدف توجيه الأسرة نحو أسلوب تعامل فعال وإيجابي مع الشاب المراهق.

أولًا: الإصغاء بعمق وتجنّب النقد الفوري

يُعدّ الإصغاء الفعّال من أهم المهارات التربوية في التعامل مع المراهق، وخاصة الذكور منهم الذين غالبًا ما يشعرون بالحاجة لإثبات الذات وتأكيد الاستقلالية. وعندما يشعر الشاب المراهق أن أسرته تُنصت إليه دون إطلاق الأحكام المسبقة أو انتقاده فورًا، فإنه يبدأ في بناء جسور من الثقة والانفتاح، ويشعر أنه محل تقدير واحترام.

العديد من المراهقين الذكور يميلون إلى كتمان مشاعرهم بسبب الصور النمطية المجتمعية المرتبطة بـ”الرجولة” والتي تحثهم على عدم إظهار الضعف أو التردد. لذا، فإن الإصغاء لهم دون مقاطعة أو تقليل من شأن مشاعرهم هو وسيلة فعّالة لتمكينهم من التعبير عن أنفسهم بحرية.

ومن الناحية النفسية، يُظهر علم النفس التربوي أن المراهق الذي يشعر بالأمان العاطفي داخل أسرته أقل عرضة للانخراط في سلوكيات خطرة أو البحث عن بدائل سلبية خارج المنزل. كما أن غياب الإصغاء الفعّال يؤدي إلى بناء حاجز عاطفي بين المراهق ووالديه، يدفعه أحيانًا إلى الانعزال أو العصيان أو حتى الكذب.

ثانيًا: منحه الثقة مع تحديد حدود واضحة

الثقة المتبادلة بين الوالدين والمراهق تمثّل العمود الفقري للعلاقة الصحية. لكن هذه الثقة لا تعني ترك الحبل على الغارب، بل تتطلب تحديد أطر وحدود واضحة للسلوك المقبول وغير المقبول. فالشاب المراهق بحاجة إلى مساحة حرية تسمح له بتجريب الحياة واتخاذ قراراته، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى مرجعية أسرية ترشده وتحميه من الانزلاق في طرق محفوفة بالمخاطر.

تُشير الدراسات التربوية إلى أن وضع قواعد واضحة ومتّفق عليها مسبقًا يُشعر المراهق بالاتزان، ويمنحه إحساسًا بالأمان الداخلي. على سبيل المثال، تحديد أوقات العودة إلى المنزل، مراقبة استخدام الإنترنت، أو الاتفاق على بعض المعايير الدراسية والسلوكية هي جميعها خطوات ضرورية للحفاظ على التوازن بين الحرية والانضباط.

الثقة التي تُمنح للمراهق يجب أن تكون تدريجية وتتناسب مع مستوى نضجه ومسؤوليته. كما أن استخدام أسلوب “الثواب والعقاب المتزن” يُساهم في ترسيخ هذه العلاقة على أسس من العدالة والتفاهم، وليس السيطرة أو الخوف.

ثالثًا: تجنّب المقارنات والانتقادات اللاذعة

يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير عندما يُقارنون أبناءهم المراهقين بغيرهم من الأصدقاء أو الأقارب أو حتى الإخوة. فهذه المقارنات، وإن كانت بدافع التحفيز في الظاهر، فإنها تحمل في طياتها رسائل مهينة تشعر المراهق بأنه ناقص أو غير جدير بالتقدير.

علم النفس يوضح أن الشخصية المراهقة في هذه المرحلة تكون هشّة في كثير من الأحيان، وتعاني من حساسية زائدة تجاه النقد، خصوصًا إن جاء من الأهل. كما أن الذكر بطبيعته يميل إلى الانغلاق على نفسه عند الإحساس بالإهانة، وقد يتحوّل الانتقاد اللاذع إلى دافع للتمرد والعصيان بدلًا من التطور والتحسن.

وبدلًا من الانتقاد، يُنصح باستخدام الأسلوب البنّاء الذي يركّز على التصحيح دون جرح المشاعر. مثلاً، بدلًا من القول “أنت كسول ولا تنفع بشيء”، يمكن القول “أعرف أنك قادر على أفضل من ذلك، وقد رأيتك تحقق نتائج جيدة من قبل”.

رابعًا: تقديم القدوة الواقعية لا المثال المثالي

الشاب المراهق ينظر إلى والده كقدوة، وإن لم يُظهر ذلك علنًا. فالأب يمثل في نظره النموذج الذكوري الأول الذي يحدد له شكل الرجولة والسلوك، والقيَم، وطريقة التعامل مع التحديات. لذا، من الضروري أن يحرص الأب، ومن خلفه الأم، على تقديم صورة واقعية ومتّزنة لأنفسهم، دون تجميل زائف أو تصنّع غير واقعي.

عندما يرى المراهق والده يُخطئ ثم يعترف بخطئه، أو يتعرض لضغوط ثم يتعامل معها بحكمة، فإنه يتعلم من ذلك أكثر مما يتعلم من الخطب أو التعليمات النظرية. القدوة لا تتعلق بالمثالية، بل بالواقعية والنزاهة والاتساق بين القول والفعل.

كما أن مشاركة الوالدين بعضًا من تجاربهم الشخصية السابقة، بما فيها من نجاحات وإخفاقات، تُساهم في جعل المراهق يشعر بأنه ليس وحده في مواجهة الحياة، وأن الجميع يمرّون بتحديات وصعوبات ويستطيعون تجاوزها.

خامسًا: دعم الهوايات والاهتمامات الشخصية

لكل شاب مراهق اهتمامات أو هوايات معينة، قد تتراوح بين الرياضة والفنون والموسيقى، أو حتى البرمجة والألعاب الإلكترونية. والاعتراف بهذه الاهتمامات وتشجيعها هو عنصر أساسي في بناء شخصية متزنة وقوية.

توفير الدعم اللازم، سواء المعنوي أو المادي، لممارسة هذه الهوايات يُمكّن المراهق من استكشاف قدراته، وتطوير ثقته بنفسه، ويُقلل من فرص انجرافه نحو سلوكيات سلبية. وقد بيّنت عدة دراسات في التربية الحديثة أن الشاب الذي يُمنح فرصة للتعبير عن ذاته من خلال هواية أو نشاط محبب له يكون أقل عرضة للقلق أو الاكتئاب أو العنف.

الخطأ الشائع في هذا الصدد هو السخرية من اهتمامات المراهق أو التقليل من شأنها، خصوصًا إن بدت للأسرة “غير جدية”. فمثلاً، إن أبدى المراهق شغفًا بالألعاب الإلكترونية، يمكن توجيه هذا الشغف نحو مجالات مفيدة مثل تصميم الألعاب أو تطوير البرمجيات، بدلًا من منعه الكلّي أو تحقيره.

سادسًا: الاستعانة بالتوجيه المتخصص عند الحاجة

في بعض الحالات، قد يواجه الشاب المراهق تحديات تتجاوز قدرات الأسرة على التعامل معها، كالاكتئاب، أو الإدمان، أو السلوك العدواني المفرط، أو العزلة الاجتماعية. وهنا، لا بد من اللجوء إلى التوجيه المتخصص، سواء من خلال مرشد نفسي أو مستشار تربوي، دون تأخير أو تهاون.

اللجوء إلى المساعدة الخارجية لا يُعدّ فشلًا من الأسرة، بل هو وعيٌ راقٍ بحجم المسؤولية، واعتراف بالحاجة إلى أدوات علمية دقيقة لمساعدة المراهق على تجاوز أزماته. كما أن وجود طرف ثالث محايد، يمتلك الخبرة والمعرفة، يمكن أن يفتح قنوات تواصل جديدة ويساهم في إعادة بناء الثقة.

من المهم هنا ألا يُشعر المراهق بأنه “مريض” أو “معيب” عند عرضه على مختص نفسي، بل يجب أن يُفهم الأمر في سياق التطوير والنمو، تمامًا كما يذهب الإنسان إلى الطبيب العام عند الشعور بالتوعك الجسدي.

خاتمة تحليلية

تربية الشاب المراهق ليست مهمة يسيرة، لكنها في ذات الوقت ليست مستحيلة أو معقدة إذا تم التعامل معها بفهم علمي وبصيرة تربوية. إن تبنّي أساليب مبنية على الحوار والثقة والاحترام المتبادل لا يخلق فقط علاقة صحية بين الآباء وأبنائهم، بل يؤسس لأجيال ناضجة، واثقة، ومتصالحة مع ذاتها ومجتمعها. وفي نهاية المطاف، فإن ما نزرعه اليوم من صبر وتفهّم في هذه المرحلة الحرجة، سنجني ثماره لاحقًا في صورة شاب ناضج، متزن، ومسؤول.

المراجع:

1. Hurlock, Elizabeth B. “Developmental Psychology: A Life-Span Approach.” McGraw-Hill Education.

2. Erikson, Erik H. “Identity: Youth and Crisis.” W. W. Norton & Company.