دلائل وحدانية الله تعالى وقدرته
مقدمة:
الحديث عن وحدانية الله تعالى وقدرته ليس مجرد بحث في مسألة دينية أو فلسفية، بل هو محور من محاور الإيمان الذي يرتبط بكل جوانب الحياة الإنسانية. إن وحدة الله، أو توحيده، تعدّ أحد أركان العقيدة الإسلامية الأساسية، وهي عقيدة مُشتركة بين الأنبياء والمرسلين منذ فجر التاريخ، وقد وردت في الكتاب والسنة بشكل متكرر، لا سيما في القرآن الكريم الذي يعدّ الكتاب الموحى به. كذلك، لم يقتصر الحديث عن توحيد الله على النصوص الدينية، بل شمل عقل الإنسان وجوهر تفكيره.
يُقصد بوحدانية الله تعالى، أن الله سبحانه وتعالى واحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، لا شريك له في خلقه، ولا في تدبيره. كما أن قدرته مطلقة وغير محدودة، وكامل في علمه وحكمته. هذه الوحدانية ليست فقط مسألة عقدية، بل هي حقيقية تجلى لنا في الكون وفي حياتنا اليومية. في هذا المقال، سنتناول دلائل وحدانية الله تعالى وقدرته عبر جوانب متنوعة تشمل الكون، النفس البشرية، النظم الطبيعية، والأدلة العقلية والنقلية.
1. دلائل وحدانية الله في الكون:
إن الكون بكل ما يحتويه من كواكب ونجوم، والأرض وما عليها من مظاهر الحياة، يدل على أن هناك قوة واحدة، حكيمة، مدبرة لهذا النظام المحكم. إن التناغم الدقيق بين القوى الطبيعية والفيزيائية التي تتحكم في هذا الكون يشير إلى وجود مدبّر واحد يحكم كل شيء، ولا يمكن أن يكون هذا التناغم من قبيل الصدفة. مثلاً، إذا نظرنا إلى النظام الشمسي، نجد أن الأرض تدور حول الشمس في مدار ثابت ودقيق بحيث توفر لها الظروف المناسبة للحياة، في حين أن أي تغير طفيف في هذا المدار قد يؤدي إلى كارثة بيئية كبرى. كذلك، إن الحركة المنتظمة للأجرام السماوية، كما في الدورة اليومية للأرض حول محورها أو الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، لا يمكن تفسيرها إلا بوجود قوة عقلانية واحدة تدير هذه العملية.
الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون تُعدّ دلائل قوية على وحدة الله تعالى. فيقول الله سبحانه وتعالى: “رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا” (مريم: 65). هذه الآية تؤكد على أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض وما بينهما، مما يجعل من الصعب تصوّر وجود شركاء له في الخلق.
2. دلائل وحدانية الله في خلق الإنسان:
الإنسان نفسه هو واحد من أعظم الأدلة على وحدانية الله تعالى. فكل جانب من جوانب خلقه يدل على عظمة الخالق وقدرته. عندما نتأمل في تكوين الإنسان، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد خلقه في أحسن تقويم، كما قال تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” (التين: 4). في كل جزء من جسم الإنسان نجد آيات على قدرة الله تعالى، من جهاز التنفس الذي يعمل بشكل دقيق ليحافظ على حياة الإنسان، إلى جهاز الهضم الذي يعالج الطعام ويفصل بين المواد المفيدة وغير المفيدة، إلى الجهاز العصبي الذي ينسق بين جميع الأعضاء والأجهزة.
كذلك، إن الشواهد العقلية على وحدة الله في الإنسان تظهر في النظام المعقد للدورة الدموية، التي لا تتوقف عن العمل لحظة واحدة، والدماغ الذي يتحكم في جميع الوظائف الحيوية للجسم. ثم يأتي العقل البشري ذاته، ذلك المخلوق العجيب الذي يمكنه التفكير والتأمل والتخطيط، بما يدل على أن الإنسان ليس مجرد كائن بيولوجي، بل هو مخلوق عاقل وواعٍ، مدبّر من قبل خالق واحد عظيم.
3. دلائل وحدانية الله في النظم الطبيعية:
النظم الطبيعية التي تحكم العالم من حولنا تشهد على وحدة الله تعالى وقدرته. في دراسة النباتات والحيوانات، نلاحظ أنه لا يمكن تصور وجود أكثر من خالق واحد يحكم هذا النظام المعقد. الحياة على كوكب الأرض تعتمد على مجموعة من العمليات البيئية التي تتكامل لتوفير البيئة المناسبة لجميع الكائنات الحية. من خلال دورة المياه، التي تبدأ من تبخر المياه من البحار، ثم تكثفها في السحب، ثم سقوطها على شكل أمطار لتغذي الأرض، نجد أن هذا النظام المتقن لا يمكن أن يكون نتاجًا لصدفة أو عمل إلهين مختلفين. بل هو من تدبير إله واحد، صاحب القدرة المطلقة.
4. دلائل وحدانية الله في الفطرة البشرية:
الفطرة الإنسانية هي واحدة من أعظم الدلائل على وحدانية الله. فقد فطر الله الإنسان على إدراك وجوده، ورغبته في عبادة الخالق، والاعتراف بتوحيده. في لحظات السكينة والتأمل، يعود الإنسان إلى فطرته الأولى، حيث يشعر بوجود خالق واحد يدبر أمره. في قوله تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا” (الروم: 30)، نجد دعوة صريحة إلى العودة إلى الفطرة، وهي الفطرة التي تُقرّ بوجود الله، وتوحيده.
5. دلائل عقلية على وحدانية الله وقدرته:
على المستوى العقلي، فإن توحيد الله سبحانه وتعالى هو أمر يتوافق مع أبسط القواعد المنطقية. إذا كان الكون معقدًا ومنظمًا إلى هذا الحد، فيجب أن يكون له مصدر واحد، وإلا لكان من غير الممكن الحفاظ على هذا النظام المتقن. إن فكرة تعدد الآلهة تتناقض مع العقل البشري، لأنه إذا كان هناك أكثر من إله واحد، فلابد من وجود صراع أو تناقض في الأوامر والقرارات الإلهية، وهو ما يتعارض مع مبدأ الوحدة والتناغم الذي نراه في الكون. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا” (الأنبياء: 22). هذه الآية تُعدّ تأكيدًا عقليًا على أن تعدد الآلهة يؤدي إلى فساد الكون.
6. دلائل وحدانية الله من خلال النبوات والرسالات:
لقد بعث الله تعالى الأنبياء والرسل في مختلف الأزمنة والأمكنة لتبليغ رسالة التوحيد، ومن أبرز هذه الرسالات هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي ختمت الرسالات السماوية. كل رسول من هؤلاء الأنبياء كان يدعو إلى عبادة الله وحده، ورفض الشرك بكل أشكاله. من خلال ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، تتضح لنا الصورة الكاملة لوحدانية الله وقدرته على تدبير هذا الكون بشكل لا يترك مجالًا للشك.
الخاتمة:
إن دلائل وحدانية الله تعالى وقدرته تتجلى في كل شيء حولنا، بدءًا من الكون العجيب وصولًا إلى تفاصيل الحياة اليومية التي نعيشها. إن الإيمان بوحدانية الله ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو ركن أساسي في فكر الإنسان، يتجلى في كل ما حوله من مظاهر الخلق والحياة. كما أن هذه الوحدانية تعكس قدرة الله العظيمة التي لا تحد، ويعززها العقل البشري والفطرة السليمة. الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبّر الذي لا شريك له، والمبدع الذي أحاط بكل شيء علمًا وقدرة.
