تقديم الدعم لصديق أو زميل في العمل يعاني من التوتر
التوتر أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للكثير من الأشخاص، ويُعتبر أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الأفراد في مختلف ميادين العمل والحياة الشخصية. يمكن أن يتسبب التوتر في تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والجسدية، وهو ما يتطلب في بعض الأحيان تقديم الدعم الفعّال من الأصدقاء والزملاء في العمل للمساعدة في تخفيف حدته. يعد تقديم هذا الدعم من المهارات الحياتية الأساسية التي يجب أن يمتلكها كل فرد، خصوصًا في بيئات العمل التي تتسم بالضغط المستمر.
إن معرفة كيفية تقديم الدعم لصديق أو زميل يعاني من التوتر ليست مسألة بسيطة، إذ إنها تتطلب فهمًا عميقًا لحالة الشخص المتوتر، والتعاطف معه، فضلاً عن القدرة على توفير بيئة ملائمة يمكن أن تسهم في تقليل الضغوط النفسية والبدنية التي يشعر بها. يعتمد هذا الدعم على عدد من الأسس التي تشمل التواصل الفعّال، الإصغاء الجيد، وتقديم المساعدة العملية التي قد تتراوح من تقديم نصائح بسيطة إلى توفير حلول عملية ومباشرة للمشاكل التي تسببت في هذا التوتر.
1. فهم التوتر وكيفية تأثيره على الفرد
قبل أن نقدم الدعم الفعّال لشخص يعاني من التوتر، من المهم أن نفهم التوتر بشكل أعمق. التوتر هو استجابة الجسم للضغوط التي يتعرض لها الفرد، وهو ينعكس بشكل سلبي على الصحة العامة إذا استمر لفترات طويلة. تظهر أعراض التوتر على شكل قلق مستمر، تعب جسدي، تشتت ذهني، صعوبة في التركيز، مشاعر الانفعال الزائد، وحتى مشاكل صحية مثل آلام الرأس أو اضطرابات النوم.
من المهم أن يدرك الشخص الذي يقدم الدعم أن التوتر ليس مجرد “شعور بالضيق” بل هو حالة قد تؤثر على الأداء اليومي للفرد، وبالتالي، فإن تقديم الدعم يجب أن يكون شاملاً، ويشمل الجوانب النفسية والعملية والبدنية.
2. الإصغاء الفعّال
أحد أهم الأساليب التي يمكن من خلالها تقديم الدعم لشخص يعاني من التوتر هو الإصغاء الجيد. في العديد من الأحيان، لا يحتاج الشخص المتوتر إلى نصائح أو حلول فورية، بل يحتاج إلى شخص يستمع إليه بفهم واهتمام. الإصغاء الفعّال يتطلب أن تكون حاضراً ذهنياً وعاطفياً، وتجنب مقاطعة الشخص أو فرض الحلول بشكل سريع.
عند الاستماع لشخص يعاني من التوتر، يجب أن تكون مستعداً للاستماع من دون الحكم عليه أو تقليل أهمية مشاعره. في بعض الأحيان، يكون مجرد التواجد مع الشخص ومنحه مساحة للتعبير عن مشاعره كافياً لتخفيف التوتر بشكل كبير.
3. عدم التقليل من مشاعر الشخص المتوتر
غالباً ما يخطئ البعض في محاولتهم تقديم الدعم لشخص يعاني من التوتر عندما يخففون من أهمية مشاعر ذلك الشخص. قد يكون الجواب المعتاد مثل “لا داعي للقلق، الأمور ستتحسن” أو “لا يجب أن تكون هكذا، الأمور ليست بهذا السوء” ليس مفيدًا. هذه الردود قد تجعل الشخص يشعر بأن مشاعره غير مفهومة أو غير معترف بها.
من الضروري تجنب هذه الأساليب التي قد تؤدي إلى عزل الشخص المتوتر. بدلًا من ذلك، يجب الاعتراف بمشاعره ومنحه الحق في الشعور بما يشعر به. التعبير عن التعاطف مثل “أفهم تمامًا ما تمر به” يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير.
4. تقديم المساعدة العملية
في بعض الأحيان، قد يكون الشخص المتوتر بحاجة إلى مساعدات عملية للتخفيف من الضغط الواقع عليه. يمكن أن تكون هذه المساعدات بسيطة، مثل مساعدته في تنظيم وقت عمله، تقديم المساعدة في إنجاز المهام الصعبة، أو حتى تقديم بعض الحلول العملية التي قد تسهم في تخفيف التوتر الناتج عن ضغط العمل.
على سبيل المثال، إذا كان الزميل يواجه صعوبة في إنجاز مشروع معين بسبب ضيق الوقت أو تعقيد المهام، يمكنك مساعدته في تقسيم المهام إلى أجزاء أصغر أو تنظيم جدول زمني مرن يتيح له فرصة إنجاز العمل دون الشعور بالضغط المفرط.
5. تشجيع الممارسات الصحية للتعامل مع التوتر
العديد من الأشخاص الذين يعانون من التوتر لا يدركون كيفية التعامل مع هذه الحالة بشكل صحي. من بين الطرق الفعّالة التي يمكن تقديم الدعم بها هي تشجيع الشخص على تبني ممارسات صحية تساعد في تقليل التوتر. هذه الممارسات قد تشمل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، تناول الطعام الصحي، الحصول على قسط كافٍ من النوم، واستخدام تقنيات الاسترخاء مثل التأمل أو التنفس العميق.
تشجيع الشخص المتوتر على تخصيص وقت للراحة والاسترخاء بعيدًا عن بيئة العمل يمكن أن يساعده في تجديد طاقته والعودة للعمل بكفاءة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون من المفيد التحدث عن أهمية الاعتناء بالصحة النفسية والمشاركة في الأنشطة التي تساهم في تقليل الضغط مثل القراءة أو الهوايات الشخصية.
6. توفير بيئة عمل داعمة
في بعض الحالات، قد يكون التوتر ناتجًا عن بيئة العمل نفسها، مثل الضغط الناتج عن مواعيد التسليم الضيقة أو وجود نزاعات مع الزملاء. في هذه الحالة، يمكن للأصدقاء أو الزملاء في العمل أن يساعدوا في توفير بيئة أكثر دعمًا من خلال خلق جو من التعاون والاحترام المتبادل. من خلال التأكد من أن الجميع يعمل ضمن بيئة لا ترفع مستويات التوتر بشكل غير مبرر، يمكن تقليل العبء النفسي على الفرد المتوتر.
7. توجيه الشخص للبحث عن دعم إضافي إذا لزم الأمر
في بعض الحالات، قد يكون التوتر الذي يعاني منه الشخص أكثر تعقيدًا أو مستمرًا إلى درجة أنه يتطلب دعمًا إضافيًا من مختصين. في مثل هذه الحالات، من المهم أن تقدم النصيحة للشخص بأن يطلب الدعم من مستشار نفسي أو مختص في التعامل مع التوتر. قد تكون هذه الخطوة ضرورية إذا كان التوتر يتسبب في تأثيرات سلبية طويلة المدى على صحة الشخص أو إذا كانت الأعراض تتفاقم.
8. تجنب الضغط على الشخص المتوتر
من أهم الأمور التي يجب مراعاتها عند تقديم الدعم هي تجنب الضغط على الشخص المتوتر ليتحسن بسرعة أو ليعود إلى حالته الطبيعية بسرعة. الضغط يمكن أن يزيد من حدة التوتر ويجعله يشعر بعدم القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية. يجب أن يتم التعامل مع الشخص بحذر وحساسية، وأن يتم احترام سرعته في التعامل مع مشاعره وحالته النفسية.
9. تقديم الدعم المستمر
التوتر ليس شيئًا يمكن التخلص منه في لحظة، بل هو عملية مستمرة تتطلب دعمًا مستمرًا. لذلك، من الضروري أن تواصل تقديم الدعم للشخص المتوتر على مدى الوقت. إن الاستمرار في إظهار الاهتمام والتفهم له تأثير كبير على مساعدة الشخص في إدارة توتره، سواء من خلال المحادثات الودية، أو تقديم النصائح المناسبة، أو ببساطة من خلال إظهار الدعم العاطفي المستمر.
الخاتمة
إن تقديم الدعم لصديق أو زميل يعاني من التوتر هو عملية تحتاج إلى الوعي العاطفي، والتعاطف، والقدرة على التفاعل مع مشاعر الشخص الآخر بطرق تحترم حالته النفسية. من خلال التواصل الجيد، الإصغاء الفعّال، المساعدة العملية، وتشجيع الممارسات الصحية، يمكن تقديم الدعم الذي يحتاجه الشخص للتغلب على التوتر وتحقيق بيئة عمل صحية.
