ساعديه في التعامل مع مشاعره: دليل شامل لفهم الرجل ودعمه عاطفياً

في العلاقات الإنسانية، ولا سيما بين الشريكين، تتداخل العواطف بشكل معقد وعميق. لكن لا يزال التعبير العاطفي عند الرجال، في كثير من الثقافات، محاطاً بصمت كثيف، تُفرض عليه قيود اجتماعية وتوقعات نمطية تجعل الرجل أسيراً لصورة جامدة من الصلابة والانغلاق. هذه الصورة، رغم تآكلها ببطء أمام موجات الوعي الحديث، لا تزال تفرض نفسها في تفاصيل الحياة اليومية. لذلك، تصبح مساعدة الرجل على التعامل مع مشاعره مهمة إنسانية وشراكة وجدانية تتطلب فهماً، صبراً، واحتواءً حقيقياً.

في هذا المقال، نقدم دليلاً موسعاً وعميقاً حول كيفية دعم الرجل عاطفياً، ومساعدته في التعامل مع مشاعره، من خلال رؤية علمية، نفسية وسلوكية، معززة بالخطوات العملية والنصائح الملموسة.

أولاً: فهم البنية النفسية والعاطفية للرجل

قبل الحديث عن كيفية مساعدة الرجل في التعامل مع مشاعره، من الضروري فهم السياق النفسي والاجتماعي الذي نشأ فيه. فغالباً ما يُربّى الذكور منذ الصغر على مفاهيم مثل:

• الكتمان علامة نضج

• البكاء ضعف

• الشكوى مهانة

• طلب المساعدة عيب

هذه المفاهيم تُرسِّخ في اللاوعي الجمعي الذكوري آلية دفاعية تقوم على حبس المشاعر أو إنكارها. ومع مرور الوقت، تتحول إلى جزء من الشخصية، فيصعب على الرجل التعرف على مشاعره أو التعبير عنها بوضوح.

كما تشير الدراسات النفسية إلى أن الجهاز العصبي لدى الذكور يفرز الأدرينالين والكورتيزول بنسبة أعلى عند التعرض للضغوط، مما يدفعهم إلى اتخاذ موقف “الابتعاد” أو “الانغلاق”، بدل المواجهة العاطفية.

ثانياً: أهمية وجود شريكة متفهمة وداعمة

تلعب الشريكة دوراً محورياً في مساعدة الرجل على اكتشاف نفسه العاطفية. فهي ليست مجرد متلقٍ لمشاعره، بل محفز حقيقي لرحلة التصالح مع الذات. إن التعاطف الحقيقي، القائم على الإصغاء والفهم العميق دون إصدار الأحكام، يُمكِّن الرجل من الشعور بالأمان العاطفي، وهي بيئة نادرة جداً في حياته خارج نطاق العلاقة الحميمة.

ثالثاً: خطوات عملية لمساعدته على التعامل مع مشاعره

1. خلق مساحة آمنة للحوار

من الضروري أن يشعر الرجل بأنه ليس مُجبراً على الحديث، بل أن الحديث متاح له كلما رغب. هذه المساحة لا تُفرض، بل تُبنى عبر:

• تجنب السخرية من انفعالاته

• عدم الضغط عليه للإفصاح

• احترام صمته عند الحاجة

2. الإنصات النشط دون مقاطعة

عندما يبدأ بالكلام، حتى لو كانت كلماته غير مرتبة أو مشوشة، يجب أن يُقابل ذلك بإنصات ناضج لا يُقاطع ولا يُوجه. كثيراً ما يعبر الرجل عن مشاعره بطريقة غير مباشرة، فيُدخلها في سرد يومي أو نقد لموقف معين. المفتاح هنا هو الإصغاء لما وراء الكلمات.

3. التعامل مع الغضب كمشاعر مقنّعة

الغضب عند الرجل غالباً ما يكون القناع لمشاعر أعمق: خوف، إحباط، خيبة أمل، أو شعور بعدم الكفاءة. لذلك، لا ينبغي الرد على الغضب بغضب مضاد، بل بفهم للسياق الذي سبّبه ومحاولة إعادة صياغته داخلياً بطريقة آمنة.

4. استخدام اللغة العاطفية بشكل إيجابي

التعبير عن المشاعر بالكلمات هو مهارة مكتسبة، ويمكن أن يتعلمها الرجل إذا وجد شريكته تستخدمها أمامه بوضوح وصدق. فمثلاً، عند قولها: “أشعر بالقلق عليك”، بدل “أنت لا تهتم بي”، يكون لذلك وقع مختلف يشجعه على فتح قلبه.

5. التشجيع على التعبير الإبداعي

بعض الرجال يفضلون التعبير عن مشاعرهم بطرق غير لفظية: الرسم، الكتابة، الموسيقى، أو حتى ممارسة الرياضة. تشجيعه على هذه القنوات يعزز تصريفه النفسي والانفعالي ويعفيه من ضغط التفسير اللغوي المباشر.

6. تجنّب اللوم والنقد وقت الأزمات

أوقات الأزمات هي اختبار حقيقي للتماسك العاطفي في العلاقة. اللوم في هذه اللحظات يزيد الطين بلة ويُشعره بالخذلان. الأفضل هو التواجد الصامت أحياناً، والداعم أحياناً أخرى، دون الانجرار لمعادلات “من المخطئ؟” أو “لماذا لم تفعل؟”.

7. تقديم المساندة دون إنقاص الكرامة

الرجل يحتاج للمساعدة كما تحتاجها المرأة، لكن طريقة تقديم هذه المساعدة يجب أن تحترم حساسيته للكرامة. فمثلاً، بدل قول: “أنت لا تعرف كيف تتصرف”، يمكن قول: “ربما نقدر نفكر سوا بطريقة نعدّي بيها الموقف”.

رابعاً: مواقف حياتية توضح طريقة الدعم العاطفي

خامساً: متى يجب طلب المساعدة النفسية المختصة

رغم أهمية الدعم العاطفي من الشريكة، إلا أن هناك حالات تتطلب تدخل متخصص. من أبرز المؤشرات التي تشير إلى حاجة الرجل لطلب المساعدة المهنية:

• الانعزال الشديد والمستمر

• نوبات غضب مدمّرة

• اكتئاب واضح لا يتزحزح

• فقدان الشغف بالحياة بشكل عام

• ميول إيذاء النفس أو غيره

في هذه الحالات، لا يُعد دعم الشريكة بديلاً عن العلاج النفسي، بل هو مكمل له، وعامل محفز لتشجيعه على طلب العون دون خجل أو إنكار.

سادساً: أهمية احتواء مشاعر الرجل على المدى البعيد

إن العلاقة العاطفية التي تُبنى على الفهم والدعم المتبادل تُثمر نضجاً داخلياً لدى الطرفين. فالرجل الذي يشعر بالأمان مع شريكته، يتعلم تدريجياً أن المشاعر لا تُضعفه، بل تُكمله. وشيئاً فشيئاً، يبدأ في كسر الجدران النفسية التي بنته الثقافة الذكورية حوله، ويتحرر من قيود الصمت العاطفي، ويكتشف أن الحنان ليس نقيض الرجولة، بل أحد أوجهها الأصيلة.

إن مساعدته في التعامل مع مشاعره لا يعني تربيته أو تغييره، بل مساعدته في استعادة إنسانيته الكاملة، في عالم لا يزال يقيس الرجولة بالقسوة والانفصال العاطفي.

المراجع

• Brown, Brené. Daring Greatly. Gotham Books, 2012.

• Real, Terrence. I Don’t Want to Talk About It: Overcoming the Secret Legacy of Male Depression. Scribner, 1997.