دعاء الاستفتاح في الصلاة

دعاء الاستفتاح: معناه، توقيته، وكيفية أدائه في الصلاة

مقدمة

من أبرز الأدعية التي تُقال في الصلاة، دعاء الاستفتاح، والذي يُعدُّ بداية الطمأنينة والانطلاقة الروحية في كل صلاة. دعاء الاستفتاح هو دعاء يُقال في بداية الصلاة بعد تكبيرة الإحرام، قبل الشروع في قراءة سورة الفاتحة. وقد ورد هذا الدعاء في الأحاديث النبوية، وله عدة صيغ متنوعة يختارها المسلم حسب ما يراه مناسبًا له. يهدف هذا الدعاء إلى تعزيز صلة العبد بالله، ويجعل من الصلاة حالة من التواصل الروحي الخالص مع الخالق. في هذا المقال، سنتناول دعاء الاستفتاح من حيث معناه، وأهميته، ومتى يُقال، وكيفية أدائه، مع التأصيل الشرعي لذلك.

1. تعريف دعاء الاستفتاح

دعاء الاستفتاح هو الدعاء الذي يبدأ به المسلم صلاته بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، ويكون ذلك في بداية الركعة الأولى من الصلاة. يُستحب فيه التوجه إلى الله عز وجل بالتسبيح، والحمد، والدعاء، والتوسل إلى الله بأن يفتح عليه أبواب رحمته، ويغفر له ذنوبه، ويقربه من مقامه الرفيع. كما أن دعاء الاستفتاح يعدّ بمثابة استدعاء لله للوقوف في حضرته والتواضع بين يديه في كل صلاة.

2. متى يُقال دعاء الاستفتاح؟

يُقال دعاء الاستفتاح في بداية الصلاة، أي بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، وقبل أن يبدأ المصلي بقراءة سورة الفاتحة. ويُقال في الصلاة المفروضة أو النفل، ويستحب أن يُقال في كل ركعة من الركعات في الصلاة. لكن هناك بعض الآراء الفقهية التي تبيّن أنه يمكن ترك دعاء الاستفتاح في بعض الحالات، مثل صلاة الجنازة، أو في الصلاة التي تقام في صلاة التراويح أو صلاة الجمعة، حيث تختلف هذه الصلوات في بعض جوانبها عن الصلاة اليومية المعتادة.

على الرغم من أن الدعاء مستحب في الصلوات المفروضة والنفل، إلا أنه إذا لم يقله المسلم، فإنه لا يبطل الصلاة أو يؤثر في صحتها. إنه مجرد سنَّة مستحبة وليست فرضًا.

3. أنواع دعاء الاستفتاح

ورد في السنة النبوية العديد من صيغ دعاء الاستفتاح التي يمكن للمسلم أن يختار منها ما يناسبه. وهذه بعض الصيغ الأكثر شهرة:

• اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد.

  وهذه صيغة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث الصحيحة، وتُعدّ من أشهر الأدعية التي يُفتتح بها الصلاة. يكثر فيها التوسل إلى الله بالتطهير من الذنوب.

• سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.

  وهي صيغة أخرى ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتُقال في بداية الصلاة للثناء على الله عز وجل والتنزيه له.

• اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، ومن همزه ونفخه، ومن غمزه.

  وتعد هذه صيغة أيضًا من الأدعية التي يمكن أن تُقال في بداية الصلاة، وهي عبارة عن استعاذة بالله من شرور الشيطان وأفعاله التي قد تؤثر على أداء الصلاة.

• اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيّام السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق.

  هذه صيغة أخرى وردت في السنة النبوية، وهي تعبير عن حمد الله وتمجيده على نعمه العظيمة. وهذه العبارة تعبر عن الاستعانة بالله والتوجه إلى الله بالثناء والمدح قبل الشروع في عبادة الصلاة.

4. كيف يُؤدى دعاء الاستفتاح؟

يؤدى دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، ويُفضل أن يكون هذا الدعاء بصوت منخفض بحيث لا يزعج من حوله، لكن يمكن رفع الصوت قليلاً بما يتناسب مع مكان الصلاة (سواء في جماعة أو في الصلاة الفردية). والحرص على أدائه يضفي روحانية خاصة على الصلاة ويجعلها أكثر قبولًا.

من السنة أن يكون المسلم في حال خشوع أثناء دعائه، ويجعل قلبه مع الله عز وجل، لا سيما وأن هذا الدعاء هو أول ما يبدأ به المسلم في صلاته، ويجب أن يكون هذا بداية صادقة للتوجه إلى الله. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُؤدى دعاء الاستفتاح بأفضل الصيغ وأدق الكلمات، من أجل أن يجمع المسلم بين اللفظ الطيب والقلب الخاشع في بداية الصلاة.

5. أهمية دعاء الاستفتاح

يعتبر دعاء الاستفتاح من الأدعية التي تفتح بابًا من أبواب الرحمة على المصلي. فعندما يقال هذا الدعاء، يتمكن المسلم من تصفية قلبه من المشاغل والهموم، ويدخل في حالة من السكينة والطمأنينة. يعدُّ هذا الدعاء بمثابة استحضار للقلب والنية، ويُسهم في بناء الإيمان وتعميقه لدى المسلم في كل ركعة من صلاته.

تعد هذه اللحظات من الصلاة بداية للانخراط في عبادة تُحسن الحال الروحي للإنسان، وتحميه من ضغوط الحياة اليومية. كما أن الدعاء له دور كبير في تعبير المسلم عن تواضعه بين يدي الله، الذي هو الملاذ الوحيد في هذا العالم.

6. الأدلة الشرعية على دعاء الاستفتاح

وردت العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تؤكد مشروعية دعاء الاستفتاح في الصلاة. فقد ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنه قال: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك”.

كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال أحدكم: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، فقد استفتح الصلاة”.

هذه الأحاديث وغيرها تؤكد أن دعاء الاستفتاح هو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب على المسلمين أن يُحافظوا عليه في صلواتهم اليومية والنفلية.

7. هل يمكن ترك دعاء الاستفتاح؟

رغم أن دعاء الاستفتاح يعدُّ من السنن المستحبة في الصلاة، إلا أن تركه لا يُبطل الصلاة. إذا صلى المسلم دون أن يؤدي دعاء الاستفتاح، فإن صلاته صحيحة. هذا رأي جمهور الفقهاء، إذ يرون أن الدعاء لا يُعتبر من الواجبات بل من السنن التي يُستحب الالتزام بها.

8. الخاتمة

دعاء الاستفتاح هو أحد عناصر الصلاة المهمة التي تضفي على المسلم حالة من الإيمان والخشوع. يُقال في بداية الصلاة بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة سورة الفاتحة، وله العديد من الصيغ التي يمكن للمسلم أن يختار منها ما يراه مناسبًا. وعلى الرغم من كونه من السنن المستحبة وليس من الواجبات، إلا أن أداءه يعكس طهارة القلب وتوجهه الكامل نحو الله تعالى.