درجات النار في الإسلام

دَرَجَات النَّار: مفهومها، تفصيلاتها، وكيفية النجاة منها

إنّ مفهوم النار في الإسلام هو مفهوم واسع ويمثل إحدى أعظم المحن التي يمكن أن يواجهها الإنسان في الآخرة، إذ يصور القرآن الكريم النار على أنها أحد ألوان العقاب الشديد التي حذر الله منها عباده في الكثير من الآيات الكريمة. والنار في القرآن هي مكان العذاب الدائم الذي لا ينتهي، وقد وضعت لها درجات ومراتب تختلف في شدتها حسب الأفعال والأعمال التي قدمها الإنسان في حياته الدنيا.

في هذا المقال، سنتناول تفصيلًا مفهوم درجات النار، وماذا تعني كل درجة، بالإضافة إلى الحديث عن الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى هذه الدركات، وكيفية تجنب الوقوع فيها، استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية.

1. مفهوم النار في الإسلام

النار في الإسلام هي المكان الذي أعده الله للكافرين والفاسقين من عباد الله الذين لم يتبعوا هديه، وهي كما ورد في الكتاب والسنة شديدة الحرارة وعميقة، لا يستطيع الإنسان أن يقدر مدى عذابها وشدتها. وقد جاء ذكر النار في القرآن الكريم في مواضع متعددة، منها في قوله تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُو۟لَـٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۝ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ” (سورة آل عمران، الآية 87).

وقد وصف القرآن الكريم النار بأنها ذات دركات، أي درجات متفاوتة من العذاب تختلف من شخص لآخر، حسب درجة إيمانه وأعماله في الدنيا.

2. درجات النار في القرآن والسنة

النار في الإسلام تتفاوت درجاتها حسب فاعل المعصية وحجم الذنب المرتكب. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:

“إنَّ أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة، رجلٌ يكون تحت أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه” (رواه مسلم).

وهذا الحديث يُظهر أن هناك تفاوتًا في درجة العذاب بين أهل النار، ويختلف هذا التفاوت حسب الشدة والمصير النهائي لكل إنسان. وبناءً على ما ورد في القرآن والسنة، يمكن تصنيف درجات النار إلى عدة مراتب، حسب نوع وكمية الذنوب المرتكبة، ومنها:

1.1. درجة أهل الشرك والكفر الأكبر

أعلى درجات النار هي خاصة بأهل الشرك والكفر الذين لم يطأوا أقدامهم في طريق الإيمان بالله ورسوله. هؤلاء لم يؤمنوا بالأنبياء، أو جحدوا رسالات الله، أو عبدوا غير الله سبحانه وتعالى. وقد ورد عن هؤلاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُو۟لَـٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” (سورة آل عمران، الآية 87).

هذه الفئة من البشر سيجدون أنفسهم في أعمق دركات النار، حيث لا فكاك لهم منها أبدًا. وكلما كان الكفر أكبر، كان العذاب أشد. وهذا يشمل من جحد وجود الله، أو من جعل لله شريكًا في العبادة، أو من أنكَر دين الإسلام.

1.2. درجة المنافقين

المنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر، أو الذين يرتكبون الكبائر مع الاحتفاظ بمظهر ديني دون أن يكون إيمانهم حقيقيًا. وتعد هذه الدرجة من الدركات الثقيلة أيضًا، كما جاء في قوله تعالى:

“إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا” (سورة النساء، الآية 145).

المنافقون سيكونون في أسفل السافلين في النار، ولن يجدوا لهم من يخفف عنهم عذابهم.

1.3. درجة أهل الكبائر

هذه الدرجة تخص الذين ارتكبوا الكبائر مثل الزنا، وشرب الخمر، والقتل، وغير ذلك من المعاصي التي تؤدي إلى دخول النار، ولكنهم مع ذلك آمنوا بالله ورسوله ولم يرتدوا عن دينهم. هؤلاء يمكن أن يغفر الله لهم في النهاية إذا شاء، أو يعذبهم في النار إلى حين.

وقد ورد في الحديث الصحيح:

“من مات وهو مُصرٌّ على الكبائر دخل النار” (رواه البخاري).

1.4. درجة أصحاب الأهواء

الذين يُبدعون في الدين أو يتبعون أهواءهم دون مراعاة لما جاء به الشرع، هؤلاء يُعتبرون في درجة متوسطة من النار. لا يصلون إلى درجة الكفار، ولكنهم قد يعذبون أيضًا بسبب تحريفهم للحقائق الشرعية أو تخليهم عن اتباع السنة النبوية.

3. ما هي أسبـاب وقوع الإنسان في دركات النار؟

من الأسباب التي تجعل الإنسان يدخل النار هي مجموعة من الأعمال السيئة التي قد يرتكبها في الدنيا، ومنها:

1. الشرك بالله: وهو أعظم الذنوب وأشدها تأثيرًا. من يعبد غير الله، سواء كان صنمًا أو مخلوقًا آخر، يدخل في أعمق درجات النار.

2. الكفر بالأنبياء: جحد الرسالات السماوية وعدم الاعتراف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقود إلى العذاب الدائم.

3. المعاصي الكبرى: مثل السرقة، والزنا، والقتل، وغيرها من الكبائر التي لا تُغفر إلا بالتوبة.

4. الرياء: فعل الأعمال الصالحة بهدف السمعة والظهور، وليس ابتغاء مرضاة الله.

5. الغفلة عن العبادة: ترك الصلاة والصوم والزكاة وعدم الإكثار من الطاعات يؤدي إلى معاقبة صاحبها في النار.

4. النجاة من درجات النار

النجاة من النار في الإسلام تتمثل في التوبة الصادقة والعودة إلى الله عز وجل. التوبة تشمل:

• الإقلاع عن الذنوب والمعاصي.

• الندم على ما فات.

• العزم على عدم العودة إلى المعاصي.

ومن الطرق الأخرى التي تقي المسلم من دخول النار:

1. الإيمان بالله وحده.

2. الصلاة والزكاة والصوم.

3. أداء الحج والعمرة.

4. طلب العلم الشرعي والعمل به.

5. الابتعاد عن الكبائر والمعاصي.

وفي الختام، يعتبر الحديث عن النار ودرجاتها من أهم المواضيع التي تذكر المؤمن بعواقب الأعمال في الدنيا والآخرة. فالمؤمن يسعى جاهدًا ليجنب نفسه الوقوع في هذه الدركات، ويحرص على اتباع الطريق المستقيم الذي يقوده إلى الجنة، بعيدًا عن النار وعذابها الأليم.