خلق آدم عليه السلام

خلق آدم عليه السلام

إن خلق آدم عليه السلام يعدّ من أعظم مشاهد القدرة الإلهية في القرآن الكريم والسنة النبوية، ويمثل بداية تاريخ البشرية على الأرض، وهو حدث جلل يجمع بين الإعجاز، والرحمة، والحكمة، والتكليف، والابتلاء، فقد ابتدأ الله سبحانه وتعالى قصة الإنسان بخلق آدم، أبي البشر، من تراب، ثم نفخ فيه من روحه، فكان إنساناً سوياً مكرماً، مسجوداً له من الملائكة، محاطاً بعناية الله، ومستخلفاً في الأرض.

أصل خلق الإنسان من تراب

أوضح القرآن الكريم أن أصل الإنسان هو من تراب، ثم أصبح طيناً، ثم تحول إلى حمأ مسنون، ثم إلى صلصال كالفخار. وكل مرحلة من هذه المراحل تمثل تحولاً في الخلق يدل على التدرج في تكوين الجسد البشري قبل نفخ الروح.

قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ [المؤمنون: 12]

﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن: 14]

﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ﴾ [الصافات: 11]

والسلالة هي ما يُستخلص ويُستخرج من الشيء، فالسلالة من الطين تعني خلاصة الطين، وهو ما يدل على عناية الله بانتقاء خلق آدم من مادة أولى مباركة، نقية، خضعت لتحولات متعددة.

الطين والحمأ والصلصال

• الطين: هو التراب الممزوج بالماء، وهو المادة الأولية.

• الحمأ المسنون: هو الطين الذي تغيّر لونه ورائحته من شدة البلل والركود.

• الصلصال: هو الطين الجاف، الذي إذا نُقر أحدث صوتاً كالفخار.

يذكر المفسرون أن خلق آدم مر بهذه المراحل كلها، وهي رموز لمعاني روحية وتكوينية: من الليونة، إلى النضج، إلى القوة، استعدادًا لنفخ الروح الإلهية فيه.

نفخ الروح

بعد أن اكتمل خلق جسد آدم عليه السلام على صورة بشرية كاملة، ومرّ بمراحل عدة، جاء الأمر الإلهي الأعظم:

﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص: 72]

نفخ الله تعالى في آدم من روحه، وهي الروح المخلوقة المشرفة بنسبتها إلى الله. إن تعبير “من روحي” لا يعني أن الروح جزء من ذات الله – تعالى الله عن ذلك – بل تعني روحاً خلقها الله وشرّفها بالإضافة إليه، كما يقال “بيت الله” و”ناقة الله”.

وبهذا أصبح الإنسان مزيجاً من مادة وطين، ومن روح ونفخة علوية، فحمل في ذاته عناصر الأرض والسماء، وكان مؤهلاً للتكليف والاستخلاف في الأرض.

سجود الملائكة

بمجرد أن نفخ الله في آدم من روحه، أمر الملائكة أن يسجدوا له:

﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: 30]

وكان السجود لآدم تكريماً له، وامتثالاً لأمر الله، وليس عبادة له. وقد دل هذا السجود على عظمة هذا الخلق الجديد، الذي جمعت فطرته بين الروحانية والطين، بين الحرية والتكليف.

امتناع إبليس

رغم أن إبليس كان في عداد المخلوقات المأمورة بالسجود، إلا أنه أبى واستكبر، وقال:

﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [ص: 76]

لقد استخدم إبليس منطق العنصرية والتفوق العنصري ليبرر عصيانه، فكان أول من أسس التكبر على أساس الأصل والمادة، وبهذا دخلت أول فتنة في سجل الإنسانية: الحسد والكِبر، وكانت هذه بداية التحدي بين قوى الخير والشر.

تعليم آدم الأسماء

بعد أن خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، اختصه بميزة العقل والمعرفة، فعلمه أسماء الأشياء:

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: 31]

وقد فهم العلماء من هذه الآية أن الإنسان مخلوق متعلم بطبيعته، مفكر، محلل، قادر على فهم المفاهيم وتجريد المعاني، وهذه الخاصية تميّزه عن سائر الكائنات.

آدم واستخلافه في الأرض

عندما أخبر الله الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة، قالوا:

﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]

وكان جواب الله:

﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾

فالله قدّر في علمه أن هذا الإنسان رغم ما قد يرتكبه من ذنوب وظلم، إلا أنه يحمل في ذاته القدرة على التوبة، والسمو، والإصلاح، والعبادة، وهو ما تحقق لاحقاً حين أخطأ آدم ثم تاب وعاد.

خلق حواء من آدم

بعد أن استقر آدم في الجنة، شاءت إرادة الله أن يخلق له من نفسه زوجاً ليسكن إليها، فخلق حواء من ضلعه:

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف: 189]

وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال:

«استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع» [البخاري ومسلم]

خلقت حواء من ضلع آدم لا من رأسه لتكون فوقه، ولا من قدمه لتكون تحته، بل من ضلعه لتكون بجانبه، في قلبه، تؤنس وحدته، وتشاطره حياته.

الابتلاء في الجنة

كان آدم وزوجه حواء يعيشان في الجنة بطمأنينة، وأذن لهما الله أن يأكلا من كل شيء إلا شجرة واحدة:

﴿فَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة: 35]

لكن إبليس وسوس لهما، وأغراهما بأن الأكل من الشجرة سيمنحهما الخلود، فوقعا في الخطأ:

﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ [البقرة: 36]

فكانت الخطيئة الأولى، وكان معها أول درس في التوبة، والعودة إلى الله، وبيان الفرق الجوهري بين من يخطئ ثم يندم، ومن يخطئ ثم يستكبر.

توبة آدم عليه السلام

قال تعالى:

﴿فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37]

وقد أورد المفسرون أن هذه الكلمات هي:

“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا، وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا، وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [الأعراف: 23]

فكانت هذه أول توبة في تاريخ البشرية، وهي تمثل جوهر العلاقة بين الإنسان وربه: الخطيئة، والندم، والاعتراف، والعودة.

نزول آدم إلى الأرض

بعد التوبة، نزل آدم وحواء إلى الأرض، ليبدأ دور الإنسان كمكلف، وخليفة، وصاحب مسؤولية:

﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾ [الأعراف: 24]

وبدأت بذلك مرحلة البناء الإنساني، الاجتماعي، والروحي، والابتلاء المتجدد عبر الزمان والمكان.

جدول يوضح مراحل خلق آدم عليه السلام

الختام

خلق آدم عليه السلام قصة مليئة بالرموز والدروس: عن بداية الإنسان، وعن طبيعة الخلق الإلهي، وعن المسؤولية التي يحملها كل فرد منا في الأرض. إنه مزيج من الطين والروح، من القوة والضعف، من الخطأ والتوبة، ومن الرحمة والابتلاء، فكانت حياته بداية الطريق لكل من جاء بعده، وكان خلقه أول فصل في سفر الإنسانية الطويل.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة.

2. الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن.