خطورة اللعن وأسباب علاجه

خطورة اللعن وعلاجه

اللّعن من الظواهر السلوكية الخطيرة التي تتنافى مع مبادئ الإسلام وأخلاق المؤمن، وهو سلوك مرفوض شرعًا وعقلًا، لما فيه من الأذى النفسي والاجتماعي، ولما يترتب عليه من آثار سلبية تمس الفرد والمجتمع معًا. فاللّعن ليس مجرد لفظٍ يُقال، بل هو عدوان لفظيّ يحمل في طياته دعاء بالطرد من رحمة الله، مما يجعله من الكبائر التي نهى عنها الإسلام وحذّر منها في نصوص كثيرة. وقد أصبح هذا السلوك مع الأسف شائعًا في بعض المجتمعات، حتى كاد أن يتحول إلى عادة دارجة في البيوت والمدارس والأسواق ووسائل الإعلام ومواقع التواصل، مما يستوجب وقفة جادة في فهم خطورته ومعالجة أسبابه والبحث في سبل علاجه.

تعريف اللعن

اللعن في اللغة هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله، وفي الاصطلاح الشرعي هو: الدعاء على الغير بأن يُطرد من رحمة الله بسبب ذنب أو معصية. ويكون اللعن بحقٍ أو بغير حق، والأصل أن لا يُلعن أحد من المسلمين بعينه، لأن ذلك منهيٌ عنه بنصوص قطعية، إلا من لعنهم الله ورسوله صراحةً، كالشيطان، أو من ثبتت عليهم صفات الكفر والنفاق علنًا.

الأدلة الشرعية في النهي عن اللعن

وردت آيات وأحاديث كثيرة تُحذِّر من اللعن وتُبين خطره، منها قول الله تعالى:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرٗا﴾ [الأحزاب: 64].

فهذا اللعن من الله سبحانه خاص بالكافرين جزاء كفرهم. أما لعن المسلم، فقد ورد النهي عنه صريحًا في السنة النبوية:

• عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا الفاحش ولا البذيء” (رواه الترمذي وقال حديث حسن).

• وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لعن مؤمنًا فهو كقتله” (رواه البخاري ومسلم).

فهذه النصوص تعكس شدة خطورة اللعن، وتُظهر عظم إثمه وتشبيهه بجريمة القتل في الإثم، لما فيه من الاعتداء على حرمة المسلم وإيذائه ظلمًا.

مظاهر انتشار اللعن في المجتمع

تنتشر ظاهرة اللعن اليوم بعدة صور وأشكال، من أبرزها:

• اللّعن بين الأزواج: حيث يتحول الخلاف الأسري إلى ساحة للشتائم واللعن، مما يزيد التوتر ويهدد كيان الأسرة.

• لعن الأبناء: بعض الآباء أو الأمهات يلعنون أبناءهم أثناء الغضب، غير مدركين أن ذلك دعاء قد يُستجاب، وفيه ظلم وعدوان على فلذات أكبادهم.

• لعن السائقين والمارة: في الطرقات وأثناء القيادة، تنتشر هذه الظاهرة بشكل ملفت، فتجد اللعن يتكرر عند أبسط خلاف مروري.

• اللّعن في شبكات التواصل: أصبحت منصات الإنترنت بيئة خصبة لتبادل اللعن بين الأفراد، خصوصًا في القضايا الخلافية أو عند الاختلاف في الرأي.

• لعن الذات أو القدر: بعض الناس، إذا ضاق بهم الحال، يلعنون الزمان أو أنفسهم، أو القدر، مما يدخلهم في دائرة الاعتراض على قضاء الله.

الآثار السلبية للعن

1. التأثير على العقيدة

اللّعن يُعد تجاوزًا خطيرًا في العلاقة بين العبد وربه، لأن فيه دعاء بالطرد من رحمة الله، وهي أعظم ما يحتاجه العبد في الدنيا والآخرة. وقد يُفضي الإكثار من اللعن إلى قسوة القلب وسوء الظن بالله، لا سيما إن كان اللعن موجهًا للذات أو للأبناء أو للزمان، فيكون فيه اعتراض على قضاء الله وتدبيره.

2. فساد الأخلاق واللسان

اللسان هو مرآة الأخلاق، فإذا ألف اللعن اعتاد السوء، وتدرّج في الفحش والبذاءة، حتى يُطبع على القسوة والجفاء، ويبتعد عن حسن الخلق الذي هو من أعظم صفات المؤمن.

3. التأثير على العلاقات الاجتماعية

اللّعن يدمر الثقة بين الناس، ويُفقد الاحترام المتبادل، ويؤدي إلى النزاعات والعداوات، خصوصًا إذا صدر بين الأقارب أو الجيران أو زملاء العمل.

4. حرمان الشفاعة والفضل

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة” (رواه مسلم). أي أن من اعتاد اللعن يُحرم من الشفاعة والمكانة عند الله يوم الحساب.

5. ضياع هيبة المسلم وقدره

المؤمن الذي يكثر من اللعن يُنظر إليه بعين الاحتقار في المجتمع، ويُجرد من الهيبة والوقار، فلا يُوثق بكلامه ولا يُحترم رأيه، لما جبل لسانه على الإساءة.

الأسباب المؤدية إلى اللعن

لفهم خطورة اللعن بعمق، يجب البحث في دوافعه وأسبابه النفسية والاجتماعية، ومن أبرزها:

1. الجهل الديني

كثير من الناس لا يدركون حجم الإثم المرتبط باللعن، ويظنون أنه مجرد تنفيس عن الغضب. ولو علموا تحريم اللعن وخطورته في ميزان الشريعة، لتجنبوه.

2. سوء التربية

الطفل الذي ينشأ في بيئة يكثر فيها اللعن، من الوالدين أو الإخوة أو الأقارب، يتطبع بهذا السلوك، ويظنه أمرًا طبيعيًا.

3. رفاق السوء

الاختلاط بأشخاص معتادي اللعن يجعل الفرد يكتسب هذه العادة السيئة بالتقليد والتكرار، حتى تصبح جزءًا من شخصيته.

4. الغضب والانفعال

كثير من حالات اللعن تحدث في لحظات الغضب، عندما يفقد الإنسان السيطرة على أعصابه، فيُخرج ألفاظًا يندم عليها لاحقًا.

5. وسائل الإعلام ومواقع التواصل

بعض البرامج والأفلام والألعاب الإلكترونية تحتوي على شتائم ولعنات، مما يُسهم في تطبيع هذه الظاهرة لدى المتلقين، خصوصًا صغار السن.

علاج ظاهرة اللعن

إن علاج هذه الظاهرة يتطلب تكاملاً بين الجهود الفردية والمجتمعية والدينية، عبر محاور متعددة:

1. التوعية الدينية

من خلال الخطب والدروس والبرامج التثقيفية، يجب بيان حرمة اللعن وآثاره، وضرورة التحلي بحسن الخلق واللسان الطيب. كما يجب توجيه الآباء والمعلمين إلى غرس مراقبة الله في قلوب الأبناء.

2. المراقبة الذاتية والتدرج في التخلّص

ينبغي على من ابتلي بهذه العادة أن يُراقب نفسه، ويُحاسبها، ويُكثف الاستغفار كلما وقع في اللعن، وأن يستبدل اللعن بالدعاء أو الصمت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” (متفق عليه).

3. بيئة صالحة

الحرص على صحبة الأخيار الذين يعينون على الطاعة، وترك مجالسة من يعتادون اللعن والسباب، لأن الصحبة تؤثر في السلوك تأثيرًا بالغًا.

4. برامج تعديل السلوك

يمكن الاستفادة من برامج تطوير الذات والتدريب على التحكم بالغضب، من خلال جلسات سلوكية أو علاج معرفي، تساعد الفرد على التعبير عن مشاعره بطريقة صحية.

5. نشر ثقافة الكلمة الطيبة

التركيز على تعليم الأبناء والطلاب والمجتمع بشكل عام فضيلة الكلمة الطيبة، وأثرها في بناء النفوس والتواصل الإيجابي، لأن الكلمة الطيبة صدقة، كما في الحديث الشريف.

6. القوانين والضوابط الإعلامية

ينبغي فرض رقابة على وسائل الإعلام والمحتويات الإلكترونية التي تُروّج للشتائم واللعن، ومحاسبة من يبث هذه القيم السلبية، ووضع معايير أخلاقية للإعلام الموجه للأطفال والناشئة.

جدول توضيحي لمقارنة بين اللعن والكلمة الطيبة:

خاتمة

إن اللّعن آفة خطيرة تهدد الأخلاق وتُضعف الروابط الاجتماعية، وتُسهم في نشر البغضاء، وهي مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام التي تدعو إلى الكلمة الطيبة وحسن الخلق. وإن السبيل إلى القضاء على هذه الظاهرة يبدأ من داخل النفس، ومن الوعي بحجم خطورتها، ثم ينتقل إلى الأسرة والمدرسة والمجتمع، لتتظافر الجهود في غرس بديل راقٍ عن اللعن، وهو الدعاء بالخير والنصح بالكلمة الحسنة. فكما أن اللّعن يُخرج من دائرة الإيمان، فإن الكلمة الطيبة ترفع مقام المؤمن وتُعلي منزلته عند ربه وعند الناس.

المراجع:

1. صحيح البخاري وصحيح مسلم – جمع الأحاديث المتعلقة باللعن.

2. ابن القيم، مدارج السالكين.