خطوات صناعة السكر: من النبات إلى المنتج النهائي
تعتبر صناعة السكر واحدة من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان، وقد ارتبطت بتطور الحضارات البشرية منذ آلاف السنين. السكر لا يقتصر على كونه مادة حلوة تضاف إلى الطعام فقط، بل له دور كبير في الاقتصاد والزراعة والصناعة. تنقسم عملية صناعة السكر إلى عدة مراحل تبدأ من زراعة النباتات التي تحتوي على السكر مثل قصب السكر و الشمندر السكري، وتنتهي بتعبئة السكر الخام والمكرر ليصل إلى المستهلك. سنأخذ في هذا المقال نظرة تفصيلية وشاملة على خطوات صناعة السكر، مع التركيز على الجوانب التقنية والصناعية لهذه العملية.
المرحلة الأولى: زراعة النباتات السكّرية
تبدأ صناعة السكر أساساً من زراعة النباتات التي تحتوي على سكريات قابلة للاستخراج. تنقسم هذه النباتات إلى نوعين رئيسيين:
-
قصب السكر: هو الأكثر شيوعاً في المناطق الاستوائية والدافئة مثل البرازيل والهند، حيث ينمو في المناخ الحار والرطب.
-
الشمندر السكري: يزرع في المناخات المعتدلة، ويعتبر من أهم مصادر السكر في الدول التي تتمتع بمناخ بارد، مثل بعض مناطق أوروبا وروسيا.
تبدأ الزراعة بتحديد الأراضي المناسبة، حيث يتطلب القصب والشمندر السكري تربة خصبة وغنية بالعناصر الغذائية. بعد الزراعة، يحتاج النبات إلى العناية المستمرة لضمان نموه بشكل صحي، ويشمل ذلك الري المنتظم، والتسميد، والمكافحة البيولوجية ضد الحشرات والأمراض.
المرحلة الثانية: حصاد النبات
يتم حصاد القصب السكري والشمندر في وقت معين من السنة، عادة بعد مرور أشهر من الزراعة. في حالة قصب السكر، يتم قطع سيقانه في موسم الحصاد باستخدام أدوات يدوية أو آلية، ويتم نقل السيقان إلى المصانع فوراً لضمان الحفاظ على السكريات الموجودة فيها.
أما في حالة الشمندر السكري، فيتم حصاده بعد أن ينضج ويصل إلى الحجم المناسب. يُستخدم في الحصاد عادة آلات متطورة تقوم بكشط التربة حول النبات ثم استخراج الجذور، التي تكون محملة بالسكر.
المرحلة الثالثة: استخراج العصير
بعد الحصاد، تبدأ عملية استخراج العصير السكري من النباتات. في حالة قصب السكر، يتم تقطيع السيقان إلى قطع صغيرة وتُضغط بواسطة مكابس ضخمة لاستخراج العصير. أما بالنسبة للشمندر السكري، فيتم تقطيعه إلى شرائح ثم غسله جيداً لإزالة الشوائب قبل بدء عملية الاستخلاص.
الطريقة الأساسية لاستخراج العصير تشمل:
-
المعصرة: وهي جهاز ميكانيكي يعمل على ضغط المواد النباتية لاستخراج أكبر قدر من العصير. في مصانع السكر الحديثة، يتم استخدام مكابس دوارة لضغط القصب أو الشمندر.
-
الفرز الأولي: يتضمن هذا المرحلة فصل العصير عن المواد الصلبة التي قد تحتوي على شوائب.
المرحلة الرابعة: تنقية العصير
بعد استخراج العصير من النباتات، يتم نقله إلى مرحلة التنقية. تحتوي العصائر المستخلصة من القصب أو الشمندر على العديد من الشوائب مثل الأتربة والألياف والمواد العضوية التي يجب التخلص منها قبل المضي في مراحل التصنيع الأخرى.
التنقية تتضمن عدة خطوات رئيسية:
-
إضافة الجير (الكالسيوم الهيدروكسيد): يتم خلط العصير مع الجير لتحييد الأحماض الموجودة في العصير، مما يساعد في إزالة الشوائب.
-
الترشيح: بعد إضافة الجير، يتم تمرير العصير عبر فلاتر ضخمة لفصل المواد الصلبة عن السائل.
-
الترسيب: بعد الترشيح، يتم ترسيب المواد الغير قابلة للذوبان في العصير مثل البروتينات والمركبات الأخرى.
هذه الخطوة مهمة لأنها تضمن أن العصير سيكون نقياً وخالياً من أي شوائب قد تؤثر على طعم السكر وجودته.
المرحلة الخامسة: التبخير والتركيز
بعد التنقية، يتم تركيز العصير من خلال عملية التبخير. يُنقل العصير إلى أفران ضخمة حيث يتم تسخينه لتبخير الماء الموجود فيه، مما يؤدي إلى تركيز السكريات وجعل العصير أكثر كثافة. هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً وتتم تحت درجة حرارة منخفضة لضمان عدم تدمير المواد السكرية.
في هذه المرحلة، يتم تحويل العصير إلى سائل كثيف يسمى عصير القصب المكثف أو العصير السميك. هذه المادة تحتوي على نسبة عالية من السكريات وتعد بمثابة الخطوة الأولى نحو إنتاج السكر الخام.
المرحلة السادسة: البلورة (التبلور)
المرحلة التالية في صناعة السكر هي تحويل العصير المكثف إلى بلورات السكر. في هذه المرحلة، يتم إضافة البذور البلورية، وهي عبارة عن بلورات صغيرة من السكر يتم إضافتها إلى العصير المكثف ليبدأ في التبلور. يتم تسخين العصير في خلايا خاصة وتدور فيه بحيث تتشكل البلورات تدريجياً.
تتم عملية التبلور على عدة مراحل، حيث يتم تبريد العصير المكثف تدريجياً حتى تبدأ البلورات في التكون. هذه البلورات تنمو حتى تصل إلى الحجم المطلوب. بعد ذلك، يتم فصل البلورات عن السائل المتبقي، والذي يُعرف بالشراب الأسود أو الماولا.
المرحلة السابعة: الطرد المركزي
بعد التبلور، يتم استخدام الطرد المركزي لفصل البلورات عن السائل المتبقي. في هذه العملية، يتم وضع خليط البلورات والسائل في جهاز يسمى الطارد المركزي، حيث يدور الخليط بسرعة عالية. نتيجة لذلك، تنفصل البلورات عن السائل، ويتم الحصول على السكر الخام الذي يتم تصنيعه في المراحل التالية.
المرحلة الثامنة: التجفيف والتكرير
السكر الخام الذي يتم الحصول عليه من الطرد المركزي يحتوي على كمية كبيرة من الشوائب والرطوبة، مما يجعله غير صالح للاستهلاك مباشرة. لذلك، يتم إرساله إلى مرحلة التجفيف، حيث يتم إزالة الرطوبة الزائدة باستخدام أجهزة خاصة.
بعد التجفيف، يدخل السكر مرحلة التكرير التي تهدف إلى إزالة جميع الشوائب المتبقية مثل الألوان أو المواد غير المرغوب فيها. عملية التكرير قد تشمل:
-
التكرير الكيميائي: باستخدام مواد كيميائية مثل الكربون النشط لإزالة الألوان والشوائب.
-
التكرير الفيزيائي: من خلال عمليات التصفية والضغط والبلورة مرة أخرى.
المرحلة التاسعة: التعبئة والتوزيع
بعد أن يصبح السكر مكرراً وجافاً، يتم نقله إلى مرحلة التعبئة. يتم تعبئة السكر في أكياس أو عبوات حسب الحجم المطلوب، ويتم وضعه في مصانع التعبئة الخاصة بالشركات المنتجة. بعد ذلك، يتم توزيع السكر إلى الأسواق المحلية والدولية.
المرحلة العاشرة: السكر المكرر والسكر الأبيض
أحد المنتجات النهائية التي يتم الحصول عليها من هذه العملية هو السكر الأبيض المكرر، الذي يستخدم في مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية. يتميز هذا السكر بنقاوته العالية وكونه خاليًا من أي شوائب.
الخاتمة
تعتبر صناعة السكر عملية معقدة تتطلب تكنولوجيا متقدمة ومهارات علمية وفنية دقيقة. على الرغم من أن السكر هو منتج بسيط في شكله النهائي، فإن مراحل إنتاجه تتضمن مجموعة من العمليات التي تضمن إنتاج منتج عالي الجودة خالي من الشوائب. بداية من زراعة القصب أو الشمندر السكري وصولاً إلى تعبئة السكر المكرر، تمثل كل خطوة في هذه العملية جزءاً مهماً من سلسلة الإنتاج التي تضمن الحصول على السكر بأعلى مستويات النقاء والجودة.
