خطوات المنهج الوصفي في البحث

خطوات المنهج الوصفي في البحث العلمي

يعد المنهج الوصفي أحد أبرز المناهج التي يتم استخدامها في البحث العلمي، وهو منهج يعتمد على وصف وتحليل الظواهر أو الأحداث أو السلوكيات في سياقها الطبيعي دون التلاعب بها أو التأثير عليها. يرتكز هذا المنهج على جمع البيانات بطريقة منظمة ودقيقة ثم تحليلها بهدف تفسير العلاقات بين مختلف العوامل والظواهر التي يتم دراستها. في هذا المقال، سنستعرض خطوات المنهج الوصفي في البحث العلمي بشكل مفصل، مع توضيح كيفية تطبيقه في الدراسات المختلفة.

1. تحديد مشكلة البحث

أول خطوة في أي دراسة وصفية هي تحديد المشكلة أو الظاهرة التي سيتم دراستها. يجب أن تكون هذه المشكلة واضحة ودقيقة، بحيث يمكن جمع البيانات المتعلقة بها بشكل فعال. تحديد المشكلة في المنهج الوصفي لا يعني فقط صياغتها، بل يجب أن تشمل أيضًا تحديد حدودها ومجالها الزمني والمكاني. يتم ذلك من خلال ملاحظة الظواهر المحيطة بها، ودراستها من مختلف الجوانب.

قد تكون المشكلة في المنهج الوصفي متعلقة بسلوك أو ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية أو علمية. على سبيل المثال، دراسة سلوك الطلاب في فصول دراسية معينة أو دراسة تأثير التدخين على الصحة العامة. يعد تحديد مشكلة البحث بدقة الخطوة الأولى التي تضمن نجاح البحث وفاعليته.

2. صياغة الفرضيات

بينما لا يتطلب المنهج الوصفي فرض فرضيات معقدة كما في بعض المناهج الأخرى مثل المنهج التجريبي، إلا أن الباحث قد يضع افتراضات مبدئية حول كيفية تطور الظاهرة أو الأحداث التي يتم دراستها. الفرضيات في هذا السياق تكون افتراضات معقولة بناءً على الملاحظات الأولية، ويتم اختبارها من خلال جمع البيانات وتحليلها.

يمكن للفرضيات أن تكون مثلاً: “تؤثر العوامل الاجتماعية على مستوى التحصيل العلمي للطلاب” أو “تزداد نسبة الحوادث المرورية في المدن الكبرى بشكل ملحوظ في مواسم العطلات”. لكن بما أن المنهج الوصفي يركز على الوصف فقط، فإن الباحث لا يتدخل في تحديد أسباب الظاهرة بل يكتفي بدراستها كما هي.

3. تحديد أدوات جمع البيانات

في المنهج الوصفي، تعد أدوات جمع البيانات من العناصر الأساسية التي يعتمد عليها البحث. تتنوع هذه الأدوات حسب نوع الدراسة وموضوع البحث. من أبرز الأدوات التي يمكن استخدامها في المنهج الوصفي:

• الملاحظة المباشرة: وهي من أكثر الأدوات استخدامًا في الدراسات الوصفية، حيث يقوم الباحث بملاحظة الظواهر في بيئتها الطبيعية دون التدخل أو التأثير عليها. هذه الطريقة تكون مفيدة في دراسة سلوك الأفراد أو الجماعات في سياقات محددة.

• الاستبيانات: تعد الاستبيانات وسيلة فعالة لجمع البيانات من مجموعة كبيرة من الأفراد في وقت قصير. يتضمن الاستبيان أسئلة مقننة تسمح بتحليل النتائج بشكل إحصائي.

• المقابلات: المقابلات الشخصية أو الهاتفية تتيح للباحث جمع بيانات نوعية معمقة من الأفراد المعنيين. يمكن أن تكون هذه المقابلات مفتوحة أو مغلقة، وتستخدم لجمع معلومات غير قابلة للقياس الكمي.

• الوثائق والمراجعات: في بعض الدراسات الوصفية، قد يستعين الباحث بالوثائق المكتوبة مثل التقارير أو السجلات أو الأبحاث السابقة لفهم الظاهرة المبحوثة بشكل أعمق.

4. جمع البيانات

بعد تحديد الأدوات المناسبة لجمع البيانات، تأتي المرحلة التالية، وهي جمع البيانات الفعلية من المجتمع الذي يتم دراسته. عملية جمع البيانات تتطلب التنظيم والدقة لتجنب الوقوع في أخطاء قد تؤثر على نتائج البحث. على سبيل المثال، يجب على الباحث أن يلتزم بمعايير محددة عند إجراء المقابلات أو توزيع الاستبيانات لضمان جمع معلومات دقيقة وموثوقة.

في بعض الدراسات الوصفية، قد يكون جمع البيانات عملية طويلة ومعقدة، حيث يتعين على الباحث أن يتفاعل مع المشاركين بشكل مستمر من أجل ضمان الحصول على معلومات شاملة. هذه المرحلة تتطلب أيضًا ملاحظة متأنية للظواهر وتحليلها على أرض الواقع دون التدخل أو التحيز.

5. تنظيم وتحليل البيانات

بعد جمع البيانات، تأتي خطوة تحليلها. في المنهج الوصفي، يُستخدم التحليل لتفسير البيانات ومقارنة النتائج بين المجموعات المختلفة أو في سياقات زمنية أو مكانية متعددة. يعتمد التحليل في هذه المرحلة على أساليب إحصائية معينة لفرز البيانات وتنظيمها.

في حال كانت البيانات كمية، يمكن للباحث استخدام أدوات إحصائية مثل المتوسطات الحسابية، والانحرافات المعيارية، وتحليل التوزيع البياني للحصول على فهم أفضل للظاهرة. أما إذا كانت البيانات نوعية، فيتم تحليلها من خلال تصنيف الإجابات أو الملاحظات واستخلاص الأنماط الشائعة.

من الأهمية بمكان أن يتم التحليل بطريقة موضوعية ودقيقة، مع مراعاة عدم فرض تفسيرات خارجية على البيانات. الهدف هو اكتشاف الأنماط أو العلاقات التي قد تساهم في فهم الظاهرة.

6. عرض النتائج

بمجرد تحليل البيانات، يتم عرض النتائج بطريقة منطقية ومنظمة. غالبًا ما تتضمن هذه المرحلة استخدام الجداول البيانية أو الرسوم البيانية لتمثيل النتائج بشكل مرئي، مما يساعد على توصيل الرسائل الرئيسية للبحث بوضوح.

في المنهج الوصفي، يجب أن يتم عرض النتائج بطريقة محايدة، مع تجنب تحريف البيانات أو التلاعب بها. كما يتعين على الباحث أن يتجنب تفسير النتائج قبل اكتمال التحليل، إذ أن الهدف الأساسي هو تقديم صورة واضحة لما يحدث في الواقع.

7. تفسير النتائج

بعد عرض النتائج، تأتي مرحلة تفسير هذه النتائج. في هذا السياق، لا يتطلب المنهج الوصفي أن يقدم الباحث استنتاجات قاطعة بشأن أسباب الظاهرة، بل يقتصر التفسير على تقديم فهم أعمق للظاهرة بناءً على ما تم جمعه من بيانات. يمكن أن يتضمن التفسير بعض التوقعات أو الافتراضات حول كيفية تأثير العوامل المختلفة على الظاهرة، دون التأكيد على causal relationships (العلاقات السببية) بشكل غير دقيق.

8. كتابة التقرير البحثي

في نهاية البحث، يقوم الباحث بكتابة تقرير شامل يوضح جميع مراحل البحث، بدءًا من تحديد المشكلة، مرورًا بتصميم البحث، جمع البيانات، تحليل النتائج، وتفسير النتائج. يجب أن يكون التقرير مكتوبًا بأسلوب علمي دقيق مع الإشارة إلى الأدوات والطرق التي تم استخدامها. كما يجب أن يتضمن التقرير مراجع للمصادر المستخدمة في البحث.

9. استخلاص الاستنتاجات والتوصيات

على الرغم من أن المنهج الوصفي لا يهدف إلى تقديم حلول أو فرضيات جديدة، إلا أن بعض الباحثين قد يقومون في هذه المرحلة بتقديم استنتاجات مستندة إلى النتائج التي تم الحصول عليها. يمكن أن تتضمن هذه الاستنتاجات ملاحظات حول الظواهر المدروسة أو اقتراحات لتحسين الأوضاع الحالية بناءً على البيانات الوصفية.

10. التحقق من صحة البيانات

من المهم في البحث الوصفي أن يتأكد الباحث من صحة وموثوقية البيانات التي تم جمعها. يتضمن ذلك التأكد من أن الأدوات المستخدمة كانت مناسبة للسياق وأن البيانات تم جمعها بطرق علمية، فضلاً عن تقييم مدى تمثيل العينة للمجتمع الكلي.

الخلاصة

إن المنهج الوصفي في البحث العلمي هو منهج يركز على دراسة الظواهر كما هي في الواقع، دون التدخل أو التلاعب. يتطلب هذا المنهج جمع البيانات بشكل دقيق وتحليلها بطريقة موضوعية للكشف عن الأنماط والعلاقات بين العوامل المختلفة. على الرغم من أن هذا المنهج لا يهدف إلى إثبات علاقات سببية بين المتغيرات، فإنه يعد أداة قوية لفهم الواقع وتحليله، ويسهم بشكل كبير في تطوير المعرفة العلمية في مختلف المجالات.