خطوات البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية

خطوات البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية: منهجية وممارسات

يعد البحث العلمي في مجال الخدمة الاجتماعية من الأدوات الأساسية التي تسهم في تحسين مستوى الأداء المهني والخدمات المقدمة للأفراد والمجتمعات. يعتبر هذا النوع من البحث بمثابة جسر لتطوير المعرفة وفهم الظواهر الاجتماعية المتعلقة بالأفراد والجماعات داخل السياقات المجتمعية المختلفة. يتطلب البحث العلمي في هذا المجال تطبيق مجموعة من الخطوات المنهجية الدقيقة التي تضمن حصول الباحث على نتائج موثوقة وقابلة للاستخدام في تحسين الممارسات المهنية.

في هذا المقال، سنعرض بالشرح والتفصيل الخطوات الأساسية التي يجب أن يتبعها الباحث في مجال الخدمة الاجتماعية عند القيام ببحث علمي. من هذه الخطوات تحديد المشكلة، صياغة الفرضيات، اختيار المنهجية المناسبة، جمع البيانات، تحليلها، وأخيرًا استخلاص النتائج وتفسيرها. سوف نعرض كل خطوة على حدة، مع التركيز على أهميتها وكيفية تنفيذها بشكل دقيق وفعّال.

1. تحديد المشكلة

يبدأ البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية بتحديد المشكلة التي يسعى الباحث لفحصها ودراستها. هذه الخطوة تعد الأساس الذي يوجه البحث ويحدد المسار الذي سيأخذ فيه الباحث. لا يمكن للباحث أن يبدأ دراسته دون أن يكون قد حدد بوضوح القضية أو الظاهرة الاجتماعية التي ستشكل موضوع بحثه.

أهمية تحديد المشكلة

تعد خطوة تحديد المشكلة من الخطوات الحاسمة في البحث العلمي لأنها تحدد نطاق الدراسة وتوجهاتها. فكلما كانت المشكلة واضحة ودقيقة، كلما كانت النتائج التي يتم التوصل إليها أكثر فائدة وواقعية. ينبغي للباحث أن يضع في اعتباره أن تكون المشكلة متعلقة بأحد القضايا الاجتماعية المهمة التي تحتاج إلى استجابة أو تدخل مهني فعال.

طرق تحديد المشكلة

من بين الطرق الفعالة لتحديد المشكلة في الخدمة الاجتماعية هي الاستماع إلى قضايا المجتمع المحلي، أو التواصل مع المهنيين في الميدان، أو من خلال مراجعة الأدبيات والبحوث السابقة التي تعكس التحديات الاجتماعية الراهنة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتم تحديد المشكلة بناء على اهتمامات الباحث الشخصية أو الحاجة إلى سد فجوات المعرفة في مجال معين.

2. صياغة الفرضيات

بعد تحديد المشكلة، تأتي مرحلة صياغة الفرضيات. الفرضيات هي عبارة عن تصورات أو افتراضات أولية عن علاقة محتملة بين المتغيرات المختلفة التي سيتم فحصها خلال البحث. الفرضية يجب أن تكون قابلة للاختبار، وهذا يعني أن الباحث يجب أن يكون قادراً على جمع بيانات تدعم أو ترفض هذه الفرضية.

أهمية الفرضيات في البحث

تعد الفرضية بمثابة البوصلة التي توجه عملية البحث. من خلال الفرضية، يتم تحديد المتغيرات الأساسية التي سيتم قياسها، وبالتالي يتم تحديد منهج البحث وأساليب جمع البيانات. علاوة على ذلك، تساهم الفرضية في تحديد التوجه النظري للدراسة، وتساعد في تقديم تفسير مؤقت للظواهر التي يتم دراستها.

صياغة الفرضيات بشكل صحيح

لتكون الفرضية دقيقة وفعالة، يجب أن تكون واضحة ومحددة. ينبغي للباحث أن يحدد المتغيرات التي سيدرسها، ويجب أن تكون الفرضية قابلة للاختبار باستخدام البيانات. كما يمكن صياغة الفرضية على شكل علاقة بين متغيرين أو أكثر، مثل “كلما زاد الدعم الاجتماعي للأفراد في مرحلة الانتقال من المدرسة إلى العمل، كلما زادت فرص نجاحهم في إيجاد وظائف مستقرة”.

3. اختيار المنهجية المناسبة

المنهجية هي الأداة التي يعتمد عليها الباحث في جمع وتحليل البيانات. في الخدمة الاجتماعية، تتنوع المنهجيات المستخدمة حسب طبيعة البحث والموضوع المطروح. يمكن استخدام المنهج الكمي أو النوعي أو المنهج المختلط، ويعتمد الاختيار على طبيعة المشكلة وفرضيات البحث.

المنهج الكمي

المنهج الكمي يعتمد على جمع البيانات التي يمكن قياسها عدديًا وتحليلها باستخدام أساليب إحصائية. ويستخدم هذا المنهج بشكل خاص في الدراسات التي تسعى لقياس ظواهر اجتماعية قابلة للتكميم مثل معدلات الجريمة أو مستويات التعليم في فئات عمرية معينة. يعتمد المنهج الكمي على أدوات مثل الاستبيانات، والمقاييس، والتحليل الإحصائي.

المنهج النوعي

أما المنهج النوعي فيتعلق بدراسة الظواهر الاجتماعية بشكل أكثر عمقًا، حيث يركز على فهم تجارب الأفراد وأفكارهم ومشاعرهم. يستخدم هذا المنهج بشكل خاص في الحالات التي تتطلب دراسة سلوكيات الأفراد في سياقات اجتماعية معينة، مثل دراسة تأثير الفقر على الصحة النفسية. يتم جمع البيانات في المنهج النوعي من خلال المقابلات الشخصية، والمجموعات المركزة، والملاحظة المباشرة.

المنهج المختلط

يعتبر المنهج المختلط مزيجًا من المنهج الكمي والنوعي، ويستخدم في حالات البحث التي تتطلب تحليلًا عميقًا للظواهر الاجتماعية مع الحصول على بيانات كمية داعمة. يتيح هذا المنهج للباحث أن يجمع بين دقة القياس الكمي والغنى التفصيلي للبيانات النوعية.

4. جمع البيانات

جمع البيانات هو خطوة أساسية في أي بحث علمي، حيث يعتمد نجاح البحث على دقة وصحة البيانات التي يتم جمعها. في الخدمة الاجتماعية، تتم عملية جمع البيانات باستخدام أدوات متعددة تتراوح من الاستبيانات إلى المقابلات الشخصية والملاحظات الميدانية.

طرق جمع البيانات

• الاستبيانات: تعد من أشهر أدوات جمع البيانات الكمية، حيث يتم توزيع استبيانات على عينة من الأشخاص المرتبطين بالقضية الاجتماعية المدروسة.

• المقابلات الشخصية: تعتبر المقابلات أداة جمع بيانات نوعية، حيث يمكن للباحث التفاعل مع المشاركين بشكل مباشر لفهم تجاربهم ومشاعرهم.

• الملاحظة المباشرة: في بعض الحالات، يتم جمع البيانات من خلال ملاحظة سلوكيات الأفراد في بيئاتهم الطبيعية، مثل مراقبة كيفية تفاعل الأفراد في بيئات العمل أو المدارس.

5. تحليل البيانات

بعد جمع البيانات، تأتي مرحلة تحليلها. يتضمن تحليل البيانات تفسير المعلومات التي تم جمعها، وتحويلها إلى استنتاجات علمية ذات معنى. في البحث الكمي، يتم استخدام الأدوات الإحصائية مثل تحليل التباين والانحدار لفحص العلاقات بين المتغيرات. أما في البحث النوعي، فيتم تحليل البيانات باستخدام أساليب مثل التحليل الموضوعي أو تحليل محتوى النصوص.

أهمية تحليل البيانات

من خلال تحليل البيانات، يتمكن الباحث من اختبار الفرضيات التي تم وضعها مسبقًا. كما أن تحليل البيانات يسهم في تقديم تفسير منطقي للظواهر الاجتماعية المدروسة، مما يؤدي إلى الوصول إلى استنتاجات قابلة للاستخدام في تطوير الممارسات المهنية في مجال الخدمة الاجتماعية.

6. استخلاص النتائج والتفسير

المرحلة الأخيرة في أي بحث علمي هي استخلاص النتائج وتفسيرها. في هذه المرحلة، يقوم الباحث بتحليل النتائج المستخلصة من البيانات وفقًا للفرضيات التي تم وضعها مسبقًا، ويستخلص منها استنتاجات تساهم في الإجابة على سؤال البحث.

تفسير النتائج

يتطلب تفسير النتائج أن يكون الباحث قادرًا على ربط البيانات التي تم جمعها بالظواهر الاجتماعية التي يتم دراستها. يمكن للباحث أن يقدم توصيات بناءً على النتائج التي تم التوصل إليها، ويجب أن تكون هذه التوصيات قابلة للتطبيق في الممارسات المهنية في مجال الخدمة الاجتماعية.

التوصيات

تتمثل إحدى نتائج البحث في تقديم توصيات واضحة وفعالة لتحسين الخدمات الاجتماعية. على سبيل المثال، قد يوصي الباحث بتعديل سياسات التدخل الاجتماعي بناءً على النتائج التي توصل إليها حول تأثير الدعم النفسي على إعادة التأهيل الاجتماعي.

الخلاصة

البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية هو عملية منهجية معقدة تتطلب تطبيق مجموعة من الخطوات المتكاملة. من تحديد المشكلة وصياغة الفرضيات، وصولاً إلى جمع وتحليل البيانات واستخلاص النتائج، تتنوع الطرق والأساليب المستخدمة وفقًا لمتطلبات البحث وطبيعته. إن التزام الباحث باتباع هذه الخطوات بشكل دقيق يضمن أن تكون النتائج ذات قيمة علمية وعملية تسهم في تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية وتعزيز الرفاه الاجتماعي.