خطر الشيشة وتأثيرها على الصحة العامة

تُعتبر الشيشة، المعروفة أيضًا بالنارجيلة أو الأرجيلة، واحدة من أكثر وسائل التدخين انتشارًا في العالم العربي والعالم أجمع. رغم أن مظهرها الجذاب وروائحها العطرية قد تدفع البعض للاعتقاد بأنها أقل ضررًا من السجائر، فإن الحقيقة العلمية تؤكد أن تدخين الشيشة يحمل مخاطر صحية جسيمة تعادل أو تفوق أضرار التدخين التقليدي. هذا المقال يستعرض بشكل مفصل أخطار الشيشة من الناحية الصحية، ويبين تأثيرها المباشر وغير المباشر على الفرد والمجتمع.

مفهوم الشيشة وآلية استخدامها

الشيشة هي جهاز يستخدم لتدخين التبغ المُنقّع والمنكّه بأنواع مختلفة من النكهات، مثل التفاح، العنب، النعناع، وغيرها. يتكون الجهاز من أنبوب مياه يمر من خلاله الدخان الناتج عن احتراق التبغ عبر الماء، حيث يعتقد البعض أن هذا الماء يعمل على تنقية الدخان من المواد الضارة. يتم تسخين التبغ باستخدام فحم يوضع على سطح التبغ، ثم يستنشق المدخن الدخان عبر خرطوم.

على الرغم من الاعتقاد السائد بأن مرور الدخان عبر الماء يقلل من أضراره، فإن الدراسات أثبتت عكس ذلك، حيث أن الدخان المنبعث لا يخلو من السموم والمواد المسرطنة والملوثات الضارة.

المكونات الكيميائية في دخان الشيشة

يدخل دخان الشيشة إلى جسم المدخن مجموعة معقدة من المواد الكيميائية، من بينها:

• النيكوتين: وهو مادة تسبب الإدمان، وتؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي والقلب.

• أول أكسيد الكربون: غاز سام يحد من قدرة الدم على حمل الأكسجين، مما يؤدي إلى تلف الأنسجة وتدهور وظائف القلب والرئة.

• المواد المسرطنة: مثل البنزين، الفورمالديهايد، والنيتروزامينات، التي تزيد من خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان.

• المعادن الثقيلة: كالزرنيخ، الكادميوم، والرصاص، التي تؤدي إلى أضرار بيولوجية خطيرة.

يمر الدخان عبر الماء في الشيشة، لكنه لا يخضع لعملية تنقية حقيقية، بل يتم تبريده فقط، مما يسمح بدخول كميات كبيرة من هذه المواد إلى الرئتين.

مقارنة بين خطر الشيشة والسجائر

يُخطئ كثيرون في تقييم خطر الشيشة بالمقارنة مع السجائر. إذ يظنون أن الشيشة أقل ضررًا لأن الدخان يمر عبر الماء أو لأن استخدامها اجتماعي وممتع. لكن الأبحاث الطبية تؤكد أن جلسة تدخين الشيشة الواحدة يمكن أن تستغرق من 20 إلى 80 دقيقة، وخلال هذه الفترة يستنشق المدخن كمية من الدخان تعادل تدخين عشرات السجائر أو أكثر.

علاوة على ذلك، يحتوي دخان الشيشة على كميات أكبر من أول أكسيد الكربون والمعادن الثقيلة مقارنة بدخان السجائر. لذلك، خطر الإصابة بالأمراض المزمنة الناجمة عن الشيشة لا يقل عن التدخين العادي، بل قد يكون أكبر بسبب مدة التعرض الطويلة.

الآثار الصحية للشيشة

1. الأمراض التنفسية

التدخين بشكل عام، والشيشة بشكل خاص، يسبب أضرارًا بالغة للرئة والجهاز التنفسي. فالشيشة تؤدي إلى التهابات مزمنة في الشعب الهوائية، وانخفاض كفاءة الرئة، وتزيد من خطر الإصابة بالربو وانتفاخ الرئة (الانسداد الرئوي المزمن). كما تؤدي إلى زيادة تراكم المخاط وصعوبة التنفس.

2. أمراض القلب والأوعية الدموية

تحتوي الشيشة على النيكوتين وأول أكسيد الكربون التي تؤثر على صحة القلب. تسبب الشيشة زيادة في ضغط الدم، وتسارع ضربات القلب، وتصلب الشرايين. كما تزيد من احتمالية الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

3. السرطان

يُعد تدخين الشيشة سببًا رئيسيًا لزيادة خطر الإصابة بسرطانات الفم، الحنجرة، الرئة، المعدة، والكلى. المواد المسرطنة الموجودة في دخان الشيشة تخترق أنسجة الجسم وتسبب طفرات في الخلايا، مما يؤدي إلى تطور الأورام الخبيثة.

4. الأمراض الفموية والأسنان

يسبب التدخين بالفم جفاف اللعاب، تسوس الأسنان، التهابات اللثة، وتراجع اللثة، مما يؤدي إلى فقدان الأسنان. بالإضافة إلى ذلك، يزيد التدخين من احتمال الإصابة بسرطان الفم.

5. التأثير على النساء والحمل

تعاني النساء المدخنات بالشيشة من مضاعفات صحية تشمل اضطرابات في الدورة الشهرية، ضعف الخصوبة، وزيادة خطر الإجهاض والولادة المبكرة. كما يؤثر التدخين على الجنين، حيث يُعرضه لخطر نقص الوزن عند الولادة، وتشوهات في النمو.

6. التأثير على المناعة

تؤدي المواد الكيميائية في دخان الشيشة إلى ضعف جهاز المناعة، مما يزيد من تعرض الجسم للعدوى والأمراض المزمنة.

تأثير الشيشة على المحيطين بالمدخن (التدخين السلبي)

يدخل غير المدخنين الذين يتواجدون في مكان تدخين الشيشة في خطر استنشاق الدخان السام، الذي يحتوي على نفس المركبات الضارة التي يستنشقها المدخن مباشرةً. هذا التدخين السلبي يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، الرئة، والسرطان، خاصةً بين الأطفال والنساء الحوامل.

التأثير النفسي والاجتماعي للشيشة

إلى جانب الأضرار الصحية، تشكل الشيشة ظاهرة اجتماعية تؤثر على سلوك الأفراد والمجتمعات. قد تؤدي إلى زيادة معدلات الإدمان على النيكوتين، وخصوصًا بين الشباب والمراهقين، بسبب البيئة الاجتماعية التي تروج لاستخدامها. كما يمكن أن تؤدي إلى تقليل التركيز في العمل أو الدراسة، وزيادة الإنفاق المالي على منتجات التبغ.

الشيشة والإدمان على النيكوتين

النيكوتين مادة تسبب الإدمان بشدة، والشيشة تحتوي على نسب كبيرة منها. يُحدث النيكوتين تغييرات في الدماغ تؤدي إلى الاعتماد الجسدي والنفسي، مما يصعب عملية الإقلاع عن التدخين. يُعتبر الإدمان على الشيشة من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة وتدهور الحالة الصحية بشكل عام.

دراسات علمية حول خطر الشيشة

أظهرت العديد من الدراسات الحديثة أن جلسة تدخين الشيشة الواحدة يمكن أن تعرض المدخن إلى كميات من السموم تعادل تدخين عدة علب سجائر. كما أظهرت الدراسات أن مستخدمي الشيشة لديهم احتمالية أعلى للإصابة بأمراض القلب والسرطان وأمراض الرئة المزمنة مقارنة بغير المدخنين.

في دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية، أشارت إلى أن خطر الإصابة بسرطان الرئة بين مدخني الشيشة يعادل أو يتجاوز ذلك لدى مدخني السجائر. كما حذرت الدراسة من الاعتقاد الخاطئ بأن مرور الدخان عبر الماء يقلل من أضراره.

طرق الوقاية والتوعية من خطر الشيشة

تشكل التوعية الصحيحة عن مخاطر الشيشة الخطوة الأولى للحد من انتشار استخدامها. يجب أن تشمل الحملات التوعوية نشر المعلومات العلمية الصحيحة، التركيز على أضرار الشيشة الصحية، والابتعاد عن المفاهيم الخاطئة التي تروج لها بعض المجتمعات.

أيضًا، ينبغي تعزيز القوانين التي تحد من استخدام الشيشة في الأماكن العامة، وفرض الضرائب على منتجات التبغ للحد من استخدامها، خاصة بين الشباب. وتوفير برامج الدعم والإرشاد للإقلاع عن التدخين سواء السجائر أو الشيشة، لما لذلك من أثر مباشر في تحسين صحة الأفراد والمجتمع.

جدول مقارنة أضرار الشيشة والسجائر

خاتمة

الشيشة ليست مجرد عادة اجتماعية أو وسيلة ترفيهية بريئة، بل هي مصدر خطير للمواد السامة التي تؤثر على صحة الفرد والمجتمع على حد سواء. الأضرار الصحية الناجمة عن الشيشة تشمل الأمراض التنفسية، أمراض القلب، السرطان، وأمراض الفم، إضافة إلى تأثيرها السلبي على النساء والحوامل والأطفال. الإدمان على النيكوتين من خلال الشيشة يمثل تحديًا صحيًا خطيرًا يتطلب وعيًا جماعيًا وجهودًا حكومية لتعزيز التوعية والحد من انتشارها، وفرض الضوابط والقوانين التي تحمي الصحة العامة.

المراجع:

• منظمة الصحة العالمية. “الشيشة والتبغ: خطر الإدمان والأمراض”. WHO, 2020.

• مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). “تأثيرات التدخين والشيشة على الصحة”. CDC, 2021.