خطر الإفراط في شرب الماء للحامل

خطر الإفراط في شرب الماء على الحامل: بين الاعتدال والتهديد الصحي

تُعد مرحلة الحمل من أكثر الفترات حساسية في حياة المرأة، حيث تتطلب متابعة دقيقة للعادات الغذائية والسلوكية التي قد تؤثر على صحة الأم والجنين معاً. ومن بين العادات التي كثيراً ما يُنصح بها هي شرب كميات كافية من الماء، لما له من فوائد في دعم الوظائف الحيوية، وتسهيل الهضم، وتحسين الدورة الدموية. ومع ذلك، فإن هذه التوصيات غالباً ما تُساء فهمها، مما يدفع بعض النساء إلى الإفراط في شرب الماء، معتقدات أن “كلما زادت كمية الماء، كانت الفوائد أعظم”. لكن الحقيقة العلمية تُظهر عكس ذلك، إذ أن الإفراط في شرب الماء، أو ما يُعرف بالتسمم المائي، قد يُشكل تهديداً حقيقياً لصحة الحامل وجنينها إذا لم يُراعَ التوازن الدقيق المطلوب.

مفهوم التسمم المائي وأسبابه لدى الحوامل

التسمم المائي هو اضطراب يحدث نتيجة تناول كميات مفرطة من الماء تفوق قدرة الكليتين على التخلص منها، ما يؤدي إلى انخفاض تركيز الصوديوم في الدم (Hyponatremia). وبما أن الحمل يغيّر من وظيفة الكلى وحجم البلازما في الجسم، فإن النساء الحوامل أكثر عرضة لاختلال التوازنات الكهرلية عند تناول كميات غير معتدلة من السوائل.

في الوضع الطبيعي، تستطيع الكليتان التخلص من 0.8 إلى 1.0 لتر من الماء في الساعة، وعندما يتم تجاوز هذا الحد، يُخزن الماء الزائد داخل الخلايا، مما يُسبب تضخمها. وفي حالة الدماغ، فإن هذا التضخم قد يكون قاتلاً، خصوصاً إذا ترافقت الحالة مع اضطراب في الصوديوم.

التغيرات الفسيولوجية في الحمل وتأثيرها على توازن السوائل

خلال الحمل، يحدث توسع في حجم الدم بنسبة قد تصل إلى 50%، وتزداد نسبة الماء في الجسم لتلبية احتياجات الجنين والمشيمة والسائل الأمنيوسي. كما أن الكلى تعمل بكفاءة أعلى من المعتاد للتخلص من الفضلات والاحتفاظ بتوازن الكهارل. غير أن هذه الكفاءة لا تعني أنها قادرة على معالجة كميات غير محدودة من الماء. الإفراط في الشرب قد يؤدي إلى إرهاق الكليتين، ويُحدث خللاً في الكهارل الحيوية مثل الصوديوم والبوتاسيوم، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفات على المستويات العصبية والعضلية.

الأعراض السريرية للتسمم المائي عند الحامل

في حال حدوث التسمم المائي، تظهر على الحامل مجموعة من الأعراض التي قد تتفاوت في شدتها تبعًا لكمية الماء المُستهلكة، ومن أبرز هذه الأعراض:

• الغثيان والقيء

• الصداع والدوخة

• التشوش الذهني وتغير مستوى الوعي

• التشنجات العضلية

• انتفاخ الأطراف

• تقلصات عضلية لا إرادية

• نوبات تشنجية شديدة (في الحالات المتقدمة)

• هبوط ضغط الدم بسبب الخلل الكهرلي

وفي الحالات الخطيرة، قد تتطور هذه الأعراض إلى وذمة دماغية، أو حتى غيبوبة، مما يستدعي التدخل الطبي العاجل.

التأثيرات المحتملة على الجنين

أي خلل يحدث في جسم الأم أثناء الحمل يمكن أن يمتد أثره إلى الجنين. فعندما تنخفض مستويات الصوديوم في الدم بشكل حاد نتيجة التسمم المائي، يحدث اضطراب في نقل العناصر الغذائية والأكسجين عبر المشيمة. كما أن الإفراط في شرب الماء قد يُسبب تغيّرًا في التوازن الحمضي القاعدي داخل الرحم، مما قد يؤثر على نمو الجنين العصبي، ويزيد من احتمالية حدوث مضاعفات الولادة المبكرة أو انخفاض الوزن عند الولادة.

التوصيات الطبية لشرب الماء أثناء الحمل

العديد من المؤسسات الصحية العالمية، مثل الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG)، توصي النساء الحوامل بشرب حوالي 2.3 إلى 3.0 لتر من السوائل يومياً، تشمل جميع أنواع السوائل (ماء، عصائر طبيعية، شاي أعشاب خفيف، شوربة، إلخ). إلا أن هذه الكمية ليست ثابتة لجميع الحوامل، بل تتأثر بعوامل عدة، منها:

• مستوى النشاط البدني

• البيئة المناخية (حرارة الجو)

• مرحلة الحمل

• الوزن قبل الحمل

• وجود أمراض مزمنة (مثل السكري أو أمراض الكلى)

يُفضل دائماً أن يتم شرب الماء بشكل متوازن على مدار اليوم، وليس دفعة واحدة، وأن يتم الاستماع إلى إشارات الجسم، مثل الشعور بالعطش أو جفاف الفم، كأدلة على الحاجة إلى الماء، دون الاعتماد فقط على حساب الكمية باللترات.

الجدول التالي يوضح الفرق بين التوازن والتركيز الزائد للماء في الجسم وتأثيره على الحامل:

الفئات الأكثر عرضة للتسمم المائي أثناء الحمل

• النساء اللواتي يتبعن نصائح خاطئة لشرب كميات “كبيرة” من الماء من أجل الوقاية من احتباس السوائل

• الحوامل المصابات باضطرابات في عمل الكلى

• اللواتي يُعانين من اضطرابات هرمونية تؤثر على إفرازات الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH)

• الحوامل اللواتي يتناولن أدوية مدرة للبول أو مضادات الاكتئاب من نوع SSRI التي قد تؤثر على توازن الصوديوم

أهمية المراقبة الطبية والمتابعة الغذائية

من الضروري أن تكون هناك متابعة دقيقة من قبل الطبيب المختص وأخصائي التغذية لتقييم حالة الأم طوال فترة الحمل. يجب أن يتم تحديد خطة غذائية وسوائل مناسبة بناءً على التحاليل الدورية التي تشمل:

• فحص تركيز الصوديوم والبوتاسيوم في الدم

• وظائف الكلى والكبد

• تقييم علامات التورم أو احتباس السوائل

• متابعة معدل زيادة الوزن خلال الحمل

هذا النوع من المراقبة الدقيقة يمكنه التنبؤ بأي خلل مبكرًا والتدخل قبل تفاقم الأعراض.

دور التوعية الصحية وتصحيح المفاهيم الخاطئة

من الأخطاء الشائعة التي تقع فيها بعض الحوامل، الاعتماد على المعلومات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أو النصائح غير الطبية من الأقارب، التي تحث على شرب كميات كبيرة من الماء دون اعتبار للفروق الفردية أو الحالة الصحية. لذلك، فإن دور التثقيف الصحي الذي يُقدمه الطبيب أو أخصائي التوليد والتغذية لا غنى عنه.

التوعية يجب أن تشمل تعليم الحامل كيفية ملاحظة مؤشرات احتياج الجسم للماء، وفهم الفرق بين الترطيب الصحي والتسمم المائي، مع ضرورة تجنب شرب الماء القسري دون عطش، أو خلال وقت قصير بكميات كبيرة.

الختام: الاعتدال أساس السلامة

الماء بلا شك عنصر أساسي للحياة، لكنه كسائر العناصر، قد يتحول إلى مصدر ضرر إذا تم تناوله بطرق غير صحيحة أو بكميات مفرطة. في الحمل، حيث تكون صحة الأم والجنين على المحك، فإن التوازن والاعتدال يُشكلان القاعدة الذهبية. الحفاظ على الترطيب لا يعني الإغراق، بل يعني الإصغاء لحاجات الجسم، والاعتماد على التوصيات الطبية الفردية.

المراجع

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG): Hydration and Pregnancy Guidelines.

2. Mayo Clinic: Water intoxication – Causes, symptoms, and prevention.