خطر الأعشاب في الطب البديل

يُعد الطب البديل، وبشكل خاص “طب الأعشاب”، من أكثر الممارسات شيوعاً في المجتمعات العربية والعالمية، حيث يُنظر إليه من قبل الكثيرين على أنه خيار طبيعي وآمن بعيداً عن الأدوية الكيميائية. يستند هذا النوع من الطب إلى استخدام النباتات ومشتقاتها لعلاج الأمراض أو تعزيز الصحة العامة، وهو امتداد لتقاليد شعبية ضاربة في الجذور، تعود إلى آلاف السنين. لكن في الوقت الذي يكتسب فيه هذا النمط من الرعاية الصحية شهرة متزايدة، تظهر تساؤلات جوهرية حول مدى سلامته ومدى اعتماديته، إذ إن الاستهلاك غير المنظم أو المفرط لبعض الأعشاب قد يؤدي إلى آثار جانبية جسيمة، بل قد يتسبب في حالات تسمم أو تداخلات دوائية خطيرة.

المفهوم العام للطب البديل بالأعشاب

طب الأعشاب هو فرع من فروع الطب البديل الذي يعتمد على المواد الطبيعية المستخلصة من النباتات لعلاج الأمراض أو تحسين وظائف الجسم. وتتنوع طرق استخدام هذه الأعشاب بين الشرب كمغلي، أو الاستنشاق، أو التطبيق الموضعي، أو حتى الإدخال في النظام الغذائي اليومي. وتُستخدم مئات الأنواع من الأعشاب لأغراض صحية شتى، مثل الزنجبيل لعلاج الغثيان، والبابونج كمهدئ، والكركم كمضاد للالتهابات، وغيرها كثير.

ورغم أن لهذه الأعشاب فوائد مثبتة أحياناً عبر التجربة والتقاليد، فإن الكثير منها لم يخضع لأبحاث سريرية كافية من حيث الفاعلية والجرعة والسلامة، ما يطرح إشكاليات أخلاقية وعلمية عند الترويج لاستخدامها بديلاً كاملاً عن الأدوية التقليدية.

مخاطر شائعة نتيجة سوء استخدام الأعشاب

تشير التقارير الطبية الحديثة إلى ارتفاع معدلات حالات التسمم أو التفاعلات العكسية الناتجة عن الأعشاب الطبية، خاصةً عند استخدامها بجرعات كبيرة أو لفترات طويلة. وفيما يلي أبرز المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام الأعشاب:

• تسمم الكبد والكلى: تُعد الكبد والكلى العضوين الرئيسيين في تصفية الجسم من المواد السامة، وبعض الأعشاب مثل الكافا والسنفيتون قد تتسبب في تلف الكبد عند استخدامها بشكل متكرر.

• تداخلات دوائية خطيرة: يمكن أن تتفاعل الأعشاب مع الأدوية الموصوفة وتؤدي إلى تغيّر فعالية العلاج أو زيادة احتمالية حدوث مضاعفات. فمثلاً، نبتة سانت جون تتداخل مع أدوية الاكتئاب ومضادات التخثر.

• التسبب في اضطرابات هرمونية: بعض الأعشاب تحتوي على مركبات نباتية تُشبه في تركيبها الهرمونات البشرية، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في الغدد الصماء، مثل عشبة الكوهوش الأسود التي قد تؤثر على النساء الحوامل أو المصابات بمشاكل هرمونية.

• أخطار على الحمل والرضاعة: لا يُوصى باستخدام كثير من الأعشاب خلال فترة الحمل أو الرضاعة نظراً لاحتمالية تأثيرها على الجنين أو الطفل الرضيع.

غياب المعايير والتنظيم الرقابي

من أبرز تحديات استخدام الأعشاب الطبية هو غياب معايير رقابية موحدة تنظم زراعتها، تصنيعها، وتسويقها. ففي كثير من البلدان، تُباع الأعشاب الطبية في الأسواق أو على الإنترنت دون رقابة صحية صارمة أو توصيف دقيق لمكوناتها. كما أن المنتجات العشبية قد تحتوي على شوائب، أو ملوثات ميكروبية، أو حتى بقايا مبيدات حشرية، ما يزيد من احتمالية الضرر للمستهلك.

كما تختلف تركيزات المواد الفعالة من دفعة لأخرى، بل ومن نبتة لأخرى حسب التربة والمناخ ووقت الحصاد، ما يجعل من الصعب تحديد الجرعة المناسبة أو الآمنة للمريض، على عكس الأدوية التقليدية التي تخضع لاختبارات صارمة قبل طرحها في الأسواق.

الأعشاب الأكثر خطورة على الصحة العامة

فيما يلي جدول يوضح بعض الأعشاب الشائعة التي ترتبط باستخدامها آثار جانبية خطيرة:

سوء الفهم الشعبي وخطر الاستبدال الكامل

لا تزال هناك قناعة منتشرة بين العامة أن “الطبيعي آمن”، وهو مفهوم مضلل عند التعامل مع الأعشاب الطبية، إذ إن الطبيعة نفسها تحتوي على مركبات شديدة السمية. فمثلاً، نبات الداتورا يحتوي على مركبات قاتلة، ورغم ذلك يُستخدم في بعض الثقافات التقليدية لأغراض علاجية. ومن الخطير الاعتماد على تجارب الأفراد أو المعلومات المتداولة على الإنترنت كمرجع للاستخدام، دون الرجوع إلى مختصين في علم الأعشاب أو الطب البديل.

الاعتماد الكامل على الأعشاب دون تشخيص طبي دقيق قد يؤدي إلى تفاقم المرض أو تأخير العلاج المناسب، خاصة في الأمراض المزمنة مثل السكري أو الضغط أو السرطان. فالكثير من المرضى يلجؤون إلى الأعشاب بدافع الخوف من الآثار الجانبية للأدوية الكيميائية أو لأسباب ثقافية، ما قد يتسبب لهم في مضاعفات يصعب تداركها لاحقاً.

الحاجة إلى دمج علمي وليس استبدال عشوائي

إن المسار الأمثل لاستخدام الأعشاب الطبية هو من خلال دمجها في إطار طبي علمي منظم ومبني على الأدلة، وليس كبديل عشوائي للطب التقليدي. وهذا يستلزم:

• دعم الأبحاث السريرية التي تدرس الفوائد الحقيقية والمخاطر المحتملة لكل عشبة.

• إنشاء مؤسسات رقابية تشرف على تصنيع وتسويق المنتجات العشبية.

• تدريب الأطباء والصيادلة على كيفية التعامل مع المكملات العشبية وتوجيه المرضى بشأن استخدامها.

• توعية الجمهور حول أهمية الاستشارة الطبية قبل استخدام الأعشاب، حتى لو كانت “طبيعية”.

توصيات المنظمات الصحية العالمية

تحذر منظمة الصحة العالمية WHO وهيئات الدواء الأوروبية والأمريكية (FDA, EMA) من استخدام الأعشاب دون رقابة، وتوصي بعدم استبدال الأدوية الموصوفة بمنتجات عشبية دون موافقة الطبيب. كما تدعو إلى تعزيز الوعي العام بالسلامة الدوائية والتفاعلات المحتملة بين الأعشاب والأدوية.

دور الإعلام والمجتمع في توجيه السلوك الصحي

يلعب الإعلام دوراً محورياً في تكوين المفاهيم العامة حول الطب البديل، ومن الضروري أن يتحلى الإعلاميون بالمسؤولية عند التطرق إلى هذا الموضوع، وذلك بالاستعانة بمصادر علمية موثوقة وعدم الترويج للأعشاب على أنها علاجات معجزة دون أدلة موثقة. كما أن للمجتمع المدني، خاصة جمعيات حماية المستهلك، دور أساسي في نشر الوعي وتنظيم ورش توعوية حول مخاطر سوء استخدام الأعشاب.

خاتمة

إن الأعشاب الطبية قد تكون مفيدة إذا استُخدمت بشكل مدروس وتحت إشراف متخصصين، لكنها قد تتحول إلى سلاح خطير يهدد الصحة العامة إذا أُسيء استخدامها. وبينما يجب احترام الطب التقليدي وتاريخ الأعشاب، من الضروري التعامل معها بمنظور علمي، حفاظاً على السلامة الفردية والعامة، وتحقيقاً لتكامل صحي حقيقي بين مختلف أنماط العلاج.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – Traditional Medicine Strategy 2014-2023.

2. U.S. Food & Drug Administration (FDA) – Herbal Supplements and Remedies.

3. European Medicines Agency (EMA) – Herbal medicinal products guidelines.

4. Mayo Clinic – Herbal medicine: Is it safe?

5. National Institutes of Health (NIH) – National Center for Complementary and Integrative Health.