تعرفي على حقيقة شخصيتك مع هذا الاختبار: هل أنتِ مترددة؟

في عالم معقد يتطلب منا اتخاذ قرارات يومية تتفاوت بين البسيطة والمصيرية، برزت أهمية الفهم العميق لأنماط الشخصية والسلوكيات النفسية التي تحدد طريقة تعاملنا مع الخيارات المختلفة. واحدة من أبرز الصفات التي تلعب دوراً محورياً في هذا السياق هي “التردد”. التردد ليس مجرد صفة عابرة أو عيباً سلوكياً بسيطاً، بل هو نمط نفسي قد يعكس صراعات داخلية معقدة، نشوء اجتماعي، أو تجارب سابقة مؤلمة.

في هذا المقال، سنقوم بتحليل علمي وشامل لصفة التردد: أسبابها، مظاهرها، تأثيراتها النفسية والاجتماعية، وطرق كشفها من خلال اختبار الشخصية. وسنستعرض نمط الشخصية المترددة من منظور علم النفس، علم الأعصاب، وعلم الاجتماع، مع تقديم إطار نظري يساعد على فهم الذات بشكل أعمق، ويحفز على النمو الشخصي وتحقيق التوازن في اتخاذ القرارات.

ما هو التردد من منظور علم النفس؟

التردد (Indecisiveness) هو حالة نفسية تتمثل في الصعوبة في اتخاذ القرار حتى في المسائل اليومية، أو استغراق وقت طويل لاتخاذ قرارات تتطلب حسماً. ووفقاً لجمعية علم النفس الأمريكية (APA)، فإن التردد يُعد عرضاً نفسياً قد يرتبط بسمات شخصية مثل العصابية، أو باضطرابات معرفية وسلوكية مثل القلق العام أو الاكتئاب.

التردد لا يعني بالضرورة ضعف في الذكاء أو قلة المعرفة، بل يعكس غالباً صراعاً داخلياً بين عدة قيم أو مخاوف. هذا الصراع قد ينتج عن:

• الخوف من الفشل

• تجارب سابقة مؤلمة أو مشاعر الذنب

• القلق المفرط بشأن آراء الآخرين

• الكمالية (Perfectionism)، حيث يصبح القرار غير مكتمل ما لم يكن مثالياً

الأسباب النفسية والاجتماعية لظهور التردد

1. البيئة الأسرية

التربية الصارمة أو النقد المستمر في مرحلة الطفولة قد يزرع في النفس الخوف من اتخاذ قرارات خاطئة. الطفل الذي يُمنع من اتخاذ أبسط الخيارات أو يُعاقب إن أخطأ، غالباً ما ينمو ليصبح راشداً يعاني من التردد.

2. التأثير الثقافي والمجتمعي

في بعض المجتمعات، تُزرع مفاهيم الطاعة المطلقة والتبعية في نفوس الأفراد منذ الطفولة، ما يُقلّص من قدرتهم على اتخاذ قرارات مستقلة. المرأة على وجه الخصوص قد تواجه قيوداً ثقافية تشكّك في كفاءتها في اتخاذ قرارات حاسمة، ما يجعلها أكثر عرضة للتردد.

3. العوامل البيولوجية

تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أن منطقة القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex) في الدماغ هي المسؤولة عن التخطيط واتخاذ القرارات. ضعف النشاط في هذه المنطقة بسبب اضطرابات مثل القلق أو الاكتئاب قد يؤدي إلى صعوبة في حسم الأمور.

سمات الشخصية المترددة

الشخص المتردد لا يتسم فقط بعدم القدرة على اتخاذ قرار، بل يمتلك مجموعة من السمات السلوكية والعاطفية، منها:

كيف يمكن للاختبارات النفسية أن تكشف التردد؟

الاختبارات النفسية هي أدوات تحليل علمية تستخدم لفهم أنماط التفكير والسلوك، وقد صممت اختبارات عديدة للكشف عن صفة التردد وتحديد شدتها. بعض هذه الاختبارات تكون قائمة على مواقف افتراضية تتطلب اتخاذ قرارات، فيما تعتمد أخرى على استبيانات تقييم الذات.

من أشهر هذه الأدوات:

• مقياس التردد العام (General Indecisiveness Scale) الذي طُور لقياس مدى ميل الفرد إلى التردد في المواقف اليومية.

• اختبارات الشخصية من نوع MBTI، حيث ترتبط بعض الأنماط مثل INFP وISFJ بسمات التفكير العميق والتردد.

الاختبار الذي يساعد المرأة في هذا السياق عادة ما يتضمن مواقف من الحياة اليومية (شراء، علاقات، عمل…) ويطلب منها الاختيار بين خيارات متقاربة. بناءً على إجاباتها، يتم تحليل مدى ثقتها بنفسها، اعتمادها على الذات، وميولها إلى التحليل الزائد أو التأجيل.

التردد وعلاقته بثقة المرأة بنفسها

التردد عند النساء لا يُعزى بالضرورة إلى ضعف في الشخصية، بل إلى عوامل تربوية واجتماعية ونفسية عميقة. المرأة المترددة غالباً ما تكون حساسة، مفكرة، وتبحث عن الكمال، ما يجعلها تتروى كثيراً قبل اتخاذ القرارات. ولكن عندما يتجاوز هذا التروّي حدوده الطبيعية، يتحول إلى عائق أمام الاستقلالية والنمو.

الثقة بالنفس ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة الفرد على اتخاذ قرارات حاسمة دون الاعتماد المستمر على آراء الآخرين. وكلما زادت قدرة المرأة على تقبل الأخطاء والتعلم منها، زادت ثقتها بقدرتها على اتخاذ القرارات، وانخفض مستوى التردد.

الآثار النفسية والاجتماعية للتردد المزمن

التردد لا يؤثر فقط على الفرد بل يمتد تأثيره إلى العلاقات الاجتماعية والمهنية. في الحالات المزمنة، يمكن أن يؤدي إلى:

• الإجهاد الذهني: بسبب التفكير المفرط والتردد المستمر

• فقدان الفرص: بسبب التأجيل المستمر والتراجع عن القرارات

• الاعتمادية المفرطة: الاعتماد على الآخرين في اتخاذ قرارات شخصية

• الإصابة باضطرابات القلق: نتيجة تراكم الضغوط النفسية

• تراجع الأداء المهني أو الأكاديمي: بسبب التردد في المبادرة أو الحسم في المهام

استراتيجيات مواجهة التردد وتجاوز آثاره

علم النفس السلوكي والمعرفي قدّم عدداً من الأساليب الفعالة لتجاوز التردد المزمن، ومنها:

1. التدريب على اتخاذ القرارات الصغيرة

البدء بقرارات بسيطة (اختيار وجبة، لبس، خطة يومية) يمنح الشخص شعوراً تدريجياً بالكفاءة والثقة.

2. تقنية “الحد الزمني”

وضع حد زمني لاتخاذ القرار (مثلاً: 10 دقائق للتفكير ثم اتخاذ القرار) يساعد في كسر دائرة التحليل المفرط.

3. مراجعة التجارب السابقة

كتابة وتقييم نتائج القرارات السابقة يمكن أن يساعد في ملاحظة أن الكثير من القرارات لم تكن كارثية كما كان متوقعاً.

4. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

هذا النوع من العلاج يركز على تحديد أنماط التفكير السلبية المرتبطة بالخوف من اتخاذ القرار، واستبدالها بأفكار أكثر واقعية ومرونة.

التردد كجزء من نمط الشخصية لا كخلل

من المهم التفريق بين التردد كصفة شخصية معتدلة، وبين التردد كحالة مزمنة تعيق التفاعل الطبيعي. في بعض الأحيان، يكون التردد دليلاً على الحساسية والتفكير العميق، وهما ميزتان يمكن توظيفهما بإيجابية في مواقف الحياة. ولذلك، ليس الهدف القضاء على التردد كلياً، بل التوازن بين التأني والحسم.

التردد من منظور علم الأعصاب والسلوك المعرفي

الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب أظهرت أن التردد يرتبط بعدم التوازن في نشاط الدماغ بين منطقتي اللوزة الدماغية (Amygdala)، المسؤولة عن الاستجابة العاطفية، والقشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex)، المسؤولة عن اتخاذ القرار المنطقي. الأشخاص المترددون غالباً ما يعانون من نشاط مفرط في اللوزة، ما يزيد من الخوف والقلق، ويُضعف القدرة على الحسم.

في الوقت نفسه، تُظهر دراسات في علم السلوك أن الأشخاص الذين يعتادون على التردد غالباً ما يتبنون آلية تسمى “التجنب المعرفي”، وهي محاولة مستمرة لتفادي الخيارات الصعبة لتقليل القلق. لكن هذا النمط يؤدي إلى ضعف مرونة التفكير، ويجعل الشخص أسيراً لمخاوفه بدلاً من أن يكون قائداً لقراراته.

خلاصة تحليل الشخصية المترددة من خلال الاختبار

الاختبارات النفسية المصممة لاكتشاف التردد ليست وسيلة حكم نهائي، بل أداة ومرآة تساعد على رؤية الذات بوضوح. من خلال تحليل الإجابات والسلوكيات المصاحبة، يمكن الوصول إلى فهم عميق لنقاط القوة ونقاط الضعف.

الشخصية المترددة لا تحتاج إلى “تغيير جذري”، بل إلى وعي ذاتي أعلى، وتمارين سلوكية صغيرة، ودعم بيئي مشجع. وبدلاً من اعتبار التردد عيباً، يمكن اعتباره نداءً داخلياً للمزيد من التوازن، الثقة، والتواصل الإيجابي مع الذات.

المراجع

1. American Psychological Association. (2021). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5).

2. Schwartz, B. (2004). The Paradox of Choice: Why More is Less. Harper Perennial.