ساندت السيدة خديجة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته بأدوار عظيمة ومؤثرة، أثبتت من خلالها إخلاصها ووفاءها لله ولرسوله، وكان لها دور محوري في نشر الإسلام وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة شديدة الضعف والصعوبة في تاريخ الدعوة الإسلامية.
في هذه المقالة، سنتناول بالتفصيل كيف ساندت السيدة خديجة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته المباركة، من خلال الدعم النفسي، المادي، الاجتماعي والديني، وكيف كانت أول من آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ووقفت إلى جانبه في أوقات الشدة، مما ساعد في استمرار الدعوة رغم كل التحديات والصعاب.
أول من آمنت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي أول من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم من النساء، وقد كان ذلك قبل أي شخص آخر، حتى قبل أن يُؤمن أقرب الناس إليه. فحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة بعد أن نزل عليه الوحي في غار حراء، وكان في حالة من الفزع والحيرة، لأنها أول مرة يشعر بهذه التجربة العظيمة، فاحتضنته وأخذت تطمئنه وتدعمه. وقالت له كلمات لا تقدر بثمن في تلك اللحظات، حيث قالت له: “لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتُعين على نوائب الدهر، وتُقرئ الضيف، وتُكسب المعدوم، وتُعين على نوائب الحق”.
بهذه الكلمات، كانت خديجة رضي الله عنها تؤكد للنبي صلى الله عليه وسلم أن ما يراه ليس شيئًا غريبًا أو شيطانيًا، بل هو أمر من الله، ومن خلال هذه الثقة الكبيرة التي أظهرتها، أصبحت أول من تبعت النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته. وقد كان لذلك أثر بالغ في نفس النبي صلى الله عليه وسلم في وقت كان يعاني فيه من الحيرة والخوف بعد أول لقاء مع الوحي.
دعمها النفسي
بعد أن بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالة الله، كانت خديجة رضي الله عنها أول من قدم له الدعم النفسي والمعنوي. كانت تسانده في كل لحظة، وتواسيه في أوقات الألم والحزن، وكان حضورها إلى جانبه له أثر بالغ في تقديم الراحة له في أوقات الشدة. في وقت كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم يواجه العداء من قريش، كانت خديجة تواسيه وتحفزه، وتؤكد له أن دعوته حق وأن الله معه.
وكانت تحرص على طمأنته بأن الله لن يتركه أبدًا، لأن ما يقوم به هو أمر عظيم ينقلب لصالح الإنسانية في المستقبل. وكانت خديجة رضي الله عنها تراقب المواقف التي يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم، وتبدي الاهتمام الكامل بما يمر به. وحتى في الأوقات التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بالوحدة أو الإحباط، كانت خديجة هي الرفيقة التي لا تمل من تقديم الدعم والتشجيع.
دعمها المادي
من المعروف أن الدعوة الإسلامية في بداياتها كانت تواجه صعوبات اقتصادية، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يواجهون معاناة في الحصول على المأوى والموارد الأساسية. في هذه المرحلة الصعبة، كان الدعم المادي من خديجة رضي الله عنها ضروريًا للغاية. كانت خديجة تملك ثروة طائلة بسبب تجارتها الناجحة، وقد وضعت هذه الثروة في خدمة الدعوة الإسلامية بشكل كامل.
أصبحت خديجة من أولى المتبرعين في تاريخ الإسلام، وكان لها الفضل في توفير المال والموارد اللازمة لنشر الدعوة. وقد أنفقت من مالها الخاص لتأمين حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانت توظف ثروتها لدعم القضايا العادلة التي تخص الدعوة الإسلامية. وفي وقت الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين في الشِعب، كانت خديجة تساهم في توفير الطعام والشراب والمساعدات، مما ساعد في صمود المسلمين واستمرارهم في مواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها قريش.
وقوفها إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في أشد الأوقات
كانت خديجة رضي الله عنها دائمًا إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات الصراع الشديد. خلال الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين في الشِعب، كانت خديجة تُظهر قوة عزيمتها وصبرها على الرغم من الصعوبات، وكانت تشارك في التخفيف من معاناة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. على الرغم من أن الحصار كان يشمل منع الطعام والشراب عن المسلمين، إلا أن خديجة رضي الله عنها بقيت داعمة بكل ما تملك.
وفي هذا السياق، تظهر شجاعتها ووفاءها للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت مستعدة لتحمل المشاق والآلام من أجل إيمانها برسالته. كما كانت تتحمل فترات طويلة من التضييق الاقتصادي والاجتماعي بكل صبر وثبات، مما منح النبي صلى الله عليه وسلم إيمانًا أكبر برسالته، وكان هذا الدعم لها دور كبير في استمرار الدعوة رغم التحديات.
حصتها في مرحلة الدعوة المبكرة
عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته، كانت خديجة من أول من دافع عن الحق ووقفت ضد أعداء الإسلام. وعندما كانت قريش تهاجم النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، كانت خديجة دائمًا في مقدمة المدافعين عنهم. رغم أنها كانت سيدة نبيلة وثرية في قريش، لم تكن تخشى انتقادات أو تهديدات مجتمع قريش الجاهلي. كما أنها كانت تؤمن بشكل كامل بأن ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم هو أمر حق، حتى في مواجهة جميع التحديات التي كانت تعرض لها الدعوة.
ومن أبرز المواقف التي ساندت فيها خديجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت حينما قامت بإصطحابه إلى ورقة بن نوفل، الذي كان من علماء قريش وصحابي نبؤة التوراة والإنجيل. وكان ورقة بن نوفل هو من أول من أكد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه هو النبي المنتظر، وأنه بالفعل قد جاءه الوحي من الله. كانت خديجة تحمل من الإيمان والثقة في النبي ما جعلها لا تتردد في إرشاده إلى الطريق الصحيح، وتقديم كل المساعدة التي كان في حاجة إليها.
السيدة خديجة ودورها في تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم
كان الدور الأساسي الذي لعبته السيدة خديجة رضي الله عنها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، هو تثبيت قلبه في أوقات الشدة والصعاب. ففي أوقات التنمر والتهديدات التي تعرض لها من قريش، كانت خديجة هي السند الأكبر للنبي، وكانت له مصدرًا ثابتًا للطاقة الإيجابية.
إن موقفها الإيماني وثباتها على الحق كان له دور أساسي في الاستمرار في الدعوة رغم الظروف الصعبة، وهو ما ساعد في وضع الأسس الأولى للانتشار الواسع للإسلام.
الخاتمة
لقد قدمت السيدة خديجة رضي الله عنها مثالاً فريدًا في التضحية والصبر والثبات في الحق، ولا يمكن نسيان تضحياتها العظيمة في بداية الدعوة الإسلامية. وقد كانت لها أدوار لا تحصى في دعم النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، سواءً كان ذلك من خلال تقديم الدعم النفسي، المادي، أو الاجتماعي. ومن خلال مواقفها المخلصة، رسخت السيدة خديجة رضي الله عنها مكانتها في التاريخ الإسلامي كأول داعمة وأكبر مساندة للنبي صلى الله عليه وسلم في مهمته العظيمة.
