ما الذي يحدث لحياتك الرقمية بعد موتك؟
في عصرنا الرقمي الحديث، أصبح وجودنا على الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. فمن الرسائل الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الحسابات المصرفية الإلكترونية وملفات العمل، نحن نعيش جزءًا كبيرًا من حياتنا عبر منصات رقمية. ومع ذلك، فإن السؤال المهم الذي يطرحه الكثيرون هو: “ماذا يحدث لحياتنا الرقمية بعد موتنا؟” هل تظل حساباتنا مفتوحة للأبد؟ أم يتم إغلاقها بشكل تلقائي؟ وما هو تأثير ذلك على أحباءنا؟ في هذا المقال، سنتناول هذا الموضوع المعقد والمهم من جوانب متعددة.
حياة رقمية مليئة بالتفاصيل
منذ العقدين الأخيرين، أصبحت التكنولوجيا الرقمية جزءًا أساسيًا من حياتنا. بدأنا بتخزين الذكريات عبر الصور والفيديوهات، وتبادل المعلومات عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، والتفاعل مع العالم بأسره من خلال الشبكات الرقمية. كل يوم، تزداد البيانات التي ننتجها وتُخزَّن في الفضاء الإلكتروني. وتختلف هذه البيانات من محادثات شخصية على واتساب، إلى صور وتغريدات عبر تويتر، وصولاً إلى حسابات على منصات مثل فيسبوك وإنستجرام ولينكدإن. ومع مرور الوقت، تتشكل حياة رقمية تحتوي على كل ما يتعلق بنا.
ولكن، ماذا يحدث لهذه الحياة الرقمية عند وفاتنا؟ كيف يتم التعامل مع هذه الحسابات التي تحتوي على ذكرياتنا وتفاصيل حياتنا؟ وهل يمكننا التحكم في كيفية إدارة هذه الحسابات بعد موتنا؟
حسابات الموت: ما هي الخيارات المتاحة؟
تختلف السياسات المتبعة من شركة إلى أخرى، ومن منصة إلى أخرى، في كيفية التعامل مع الحسابات الرقمية بعد وفاة الشخص. بينما توفر بعض الشركات خيارات لتحديد ما يحدث لحسابك بعد وفاتك، تظل معظم الشركات تفتقر إلى هذه الخدمات، مما يترك أقارب المتوفى في حيرة من أمرهم.
1. حسابات وسائل التواصل الاجتماعي
توفر العديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستجرام ولينكدإن وأحيانًا تويتر، إمكانية اختيار وضع حسابك على وضع “الذكرى” بعد وفاتك. في حالة فيسبوك، على سبيل المثال، يمكن للمستخدم تحديد شخص موثوق به ليكون “مُنَفِّذ الحساب” بعد وفاته، حيث يتمكن هذا الشخص من إدارة الحساب والتفاعل مع التعليقات التي ترد عليه من الأصدقاء والعائلة. وفي حالة إنستجرام، يمكن لأحد أفراد العائلة طلب تحويل الحساب إلى “حساب تذكاري”.
ومع ذلك، فهناك منصات أخرى لا تقدم هذه الخيارات. في بعض الأحيان، يكون الحل الوحيد هو أن يُبلِّغ أقارب المتوفى المنصة عن وفاته ليتم غلق الحساب. في حالة تويتر، لا توفر المنصة خيارًا لتخزين الحساب بعد الوفاة، ولكن يمكن لأحد أفراد العائلة طلب حذف الحساب بشكل نهائي.
2. البريد الإلكتروني والحسابات المصرفية
من الصعب جدًا السيطرة على البريد الإلكتروني بعد الموت، خصوصًا في حالة غياب ترتيبات قانونية مسبقة. بعض مزودي خدمة البريد الإلكتروني مثل جوجل أو ياهو قد يقدمون خدمات للتحكم في الحسابات بعد الوفاة، ولكن ذلك يتطلب غالبًا معرفة مسبقة وتخطيط قانوني. على سبيل المثال، يمكن لمستخدمي جوجل تعيين “مستفيد” من الحساب، بحيث يتمكن هذا الشخص من الوصول إلى بيانات الحساب في حال وفاة صاحب الحساب. ورغم ذلك، تبقى هذه الخيارات غير شائعة بشكل عام.
أما بالنسبة للحسابات المصرفية، فهي غالبًا ما يتم إغلاقها أو التعامل معها من خلال الإجراءات القانونية بعد الوفاة. في بعض الحالات، قد تكون هناك تفاصيل رقمية تتعلق بالحسابات المصرفية تحتاج إلى تدابير خاصة لضمان أن الأشخاص المعنيين يمكنهم إدارة الأموال بعد الموت.
3. البيانات المخزنة في السحابة الإلكترونية
تُعد الخدمات السحابية مثل جوجل درايف وآبل آي كلاود وأمازون درايف وغيرها، خزائن رقمية للمستندات والصور والملفات المهمة. لكن ماذا يحدث لهذه البيانات بعد وفاة المستخدم؟ من دون تخطيط مسبق أو إعلام للمستفيدين عن كيفية الوصول إلى هذه البيانات، قد تضيع العديد من الذكريات والمستندات القيمة.
وبالرغم من أنه يمكن لبعض الشركات توفير إعدادات قانونية للتعامل مع هذه البيانات بعد الموت، لا تزال العديد من الشركات تتعامل مع هذه المسائل بشكل غير موحد. في بعض الحالات، يمكن أن يحصل الأشخاص المعنيون على إمكانية الوصول إلى الحسابات بعد إثبات وفاة الشخص من خلال التوثيق الرسمي.
القضايا القانونية
تُثير الحياة الرقمية بعد الموت قضايا قانونية معقدة. في العديد من الدول، قد يواجه أفراد الأسرة تحديات قانونية كبيرة للوصول إلى حسابات المتوفى أو لإغلاق الحسابات التي لا يتم استخدامها. قوانين الخصوصية وحقوق البيانات قد تمنع وصول الشخص المعني إلى المعلومات في بعض الحالات. وتختلف القوانين من بلد إلى آخر، مما يعني أن ما يمكن أن يتم في مكان معين قد يكون مستحيلًا في مكان آخر.
إضافة إلى ذلك، لا توجد قوانين واضحة بشكل كافٍ لتنظيم كيفية التعامل مع الحسابات الرقمية بعد الوفاة في العديد من البلدان. في بعض الحالات، يمكن أن تواجه العائلة صعوبة كبيرة في استرجاع الحسابات الرقمية أو تأمين الملفات والبيانات الخاصة بالمتوفى.
حياة رقمية بعد الموت: الأبعاد النفسية والاجتماعية
تؤثر الحياة الرقمية بعد الموت على الأفراد والعائلات من الناحية النفسية والاجتماعية. بالنسبة للبعض، يمكن أن تكون الحسابات الرقمية للمتوفى بمثابة تذكير دائم بالذكريات الجميلة والشخصية التي تمت مشاركتها عبر الإنترنت. في هذه الحالات، قد يرغب الأحباء في الحفاظ على هذه الحسابات وإبقائها نشطة.
من ناحية أخرى، قد يفضل البعض الآخر إغلاق الحسابات الرقمية بعد الوفاة لتجنب حدوث أي تأثير عاطفي سلبي. سواء كانت الذكريات جميلة أو مؤلمة، فإن الحسابات الرقمية تبقى جزءًا من الحياة الشخصية للأفراد، وتستمر في التأثير على أحباء المتوفى بشكل دائم.
الاستعداد لحياة رقمية بعد الموت
نظرًا للتطور السريع للتكنولوجيا وظهور حياتنا الرقمية المتشابكة مع حياتنا الواقعية، يصبح من الضروري التفكير في كيفية إدارة حساباتنا الرقمية بعد الوفاة. قد تكون الأمور أكثر تعقيدًا إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة مسبقًا.
العديد من الأشخاص يتجاهلون فكرة ما سيحدث لحساباتهم الرقمية بعد وفاتهم، ولكن في الواقع، يعد التخطيط لهذه الأمور جزءًا من التخطيط المالي والقانوني. يمكن أن يشمل ذلك تحديد المستفيدين من الحسابات الرقمية وتخزين كلمات السر في مكان آمن أو استخدام خدمات إدارة كلمات السر.
الخلاصة
ما يحدث لحياتنا الرقمية بعد موتنا هو موضوع معقد يطرح أسئلة قانونية ونفسية وفنية. على الرغم من وجود بعض الخيارات المتاحة لتنظيم الحسابات الرقمية بعد الوفاة، إلا أن هذه الخيارات لا تزال محدودة وغير موحدة. ولذا يجب أن يكون لدينا الوعي الكافي للتخطيط لهذه المسائل بشكل مسبق لتجنب المشاكل المستقبلية، ولضمان أن تظل حياتنا الرقمية تحت السيطرة بعد مغادرتنا لهذا العالم.
