تدور رواية “حياة حقيقية” (An Actual Life) للكاتبة أبيجيل توماس حول قصة حياة شابة تدعى فيرجينيا، وهي قصة تبدو عادية لكنها تمثل واقعًا صعبًا ومعقدًا في حياة العديد من الأزواج الشباب في الستينيات. تقع الأحداث في صيف عام 1960، حيث تقيم فيرجينيا وزوجها بادي وابنتهما الصغيرة مادلين في منزل خالة فيرجينيا “العمة دوت” الصغير في نيوجيرسي.
القصة تبدأ بتصوير حياة فيرجينيا وبادي الزوجية، التي تعاني من غياب بادي المتكرر وافتقاره للالتزام تجاه أسرته الصغيرة. بادي، الذي يجب أن يكون في البيت ويقوم بدور الأب والزوج، يبدو أنه يهرب من هذه المسؤوليات بالعمل في طلاء المنازل وحضور دروس المدرسة الصيفية. لكن، في خلفية هذه الأعمال العادية، يتضح أن بادي ربما لا يزال على علاقة قديمة مع صديقته السابقة إيرين، التي تزوجت من صديق طفولته المقرب “تشيك”.
تبدأ هذه الرواية بإظهار كيف أن الزواج بين فيرجينيا وبادي كان نتيجة ضغط المجتمع والتقاليد. ففرجينيا، التي تبلغ من العمر تسعة عشر عامًا، وبادي، الذي لم يتجاوز العشرين، كان عليهما أن يتزوجا بعد أن حملت فيرجينيا بطفلتهما مادلين نتيجة علاقة جنسية حدثت في المرة الأولى التي كانا فيها معًا في غرفة بادي بالكلية. الجامعة التي كانت تدرس فيها فيرجينيا طالبتها بمغادرة الدراسة عندما اكتشفوا خبر حملها، فيما قام أهلها بتنظيم زفاف على مضض، دون حماس أو حب.
الرواية تعكس تحديات الزواج المبكر والظروف التي تفرضها المجتمعات على الشباب في مثل هذه المواقف. من خلال عيون فيرجينيا وصوتها الداخلي الذي يمتاز بالصراحة، نرى كيف أن هذا الزواج المبني على الالتزامات وليس الحب، سرعان ما يكشف عن هشاشته. فكما تقول فيرجينيا: “الآن بعد أن تعرفنا على بعضنا قليلاً، اكتشفنا أننا في الواقع غرباء”. هذا الشعور بالاغتراب يعكس عدم توافر التواصل الحقيقي بين الزوجين، وافتقارهم لفهم متبادل، الأمر الذي يجعل زواجهما متعثرًا وغير مستقر.
الكاتبة توماس تبرز شخصية فيرجينيا بطريقة تجعلها تبدو “شخصية فعلية” أو واقعية للغاية. فيرجينيا لا تعيش حياة مثالية ولا تحظى بزواج مليء بالحب والدعم. إنها فتاة صغيرة تتعامل مع مسؤوليات أكبر من قدرتها على التحمل، ومع ذلك، تمتلك قدرة استثنائية على ملاحظة التفاصيل الصغيرة في حياتها، وتحويل هذه التفاصيل إلى أفكار عميقة ومؤثرة. من خلال عيونها، نرى الشخصيات المحيطة بها – مثل مادلين الصغيرة والعمة دوت وحتى الكلب العجوز الذي يعاني من مشاكل هضمية – كشخصيات حية ومتكاملة تمثل الحياة اليومية بما فيها من بؤس وسخرية.
الرواية لا تدور فقط حول معاناة فيرجينيا من زوجها غير المهتم وافتقارها لأي مستقبل واضح، بل تستكشف أيضًا الحزن والرومانسية البائسة التي تتخلل حياة الأشخاص الذين يعيشون على أحلام الزواج السعيد الذي تم تصوره ولكنه لم يتحقق أبدًا. الحب هنا ليس محورًا أو جزءًا من الحل، بل يبدو كشيء مفقود أو لم يكن موجودًا من البداية. الأسرة الصغيرة تعيش بدون المال، بدون الحب، وبدون رؤية واضحة للمستقبل، وهو ما يجعل القصة مؤلمة في بساطتها.
إلى جانب السرد العاطفي للحياة الزوجية المتعثرة، تقدم الرواية نقدًا غير مباشر للتقاليد الاجتماعية التي كانت تفرض على الشباب الزواج في حالات الحمل غير المخطط له. هناك توتر دائم بين ما كان يجب أن يكون عليه الزواج، وبين الواقع الفعلي الذي يعيشه الزوجان. هذا التوتر يكشف عن الصراع الداخلي الذي تعيشه فيرجينيا، وعن محاولتها لإيجاد معنى أو تفسير لما حدث لحياتها وكيف يمكنها الاستمرار.
تُظهر توماس قدرة كبيرة على المزج بين الفرح والبؤس، بين الكوميديا والتراجيديا في حياة فيرجينيا، مما يجعل “حياة حقيقية” قصة تستحق القراءة لأنها تعكس بصدق كيف يمكن أن تكون الحياة معقدة وغير مثالية، وكيف يمكن للناس أن يجدوا أنفسهم عالقين في مواقف لا يمكنهم الهروب منها بسهولة.