لماذا تحمل الأم طفلها على يدها اليسرى؟ دراسة شاملة حول العوامل النفسية والفسيولوجية والاجتماعية
عندما نلاحظ الأمهات يحملن أطفالهن حديثي الولادة أو حتى الأطفال الصغار، نجد أن الغالبية العظمى منهن يحملن الطفل على اليد اليسرى. هذا التصرف، الذي يبدو في ظاهره مجرد عادة أو أمر عشوائي، له أبعاد علمية ونفسية وعصبية وثقافية يمكن تفسيرها من خلال دراسات متعددة تناولت العلاقة بين الأم وطفلها، وكذلك تأثير الجانب الأيسر من الجسم في سلوكيات الإنسان. هذا المقال يقدم تحليلاً مطولاً وشاملاً لأسباب هذا الميل إلى حمل الطفل باليد اليسرى، مع استعراض للأبعاد المختلفة التي تفسر هذه الظاهرة.
الجانب الأيسر من الجسم ودوره في التواصل العاطفي
إن الإنسان يعبر عن نفسه ويتفاعل مع العالم الخارجي من خلال نظام عصبي معقد يتوزع في الدماغ على شكل نصفي كرة دماغيين (نصف الكرة الأيمن ونصف الكرة الأيسر)، ولكل منهما وظائف مميزة. الجانب الأيسر من الجسم يرتبط غالباً بالنصف الأيمن من الدماغ، وهو الجزء المسؤول عن العمليات العاطفية، والحدس، والخيال، والتواصل غير اللفظي، والمهارات الاجتماعية والعاطفية.
عندما تحمل الأم طفلها على يدها اليسرى، فإنها بذلك تتيح لنصف الكرة الأيمن من دماغها استقبال وفهم الإشارات العاطفية واللمسية من الطفل بشكل أفضل، لأنها تتحكم في الجانب الأيسر من جسمها. هذه الآلية تخلق تواصلاً عاطفياً أعمق وأكثر حساسية بين الأم ورضيعها. الدراسات النفسية العصبية تشير إلى أن هذا النوع من التواصل يساهم في تعزيز روابط الحب والأمان بين الأم والطفل، مما يدعم النمو النفسي والاجتماعي للطفل منذ الأيام الأولى لحياته.
الجانب الأيسر والارتباط بالحاسة اللمسية
الحمل على اليد اليسرى يسمح للأم باستخدام يدها اليمنى بحرية أكبر، وهذه اليد عادة ما تكون اليد السائدة لدى معظم الناس. اليد اليمنى تتيح للأم القيام بالعديد من المهام الأخرى مثل تناول الطعام، التعامل مع الأشياء، أو حتى دعم الطفل إذا أرادت تحريكه أو تهدئته. في نفس الوقت، يكون الطفل مستنداً على الجانب الأيسر من الجسم حيث تتحكم فيه اليد اليسرى التي تتمتع بإحساس عالٍ باللمس والتواصل الحسي.
الحواس اللمسية هي من أهم الحواس التي تؤثر في شعور الطفل بالأمان، حيث أن التلامس الجلدي المباشر مع جلد الأم يفرز هرمونات مثل الأوكسيتوسين، والذي يعزز المشاعر الإيجابية ويخفف من التوتر. الحمل على اليد اليسرى يسهّل هذا التواصل الحسي عبر الجلد بشكل طبيعي، حيث يكون الطفل أقرب إلى قلب الأم، مما يزيد من الإحساس بالأمان والدفء.
الدور التطوري والتاريخي لحمل الطفل على اليد اليسرى
من منظور تطوري، ظهر هذا السلوك ليخدم غرضين أساسيين: حماية الطفل، وتمكين الأم من القيام بمهام أخرى. في المجتمعات البدائية، كان من الضروري أن تحمل الأم طفلها بطريقة تتيح لها تحريك يدها اليمنى للقيام بالأعمال اليومية كجمع الطعام أو صنع الأدوات.
تاريخياً، تطورت عادة حمل الطفل على اليد اليسرى لتعزيز بقاء الطفل على قيد الحياة من خلال توفير الأمان والدفء في المنطقة القريبة من قلب الأم. هذه المنطقة التي تبعد الطفل عن المخاطر المحتملة مثل الصدمات الخارجية أو الحيوانات المفترسة. وهكذا شكل هذا الوضع حماية فيزيائية ونفسية للرضيع، حيث يظل الطفل في موضع يسمح للأم بمراقبته بسهولة بينما تكون يدها اليمنى حرة للعمل.
الأثر النفسي الاجتماعي وتأثير البيئة
عوامل اجتماعية وثقافية تلعب دوراً واضحاً في ترسيخ هذه العادة. في كثير من الثقافات، تلاحظ الأمهات وأفراد العائلة الآخرين عادة حمل الطفل على اليد اليسرى منذ المراحل الأولى. هذه الممارسة تنتقل كعادة عبر الأجيال، وتصبح معياراً اجتماعيًا غير مكتوب.
الأمهات المربيات عادةً ما يرون في ذلك راحة أكبر في التعامل مع الطفل. الحمل على اليد اليسرى يجعل الطفل في وضع أكثر استقراراً، والأم تشعر بأنها تتحكم أكثر في الطفل، خصوصاً إذا كان الطفل حديث الولادة أو صغير الحجم. بالإضافة إلى ذلك، وجود الطفل على الجانب الأيسر يضعه على الجانب الذي يواجه الأم أثناء الحديث أو التفاعل، مما يعزز من تواصل الطفل مع صوت الأم وملامح وجهها، الأمر الذي يؤثر بشكل إيجابي في تطور مهارات التواصل واللغة.
العلاقة بين اليد اليسرى وقلب الأم: البعد البيولوجي
من الناحية البيولوجية، القلب يقع في الجانب الأيسر من الجسم. حمل الطفل على اليد اليسرى يسمح له بأن يكون أقرب إلى نبض قلب الأم، والذي يوفر له منبهات صوتية واهتزازية طبيعية تعزز
