أول شهيد في الإسلام من الرجال
تُعدُّ الشهادة في سبيل الله من أعظم القيم التي حث عليها الدين الإسلامي، حيث جعلها الله تعالى رفعة وسموًا للمؤمنين، وجعلها الطريق إلى الفوز برضا الله والجنة. وقد شهدت الأيام الأولى للإسلام العديد من المواقف التي جسدت معاني التضحية والفداء في سبيل الله، حيث قدم الصحابة أمثلة رائعة في البذل والعطاء. من بين هؤلاء الصحابة الذين سجل التاريخ اسمهم بأحرف من نور، يبرز اسم أول شهيد في الإسلام من الرجال، الذي قدم نفسه فداءً لله ورسوله، ليكون مثالًا يُحتذى به في التضحية والفداء.
الصحابي الجليل: حمزة بن عبد المطلب
كان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من أبرز القادة العسكريين في الإسلام. وُلد في مكة وكان واحدًا من أبناء عبد المطلب بن هاشم، وكان عم الرسول صلى الله عليه وسلم الأقرب له في النسب والمكانة. وكان حمزة قبل أن يُسلم، معروفًا بشجاعته وقوته البدنية، وله مكانة مرموقة في قريش، وقد كان محط احترام أهل مكة بسبب حنكته وشجاعته في المعارك.
لكن، ما يجعله أكثر شهرة في تاريخ الإسلام هو إسلامه الذي جاء بعد أن تجرَّأ أبو جهل على النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى المرات، فغضب حمزة لما سمع عن الإساءة التي وجهها أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرر أن يدخل الإسلام علنًا ليكون سندًا للرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة أعدائه. وقد أسلم حمزة بن عبد المطلب في السنة السادسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ليُعتبر أحد أهم الصحابة الذين ساعدوا في نشر الدعوة.
ومع تزايد محنة المسلمين في مكة، كان حمزة واحدًا من أبرز المدافعين عن الدعوة الإسلامية، حيث كانت حمايته للنبي صلى الله عليه وسلم من أعظم مظاهر الفداء في تلك الفترة. كان يشهد المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويثبت في مواقع القتال، محاربًا ببسالة ضد أعداء الدين. وكان يعُرف بالبطولة والشجاعة التي لا يُضاهيها أحد، ولذلك أصبح له دور محوري في معركة “أُحُد” التي شهدت أول استشهاد له في معركة خاضها المسلمون ضد قريش في السنة الثالثة من الهجرة.
معركة أحد وشهادة حمزة
إن شهادة حمزة بن عبد المطلب تعدّ واحدة من أعظم تضحيات الصحابة في سبيل الله. ففي معركة “أُحُد” التي كانت واحدة من أشرس المعارك التي خاضها المسلمون ضد قريش، وقف حمزة بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، في صفوف المجاهدين. في تلك المعركة التي كانت نقطة فارقة في تاريخ الإسلام، قاد المسلمون بمعنويات عالية، وقد استطاعوا في بداية المعركة أن يحققوا انتصارات ساحقة على قوات قريش، لكن الأمور قد تغيّرت بعد أن خالف بعض الرماة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى انقضاض قريش على المسلمين من جانب الجبل.
خلال هذا التحول المفاجئ في مجريات المعركة، كان حمزة بن عبد المطلب يتنقل بين صفوف المقاتلين، يضرب بسيفه بقوة، ويشجع المسلمين على الثبات في وجه عدوهم. لكن في خضم المعركة، كان له لقاءٌ مرير مع وحشي بن حرب، الذي كان عبداً حبشيًا قد دُفع من قبل هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، للانتقام من حمزة بن عبد المطلب بسبب قتله لوالدها في معركة بدر.
حينما صَارَ وحشي بن حرب إلى حمزة رضي الله عنه، كان يحمل رمحًا طويلًا، فسدد إليه ضربة قاتلة، فطعنه في بطنه طعنةً أودت بحياته. وعلى الرغم من هول الفاجعة، إلا أن حمزة رضي الله عنه قد استشهد وهو يواجه الأعداء بكل شجاعة، ممثلًا بذلك أسمى معاني الشهادة في سبيل الله. وقد استشهد حمزة بن عبد المطلب في معركة أُحُد وهو في الخامسة والخمسين من عمره، ليُخلّد اسمه في صفحات التاريخ الإسلامي كأول شهيد من الرجال في الإسلام.
حزن النبي صلى الله عليه وسلم على استشهاد حمزة
عندما وصل خبر استشهاد حمزة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كان وقع الحادث على قلبه شديدًا. فقد فقد النبي صلى الله عليه وسلم عمَّه وحاميه في أوقات المحن، شخصًا كان يقف إلى جانبه في أحلك اللحظات، وقد كان الاستشهاد بمثابة فقد كبير لعائلته وأقاربه. فبالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن هذا الطريق هو طريق الأنبياء، وأن الاستشهاد هو جزء من التضحية في سبيل الله، إلا أن وفاة حمزة كانت صدمة كبيرة له. فقد كان حمزة من أعظم الشخصيات التي ساندت الدعوة الإسلامية في بداياتها، وله في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مكانة عظيمة.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حينما رأى جسد حمزة وهو يُستشهد في المعركة: “لولا أن تجد صفية في نفسها، أني قد عذبت عذابًا ما عذبت، لقلت أن يُبتر جسمه على ما هو عليه، فتهشمه”. كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر أسىً وحزنًا شديدين لفقدان حمزة، ولم يكن فقط عمَّه، بل كان أيضًا أعز أصدقائه في الدعوة.
مكانة حمزة في القرآن والسنة
لقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من الأحاديث التي تبين مكانة حمزة رضي الله عنه عند الله ورسوله. ففي حديث صحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن حمزة بن عبد المطلب: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب”. هذا الحديث يبرز مكانة حمزة في الإسلام ويؤكد على عظمته وشرفه في أن يكون أول شهيد من الرجال في سبيل الله.
كما ورد في السنة النبوية أيضًا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة، حيث كان يقول: “اللهم اجعل حمزة سيدًا في الجنة”. وبهذا، يُعتبر حمزة بن عبد المطلب من أكثر الصحابة الذين حظوا بذكرى طيبة بين المسلمين، إذ ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة، ويُعدُّ من أبرز الأبطال الذين قدموا أرواحهم فداءً لله ورسوله.
دور حمزة في بناء الشخصية الإسلامية
إن شهادة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لم تكن مجرد حادثة تاريخية عابرة، بل كانت لحظة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية. فموقفه في معركة “أُحُد” واستشهاده كان دافعًا قويًا للمسلمين للاستمرار في طريقهم. قدّم حمزة بن عبد المطلب مثالاً حيًا على كيف يكون المسلم قويًا في دينه، متحملاً المسؤولية، متفانيًا في الدفاع عن الإسلام، ولو كان ذلك يعني التضحية بحياته.
