بالماء.. احمي طفلك من حصوة الكلى والإمساك
تُعد صحة الكلى والجهاز الهضمي لدى الأطفال من الركائز الأساسية لنموهم السليم وتطورهم الجسدي والنفسي. في السنوات الأولى من حياة الطفل، تتشكل الكثير من العادات الغذائية والسلوكية التي تترك أثراً بعيد المدى على الصحة العامة. ومن أهم العوامل المؤثرة التي يمكن للأهل التحكم بها بسهولة وفعالية، هو شرب الماء. فالماء ليس فقط ضرورة حيوية لوظائف الجسم، بل هو أيضاً عنصر وقائي فعال ضد العديد من المشاكل الصحية التي تصيب الأطفال، وأبرزها: حصى الكلى والإمساك.
يتناول هذا المقال الموسع العلاقة المباشرة بين استهلاك الماء وبين الوقاية من تكوّن حصى الكلى وحدوث الإمساك لدى الأطفال، موضحًا الأسباب العلمية والوظائف الحيوية التي يؤديها الماء، والعوامل المؤثرة في ذلك، مع دعم المعلومات بأحدث الدراسات والتوصيات الطبية المعتمدة.
أهمية الماء لوظائف الكلى عند الأطفال
الكلى تؤدي وظيفة رئيسية في الجسم من خلال فلترة الدم وإزالة الفضلات والسوائل الزائدة على شكل بول. عند نقص الماء في الجسم، تنخفض كمية البول، وتزداد تركيزاته، مما يسهل ترسيب بعض الأملاح مثل أكسالات الكالسيوم أو حمض اليوريك، وهو ما يؤدي إلى تكوّن الحصوات الكلوية، حتى في سن مبكرة.
ويُشار إلى أن الكلى لدى الأطفال ليست بكفاءة الكلى لدى البالغين من حيث قدرتها على التعامل مع تركيزات عالية من المواد الذائبة، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بمشاكل الكلى في حال قلّ استهلاكهم للماء.
حصى الكلى عند الأطفال: الأسباب والعوامل
رغم أن تكوّن حصى الكلى أكثر شيوعًا عند البالغين، إلا أن دراسات حديثة أكدت تزايد معدل تشخيص هذه الحالات عند الأطفال خلال العقدين الأخيرين. ويمكن تلخيص الأسباب والعوامل الرئيسية التي تسهم في ذلك كما يلي:
-
قلة شرب الماء: السبب الأول والأكثر شيوعًا.
-
الأنظمة الغذائية الغنية بالصوديوم والبروتين الحيواني: تؤدي إلى زيادة عبء الأملاح على الكلى.
-
العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي لحصى الكلى.
-
أمراض استقلابية أو مشاكل خلقية في المسالك البولية: تزيد من احتمال ترسيب المواد.
-
تناول مشروبات عالية السكريات والملونات الصناعية: مثل المشروبات الغازية والعصائر الصناعية، والتي تزيد من فقدان السوائل.
وفقًا لدراسة منشورة في مجلة Pediatric Nephrology، فإن استهلاك كمية غير كافية من الماء هو العامل المشترك الأكثر وضوحًا بين الأطفال المصابين بحصى الكلى.
الإمساك عند الأطفال: الماء كحل طبيعي وآمن
الإمساك هو مشكلة شائعة جداً في مرحلة الطفولة، ويُعرّف بأنه مرور صعب أو غير متكرر للبراز، وعادة ما يرتبط بعادات غذائية غير متوازنة ونقص تناول الألياف والسوائل.
ويُعد نقص استهلاك الماء أحد الأسباب المحورية في حدوث الإمساك. فالماء يلعب دوراً رئيسياً في ترطيب محتويات القولون، مما يُسهل عملية الإخراج ويحافظ على انتظام حركة الأمعاء. عند غياب الكمية الكافية من السوائل، يصبح البراز صلباً وجافاً، مما يؤدي إلى الألم عند التبرز، وتبدأ عندها حلقة مفرغة من تجنّب الطفل دخول الحمام، وبالتالي زيادة حدة الإمساك.
كمية الماء اليومية الموصى بها للأطفال
الجدول التالي يوضح متوسط الاحتياجات اليومية من الماء للأطفال بحسب العمر، حسب توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) ومؤسسة التغذية البريطانية (BNF):
| الفئة العمرية | الكمية اليومية الموصى بها |
|---|---|
| من 1 إلى 3 سنوات | حوالي 1.3 لتر (5-6 أكواب) |
| من 4 إلى 8 سنوات | حوالي 1.6 لتر (6-7 أكواب) |
| من 9 إلى 13 سنة (ذكور) | حوالي 2.1 لتر (8 أكواب) |
| من 9 إلى 13 سنة (إناث) | حوالي 1.9 لتر (7-8 أكواب) |
ويشمل هذا المجموع جميع مصادر الماء: مياه الشرب، السوائل الأخرى، والماء الموجود في الطعام.
إشارات تدل على عدم كفاية الماء في جسم الطفل
من المهم على الأهل الانتباه لبعض المؤشرات التي قد تعني أن الطفل لا يشرب ما يكفي من الماء، مثل:
-
لون البول الداكن أو رائحته النفاذة.
-
قلة عدد مرات التبول (أقل من 4 مرات في اليوم).
-
الإمساك أو صعوبة الإخراج.
-
جفاف الفم والشفتين.
-
الكسل أو ضعف التركيز.
-
التهيّج أو الصداع.
طرق عملية لتحفيز الطفل على شرب الماء
العديد من الأطفال لا يحبذون شرب الماء، خاصةً مع توفر البدائل السكرية كالعصائر. لكن توجد وسائل بسيطة لتحفيزهم:
-
استخدام أكواب أو زجاجات جذابة وملونة.
-
إضافة شرائح فواكه طبيعية (ليمون، فراولة، خيار) لإعطاء نكهة خفيفة.
-
جعل شرب الماء جزءًا من الروتين اليومي، مثل شرب كوب قبل وبعد كل وجبة.
-
تقديم القدوة الحسنة من الأهل في استهلاك الماء.
-
مراقبة كمية شرب الماء باستخدام جداول لاصقة أو رسومات مشجعة.
الماء وتوازن الإلكتروليتات: دور حيوي لصحة الكلى والجهاز الهضمي
الماء ليس فقط ناقلاً للسوائل بل يشارك فعليًا في تحقيق التوازن الكهربائي الحيوي في الجسم من خلال تنظيم مستويات الإلكتروليتات مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم. أي خلل في هذا التوازن، خاصة في حال الجفاف، يمكن أن يؤدي إلى خلل في وظيفة العضلات والنبضات العصبية، مما يؤثر بشكل مباشر على انقباض عضلات الجهاز الهضمي وقدرة الكلى على تصفية الدم.
كما أن الجفاف المزمن لدى الطفل قد يؤدي إلى زيادة تركيز الكالسيوم في البول، وهو عامل أساسي في تكوين حصى الكلى.
الماء كبديل آمن للمشروبات الضارة
في ظل انتشار المشروبات الصناعية، خصوصًا تلك التي تحتوي على كميات عالية من السكر أو الكافيين، يُمثل الماء خيارًا آمناً وصحياً دون آثار جانبية أو مخاطر على المدى الطويل.
المشروبات الغازية مثل الكولا أو مشروبات الطاقة لا توفر ترطيبًا فعليًا، بل قد تزيد من فقدان السوائل عن طريق التأثير على وظائف الكلى ورفع مستوى الصوديوم في الجسم. إضافةً إلى ذلك، فإن تناول كميات كبيرة من السكريات يزيد من احتمالية تشكّل الحصى من خلال رفع حمضية البول.
آثار ترطيب الجسم الجيد على صحة الطفل العامة
فوائد شرب الماء لا تقتصر فقط على الكلى والجهاز الهضمي. بل يمتد تأثيره الإيجابي ليشمل:
-
تعزيز القدرة على التركيز والانتباه في الدراسة.
-
تحسين صحة الجلد والبشرة.
-
تنظيم درجة حرارة الجسم أثناء النشاط البدني.
-
دعم وظائف جهاز المناعة.
-
الوقاية من التهابات المسالك البولية.
وقد بيّنت دراسات تربوية عديدة أن الأطفال الذين يحصلون على كمية كافية من الماء خلال اليوم الدراسي، يُظهرون أداءً معرفياً أعلى وتحسناً في المزاج العام.
خلاصة علمية
الماء هو عنصر لا يمكن الاستغناء عنه في أي مرحلة من مراحل حياة الإنسان، لكنه أكثر أهمية في مراحل الطفولة، حين تتشكل العادات الصحية وتبنى الأسس الجسدية السليمة. قلة شرب الماء تُعد عاملاً رئيسيًا في ظهور مشكلتين صحيتين شائعتين لدى الأطفال: حصى الكلى والإمساك. ويمكن الوقاية منهما بسهولة من خلال تزويد الطفل بكمية كافية من الماء يوميًا، وتعزيز هذا السلوك كعادة حياتية دائمة.
المراجع:
-
National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK). “Kidney Stones in Children.” www.niddk.nih.gov
-
American Academy of Pediatrics. “Healthy Drinks, Healthy Kids.” www.aap.org
