6 نصائح مهمة لحماية طفلك من التعرض للتحرش الجنسي
تُعد مسألة حماية الأطفال من التحرش الجنسي من أعقد وأدق القضايا التربوية والنفسية التي تواجه الأسر والمجتمعات على حد سواء، وذلك نظراً لحجم الأضرار الجسيمة التي قد تلحق بالطفل على الصعيدين النفسي والجسدي إذا ما تعرّض لهذا النوع من الانتهاك. فالتحرش الجنسي بالأطفال ليس مجرد تصرف فردي منحرف، بل هو ظاهرة اجتماعية خطيرة تستدعي التدخل العاجل والمنهجي من كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام. ومن المؤسف أن العديد من حالات التحرش تقع داخل الدوائر المقربة من الطفل، ما يزيد من تعقيد الوضع ويضاعف من أهمية الوقاية المبكرة والتربية الواعية.
في هذا الإطار، يعد التثقيف الجنسي المبكر للأطفال وتزويدهم بالأدوات النفسية والمعرفية التي تمكّنهم من فهم أجسادهم والتمييز بين السلوك الآمن والخطر من بين أهم الأساليب لحمايتهم. كما أن دور الوالدين محوري في تعزيز الثقة بين الطفل وأسرته، مما يُمكّنه من الإفصاح عن أي محاولة اعتداء دون خوف أو شعور بالذنب. وسنستعرض في هذا المقال ست نصائح جوهرية تمثل خطوط دفاع أولى لحماية الطفل من أي محاولة للتحرش الجنسي.
1. التثقيف الجنسي المبكر المناسب لسن الطفل
لا يمكن الحديث عن حماية الطفل من التحرش الجنسي دون المرور بمسألة التثقيف الجنسي المبكر الذي يراعي سن الطفل ودرجة نضجه. فالمعرفة التي يكتسبها الطفل منذ سنواته الأولى تُشكّل درعاً وقائياً يُمكّنه من التعرف على جسده وفهم حدوده. ويبدأ هذا التثقيف بتعليم الطفل أسماء الأعضاء التناسلية باستخدام مسميات علمية واضحة دون مواربة، وعدم استخدام كلمات بديلة أو مشفرة، لأن الغموض في التسمية يؤدي إلى غموض في الفهم.
يجب أن يعرف الطفل أن هناك أجزاء في جسده يُطلق عليها “المناطق الخاصة” لا يحق لأحد لمسها أو رؤيتها سوى الوالدين في حالات محددة (مثل النظافة الشخصية أو العلاج الطبي) وبوجود وعي مسبق من الطفل. ويُنصح باستخدام وسائل مرئية أو قصص تعليمية مصورة مناسبة لعمر الطفل لتسهيل إيصال المعلومات بطريقة لا تسبب خوفاً أو قلقاً.
2. تنمية الوعي بالحدود الجسدية وتعزيز كلمة “لا”
إن تمكين الطفل من إدراك أن جسده ملك له وحده هو خطوة جوهرية في مسار الحماية. فالكثير من الأطفال لا يملكون المفردات أو المهارات التي تمكنهم من رفض اللمسات غير المرغوب فيها، أو حتى التفرقة بينها وبين اللمسات الآمنة. لذلك من المهم جداً تعليم الطفل أن له الحق في أن يرفض أي لمسة أو اقتراب من جسده لا يشعر بالراحة تجاهه، حتى لو كان ذلك من شخص بالغ يعرفه أو يثق به.
يجب تشجيع الطفل على قول “لا” بوضوح وقوة عندما يشعر بالخطر أو بعدم الراحة، مع التأكيد أن الرفض في هذه الحالة ليس وقاحة، بل هو حق مشروع ودفاع عن النفس. ويُفضل ممارسة تمثيلات واقعية (Role Play) مع الطفل لتعليمه كيفية التصرف في المواقف المشبوهة، كأن يُطلب منه الجلوس على رجل أحدهم أو أن يُقبل دون رغبته، مع توضيح كيفية التصرف حينها واللجوء فوراً لشخص بالغ موثوق.
3. مراقبة العلاقات الاجتماعية للطفل دون تقييد مفرط
من المهم أن يُتاح للطفل الانخراط في المجتمع والتفاعل مع الآخرين، لكن من الضروري أن يكون ذلك ضمن بيئة آمنة ورقابة غير مباشرة من الأهل. لا يعني ذلك التضييق على الطفل أو زرع الخوف في نفسه من كل من حوله، بل المقصود هو مراقبة العلاقات الاجتماعية التي ينسجها الطفل سواء داخل الأسرة الموسعة أو مع الجيران أو في المدرسة، مع الانتباه لأي تغيّرات سلوكية غير مبررة قد تطرأ عليه.
يجب على الوالدين أن يكونا على دراية بأسماء البالغين الذين يتفاعل معهم الطفل بانتظام، سواء كانوا معلمين، أو سائقي الحافلة، أو أقرباء، أو أصدقاء للعائلة. وينبغي الحذر من أي شخص يُظهر اهتماماً مفرطاً بالطفل، أو يحاول عزله عن الآخرين، أو يتعمد منحه الهدايا بشكل متكرر ومبالغ فيه.
4. بناء علاقة قائمة على الثقة والانفتاح مع الطفل
يُعد انعدام التواصل الفعال بين الأهل والطفل أحد الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم حالات التحرش وصمت الطفل عنها. لذلك يجب أن يُبنى بين الطفل ووالديه جسر من الثقة والاطمئنان، حيث يشعر الطفل بالأمان التام للإفصاح عن أي تجربة غير مريحة أو مقلقة دون خوف من التوبيخ أو العقاب.
الطفل الذي يخشى من ردود فعل والديه، أو الذي يفتقر إلى الحنان والتقدير العاطفي داخل أسرته، غالباً ما يُخفي الحوادث المؤذية التي يتعرض لها. ومن هنا تأتي أهمية تخصيص وقت يومي للحديث مع الطفل عن تفاصيل يومه، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره ومخاوفه، حتى لو بدت بسيطة أو تافهة، لأن التحرش غالباً ما يبدأ بإشارات طفيفة يمكن ملاحظتها فقط من خلال الإصغاء الدقيق للطفل.
5. تعليم الطفل قواعد التعامل مع الغرباء والغرباء المقنّعين
يظن كثير من الأطفال أن “الخطر” يأتي فقط من الغرباء الذين لا يعرفونهم، بينما تُظهر الدراسات أن معظم حالات التحرش تقع من أشخاص مقرّبين من العائلة أو الدائرة الاجتماعية للطفل. ولهذا من الضروري توضيح أن التحرش لا يرتبط بكون الشخص غريباً أو معروفاً، بل بنوعية السلوك الذي يقوم به.
يجب أن يتعلم الطفل أن هناك قواعد محددة عند التعامل مع أي بالغ، حتى لو كان شخصاً يعرفه منذ زمن. من هذه القواعد: عدم مرافقة أي شخص إلى أماكن مغلقة دون إذن من الأهل، وعدم قبول الهدايا السرية، ورفض أي محاولة لعزله عن باقي الأطفال أو إقناعه بإبقاء “سر” بينه وبين البالغ. ويجب أن يكون واضحاً أن الأسرار التي تتعلق بالجسد أو الخصوصية لا ينبغي أن تُحفظ، بل يجب إخبار الأم أو الأب بها فوراً.
6. مراقبة المحتوى الرقمي وتوجيه استخدام الأجهزة الذكية
في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، لم يعد التحرش الجنسي يقتصر على الأماكن الواقعية فقط، بل أصبح يمتد أيضاً إلى الفضاء الرقمي، حيث تنتشر تطبيقات ومواقع تتيح للمتربصين استهداف الأطفال والتواصل معهم بطرق خفية. لذلك، من الضروري مراقبة المحتوى الرقمي الذي يتعرض له الطفل، وتحديد ساعات استخدامه للأجهزة الإلكترونية، وخصوصاً في سن مبكرة.
ينبغي تفعيل أدوات الرقابة الأبوية، وتثبيت تطبيقات حماية متقدمة تراقب الكلمات المفتاحية والصور غير اللائقة، كما يُفضل وضع الجهاز في مكان مفتوح داخل المنزل، وعدم السماح باستخدامه في غرف النوم أو الأماكن المغلقة. ويجب أن يتعلم الطفل القواعد الأساسية للأمان الرقمي، مثل عدم مشاركة صوره الشخصية أو معلوماته الخاصة، وعدم التفاعل مع أي شخص مجهول أو قبول طلبات صداقة من أشخاص لا يعرفهم في الواقع.
كما ينبغي تنظيم حوارات توعوية منتظمة مع الطفل حول مخاطر الإنترنت دون تخويف، بل بلغة واقعية توضح الفرق بين الاستخدام السليم والانحرافات السلوكية التي قد يتعرض لها، مثل الابتزاز الإلكتروني أو محاولة الإغراء عن طريق الألعاب أو المقاطع المصورة.
إن حماية الأطفال من التحرش الجنسي لا تتحقق من خلال الخوف أو التهديد، بل من خلال بناء بيئة قائمة على التوعية، والثقة، والانفتاح، والمراقبة الذكية. يتطلب الأمر جهداً مستمراً من الأهل لا يتوقف عند عمر معين أو حادثة بعينها، بل هو مسار تربوي مستمر يسعى لتكوين شخصية مستقلة وقوية تعرف حقوقها وحدودها، وتملك أدوات الدفاع عن نفسها بوعي وشجاعة.
المصادر:
-
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
-
الجمعية الأمريكية لعلم النفس – دليل الوقاية من الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
