لحل مشكلة الشجار بين الطفلين عليكِ بـ…

يُعد الشجار بين الأطفال من الظواهر السلوكية الشائعة داخل البيوت، ويكاد لا يخلو بيت فيه أكثر من طفل من هذه المشاحنات اليومية التي تتفاوت في شدّتها وتكرارها. ورغم أن الشجارات بين الإخوة تُعد جزءًا من عملية النمو والتطوّر الاجتماعي والانفعالي، فإن تجاهلها تمامًا قد يؤدي إلى تعزيز سلوكيات عدوانية، وإضعاف العلاقات الأسرية، وزيادة التوتر داخل المنزل. لذلك من الضروري فهم أسباب الشجار، والتعامل معه بأسلوب تربوي هادئ وفعّال يعزز من روح المحبة والتسامح بين الأبناء. في هذا المقال، نسلّط الضوء على العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى نشوب الشجار بين الطفلين، ونقدم مجموعة من الاستراتيجيات التربوية العملية لمعالجته والحدّ منه بشكل مستدام.

أولاً: فهم طبيعة الشجار بين الأطفال

يجب أولاً إدراك أن الشجار لا يعني بالضرورة وجود مشكلة تربوية خطيرة، بل قد يكون نتيجة طبيعية لاختلاف الشخصيات، أو صراع على الموارد (كالألعاب أو الاهتمام)، أو حتى كطريقة للتعبير عن الذات في غياب المهارات اللفظية المناسبة. في معظم الحالات، يكون الشجار بين الإخوة وسيلة يتعلمون من خلالها مهارات التفاوض، والحدود، والتسامح، والمشاركة. لكن حين يتكرر الشجار ويأخذ طابعًا عدوانيًا، أو يتسبب في الأذى الجسدي أو النفسي، يصبح من الضروري التدخل لتصحيح المسار.

ثانياً: الأسباب النفسية والاجتماعية للشجار بين الطفلين

لفهم كيفية حل المشكلة، لا بد من التعرف على الأسباب الكامنة وراء الشجار، ومن أبرزها:

1. الغيرة والمنافسة

تُعد الغيرة أحد أبرز أسباب الخلافات بين الإخوة، خاصة عندما يشعر أحد الأطفال بأن الآخر يحصل على اهتمام أو حب أكبر من الوالدين. تزداد هذه الغيرة حينما يكون هناك تفاوت في القدرات أو الامتيازات أو حتى في شكل المعاملة من قبل الكبار.

2. الرغبة في الاستقلالية

مع نمو الطفل، يبدأ في الرغبة بإثبات ذاته واستقلاليته، ما قد يتعارض مع وجود أخ أو أخت يشاركه نفس المساحة أو الألعاب أو حتى العلاقات الاجتماعية، مما يؤدي إلى صراعات مستمرة.

3. الفروق العمرية

غالبًا ما يكون الأطفال في مراحل عمرية مختلفة غير قادرين على فهم بعضهم البعض أو احترام احتياجات الآخر. الطفل الأكبر قد يشعر بالاستعلاء، بينما الأصغر قد يسعى للفت الانتباه عبر السلوك الاستفزازي.

4. غياب المهارات الاجتماعية

في كثير من الأحيان، لا يمتلك الأطفال المهارات الضرورية لحل النزاعات بشكل سلمي، مثل الحوار أو التفاوض أو ضبط النفس، فيلجؤون إلى الصراخ أو الضرب أو الاتهامات.

5. تدخل الأهل بشكل خاطئ

حينما يتدخل الوالدان بشكل متكرر لصالح طفل دون الآخر، يشعر الآخر بالظلم، ويؤدي ذلك إلى تعميق الخلاف، بل وتحويله إلى صراع دائم على “العدالة” داخل المنزل.

ثالثاً: خطوات عملية لحل مشكلة الشجار بين الطفلين

لحل مشكلة الشجار بشكل فعّال، يجب اعتماد نهج متكامل يجمع بين الوقاية والعلاج والتربية الإيجابية. إليكِ أبرز الخطوات التربوية المجربة:

1. الحيادية التامة عند التدخل

عندما يحدث الشجار، يجب على الوالدين الامتناع عن اتخاذ موقف مع أحد الأطفال ضد الآخر، إلا في حال وجود اعتداء واضح يتطلب تدخلاً لحماية أحدهما. الحيادية لا تعني تجاهل الموقف، بل تعني الإنصاف في الاستماع والتعامل مع الموقف بدون انحياز.

2. تعليم مهارات حل النزاعات

يجب تعليم الأطفال كيفية حل خلافاتهم بأنفسهم باستخدام كلمات تعبر عن مشاعرهم دون اللجوء إلى العنف. يمكن مثلاً استخدام تدريبات تعتمد على الحوار مثل:

• “قل له ما أزعجك دون صراخ”

• “كيف يمكننا حل هذا بطريقة ترضي الطرفين؟”

3. تخصيص وقت فردي لكل طفل

يُسهم تخصيص وقت خاص لكل طفل مع الوالدين في تقليل شعور الغيرة وتعزيز الثقة بالنفس، مما يقلل من الحاجة للصراع لجذب الانتباه.

4. إنشاء نظام واضح للقواعد المنزلية

يجب وضع مجموعة من القواعد التي تنظم العلاقة بين الأطفال، مثل:

• ممنوع الضرب أو الشتائم

• يتم تقاسم الألعاب بطريقة عادلة

• من يخالف القواعد يخضع لعقوبة تربوية متفق عليها

من المفيد تدوين هذه القواعد وتعليقها في غرفة اللعب أو مكان التجمع العائلي لتكون مرجعًا دائمًا.

5. الثناء على السلوك الإيجابي

عند ملاحظة تعاون أو تسامح بين الطفلين، يجب تقديم المدح والتشجيع على الفور، مما يعزز السلوك الإيجابي ويحفز الأطفال على تكراره.

6. تجنّب المقارنة بين الطفلين

المقارنة من أكثر الأساليب التربوية ضررًا، لأنها تغذي الغيرة والحسد. يجب تجنب عبارات مثل “أخوك أذكى منك” أو “لماذا لا تتصرف مثل أختك؟”. على العكس، يجب التركيز على نقاط القوة الفريدة في كل طفل.

7. إشراك الأطفال في الأنشطة الجماعية

تشجيع الأطفال على المشاركة في أنشطة تتطلب تعاونًا، مثل الطهي معًا أو بناء مجسمات، يُسهم في تنمية روح الفريق والاحترام المتبادل.

8. استخدام القصص واللعب كوسائل تربوية

يمكن استخدام القصص التربوية التي تعالج مواضيع الخلاف، أو حتى تمثيل مواقف تمثيلية عبر الدمى، كوسائل لتعليم الأطفال المهارات الاجتماعية والتسامح.

رابعاً: التعامل مع الشجار المزمن والمتكرر

في حال كانت الشجارات بين الطفلين متكررة بشكل يومي أو تتسم بالعنف الشديد، يجب النظر إلى الأمر بجدية أكثر. قد يكون ذلك مؤشراً على:

• ضغوط نفسية يعاني منها أحد الأطفال

• وجود شعور دائم بالإقصاء أو الظلم

• مشاكل سلوكية تتطلب تدخل متخصص

في هذه الحالة، يُفضل استشارة أخصائي نفسي للأطفال لتقديم توجيه متخصص يراعي الخلفية الأسرية والتربوية.

خامساً: دور البيئة الأسرية في تعزيز الانسجام بين الإخوة

البيئة الأسرية السليمة هي التي توفر للأطفال شعورًا بالأمان والقبول غير المشروط. فيما يلي أهم عناصر البيئة الأسرية التي تعزز من العلاقات بين الإخوة:

سادساً: تنمية الجانب العاطفي لدى الأطفال

غالباً ما يكون الشجار نتيجة ضعف في القدرة على التعبير عن المشاعر أو فهم مشاعر الآخر. لذلك من الضروري تعزيز الذكاء العاطفي عند الطفل من خلال:

• تعليمه مفردات للمشاعر (غضبان، حزين، متضايق…)

• التحدث معه عن كيف يشعر عندما يتشاجر

• مساعدته على فهم مشاعر أخيه أو أخته

هذا التدريب يجعل الطفل أكثر تعاطفًا وأقل ميلًا للعدوانية.

سابعاً: أهمية الصبر والاستمرارية في التربية

من المهم التذكير بأن التربية عملية مستمرة وتتطلب صبرًا كبيرًا من الأهل، فنتائج أي تغيير تربوي لا تظهر فورًا. قد يتطلب الأمر أسابيع أو حتى أشهر من العمل اليومي على ضبط الشجار وتعزيز السلوك الإيجابي حتى تتحسن العلاقة بين الطفلين. الفكرة الجوهرية هي الثبات والهدوء، والابتعاد عن ردود الفعل الانفعالية.

المراجع

1. Adele Faber & Elaine Mazlish. Siblings Without Rivalry: How to Help Your Children Live Together So You Can Live Too. W. W. Norton & Company.

2. Ross W. Greene. The Explosive Child. HarperCollins.

هذا المقال يندرج ضمن إطار الدعم التربوي العملي للأسرة، ويهدف إلى تقديم حلول واقعية وقابلة للتطبيق تساعد الأمهات والآباء على تخفيف التوتر داخل البيت وتحقيق توازن عاطفي بين الأبناء. التعامل مع الشجار بين الأطفال لا يتطلب فقط تدخلًا لحظيًا، بل يتطلب بناء منظومة تربوية شاملة تدعم النضج النفسي والعاطفي لدى جميع أفراد الأسرة.