أهمية الماء لصحة الإنسان

الماء وأهميته

يُعتبر الماء العنصر الحيوي الأهم على سطح الأرض، بل هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها وجود الحياة واستمرارها. يدخل الماء في تركيب جميع الكائنات الحية، بما فيها الإنسان، النبات، والحيوان، ويغطي ما يقارب 71% من سطح الكرة الأرضية. لا تقتصر أهمية الماء على البعد البيولوجي فقط، بل تمتد لتشمل كافة أوجه الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، البيئية، والصحية، مما يجعله أحد الموارد الطبيعية الأكثر حساسية واستراتيجية.

الماء في تركيب جسم الإنسان

يمثل الماء نسبة تتراوح بين 60% إلى 70% من وزن جسم الإنسان البالغ، وهي النسبة التي تختلف تبعًا للعمر، الجنس، والكتلة العضلية. كل خلية من خلايا الجسم تحتاج إلى الماء لأداء وظائفها الحيوية بشكل سليم. يعمل الماء كوسيط للنقل داخل الجسم، حيث ينقل المواد الغذائية، الفيتامينات، المعادن، والأكسجين إلى الخلايا، ويساعد في التخلص من الفضلات والسموم عبر الكلى والبول والعرق. كما يلعب دورًا هامًا في تنظيم درجة حرارة الجسم من خلال التعرق والتبخر، ويحافظ على توازن الكهارل والأملاح.

الماء وأهمية استهلاكه اليومي

يُعد استهلاك الماء بشكل يومي ضروريًا للحفاظ على الوظائف الحيوية. تتفاوت الكميات الموصى بها من الماء تبعًا لعوامل متعددة مثل المناخ، النشاط البدني، العمر، والحالة الصحية. توصي الأكاديميات الطبية العالمية بمتوسط استهلاك يومي يتراوح بين 2.7 إلى 3.7 لترات من السوائل للبالغين. وتزداد الحاجة إلى الماء في حالات الحمل، الرضاعة، أو أثناء الإصابة بالحمى والإسهال.

يؤدي نقص الماء إلى الإصابة بالجفاف، وهي حالة تؤثر سلبًا على جميع أعضاء الجسم، لا سيما الدماغ، القلب، الكلى، والجلد. وتشمل أعراض الجفاف الشائعة: الشعور بالعطش، الصداع، الإرهاق، انخفاض التركيز، وجفاف الفم والجلد.

الماء والتنمية الاقتصادية

يُعد الماء أحد أهم موارد التنمية المستدامة، إذ تعتمد الزراعة، الصناعة، توليد الطاقة، والنقل المائي عليه بصورة مباشرة. في قطاع الزراعة، يُستخدم الماء في الري وإنتاج الغذاء، وتُشكل الزراعة أكبر مستهلك للمياه العذبة عالميًا، إذ تستهلك حوالي 70% من إجمالي المياه المتاحة.

وفي المجال الصناعي، يدخل الماء في عمليات التبريد، التنظيف، تصنيع المنتجات، واستخراج المواد الخام. كما تعتمد محطات الطاقة الحرارية والنووية على الماء لتوليد الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، يُعد النقل عبر الأنهار، البحار، والمحيطات من الوسائل الاقتصادية والبيئية الأقل تكلفة لنقل البضائع.

الماء والنظم البيئية

تلعب المياه دورًا جوهريًا في دعم التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية. توفر البحار، الأنهار، البحيرات، والمستنقعات مواطنًا طبيعية لملايين الأنواع من النباتات، الحيوانات، والكائنات الدقيقة. تعتمد الغابات المطيرة، الأراضي الرطبة، والمناطق الجبلية على دورات المياه الموسمية للحفاظ على توازنها البيئي.

كما أن تدفق المياه العذبة يُسهم في تجديد التربة، منع التصحر، وتعزيز نمو النباتات، وهو ما يعزز من مقاومة تغير المناخ. ويؤدي التلوث المائي أو الجفاف إلى تهديد هذه الأنظمة البيئية الحيوية وتدمير مواطن الكائنات البرية والمائية.

الأمن المائي والتحديات العالمية

يشكل الأمن المائي أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. يعاني أكثر من 2.2 مليار شخص حول العالم من عدم توفر مياه صالحة للشرب بشكل منتظم، ويُتوقع أن يتفاقم الوضع مع زيادة عدد السكان، تغير المناخ، والتوسع الحضري.

تشير التقديرات إلى أن نحو 40% من سكان العالم يعيشون في مناطق تعاني من شح مائي حاد. وتؤثر هذه الأزمة بشكل مباشر على الصحة العامة، الأمن الغذائي، والنمو الاقتصادي، بل قد تكون سببًا في اندلاع النزاعات والحروب، لا سيما في المناطق التي تتقاسم مصادر المياه مثل الأنهار العابرة للحدود.

تلوث المياه ومخاطره الصحية

يُعد تلوث المياه من أخطر المشكلات البيئية، حيث يؤدي إلى تدهور نوعية المياه وجعلها غير صالحة للاستخدام البشري أو الزراعي أو الصناعي. من أبرز مصادر التلوث: مخلفات المصانع، مياه الصرف الصحي، الأسمدة والمبيدات الزراعية، النفايات البلاستيكية، والنفط.

تُسبب المياه الملوثة عددًا من الأمراض الخطيرة مثل الكوليرا، التيفوئيد، الزحار، والتهاب الكبد الفيروسي. وتُعد الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء الحوامل وكبار السن الأكثر عرضة لمخاطر التلوث المائي.

إدارة الموارد المائية

تتطلب مواجهة التحديات المرتبطة بالماء تفعيل استراتيجيات متكاملة لإدارة الموارد المائية. تتضمن هذه الاستراتيجيات تحسين كفاءة استخدام المياه، تطوير شبكات توزيع فعالة، إصلاح البنية التحتية، تقنيات إعادة التدوير والمعالجة، وتحلية مياه البحر.

يُعد التعاون الدولي أساسيًا في إدارة المياه العابرة للحدود، مثل نهر النيل، نهر الفرات، ونهر الدانوب. ويتطلب ذلك اتفاقيات عادلة ومستدامة تُراعي مصالح جميع الأطراف، وتمنع نشوب النزاعات، وتحقق الاستخدام الأمثل للمياه بما يخدم التنمية المستدامة.

الماء وتغير المناخ

يتأثر توافر المياه بشكل مباشر بتغير المناخ العالمي، حيث يُؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات التبخر، تقلب الأمطار، وذوبان الأنهار الجليدية. كما أن موجات الجفاف، الفيضانات، والأعاصير التي أصبحت أكثر تواترًا وشدة، تُسهم في تعطيل أنظمة توزيع المياه، وتُلحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية والخدمات الصحية.

لذلك، يُعد التكيف مع آثار تغير المناخ في قطاع المياه أولوية عالمية. ويشمل ذلك بناء سدود أكثر كفاءة، استصلاح الأراضي، زيادة الاعتماد على مصادر المياه غير التقليدية مثل مياه الأمطار، والمياه الرمادية المعاد تدويرها.

الماء والتعليم والتوعية

تلعب التربية المائية دورًا مهمًا في ترسيخ ثقافة الحفاظ على الماء لدى الأفراد والمجتمعات. يتطلب ذلك إدماج موضوعات المياه في المناهج الدراسية، حملات إعلامية توعوية، وتحفيز السلوك المسؤول في استهلاك المياه داخل المنازل، المؤسسات، والمرافق العامة.

يمكن للمجتمعات أن تُسهم بشكل كبير في حماية الموارد المائية من خلال ممارسات بسيطة مثل إصلاح التسربات، استخدام الأدوات الموفرة للمياه، تجنب رمي المواد الكيميائية في المجاري، وزراعة النباتات المحلية المقاومة للجفاف.

الماء والصحة النفسية والاجتماعية

يؤثر توفر الماء بشكل غير مباشر على الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد. تعاني المجتمعات التي تفتقر إلى المياه من ضغوط نفسية مزمنة نتيجة صعوبة الحصول على حاجاتها الأساسية، وهو ما يؤدي إلى انتشار القلق، الاكتئاب، وعدم الاستقرار الأسري. كما أن النساء والفتيات في كثير من الدول النامية يُجبرن على قطع مسافات طويلة يوميًا لجلب الماء، مما يعوق تعليمهن ويعرضهن للمخاطر.

جدول مقارنة بين الاستخدامات المختلفة للماء

جهود المجتمع الدولي

شهد العقدان الأخيران تحركات دولية واسعة للتعامل مع أزمة المياه، من خلال المبادرات الأممية مثل “عقد الماء من أجل الحياة” (2005–2015) و”عقد العمل من أجل المياه” (2018–2028)، بالإضافة إلى إدراج المياه ضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (الهدف السادس). كما أطلقت منظمات مثل اليونيسيف، الصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، برامج لتوفير مياه الشرب النقية للمناطق الأكثر فقرًا وتهميشًا.

الماء كحق إنساني

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010 أن “الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي هو حق من حقوق الإنسان”. ويعني ذلك أن على الدول التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا بضمان وصول كل فرد إلى كمية كافية وآمنة من المياه لاستخدامه اليومي دون تمييز.

خاتمة

الماء ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو العمود الفقري للحياة والضامن لاستدامة الحضارات البشرية. وتستدعي قيمته الجوهرية اتخاذ إجراءات متكاملة وفورية للحفاظ عليه، من خلال الإدارة الرشيدة، الاستخدام المسؤول، وتقاسم الموارد بعدالة، لضمان مستقبل مائي آمن للأجيال القادمة.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO): https://www.who.int

2. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP): https://www.undp.org