حكم غسل الجمعة
يُعَدّ غسل يوم الجمعة من السنن المؤكدة التي أولاها الإسلام عناية كبيرة، واهتم العلماء ببيان أحكامها وتفصيل أقوال الفقهاء فيها نظراً لما لهذا اليوم من مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية. فقد شرع الله عز وجل للمسلمين فيه من الطهارة والزينة ما يليق بحرمة هذا اليوم وفضله. والغسل في هذا اليوم ليس مجرد تنظيفٍ للجسد، بل هو شعيرةٌ من شعائر الإسلام تعبّر عن تعظيم المسلمين للجمعة واستعدادهم لخطبتها وصلاة الجماعة فيها، وحرصهم على التآلف والاجتماع في أجواء طاهرة حسياً ومعنوياً.
هذا المقال يعرض بالتفصيل حكم غسل الجمعة، مع توثيق الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة، مع بيان الحكمة من مشروعيته، وشروطه، وكيفيته، وأبرز المسائل المتعلقة به.
أولاً: تعريف غسل الجمعة
غسل الجمعة هو: الاغتسال بالماء بقصد الطهارة استعداداً لصلاة الجمعة. ويُقصد به غسل جميع البدن بنية أداء هذا الغسل الخاص بيوم الجمعة، وليس مجرد الغسل المعتاد للنظافة. ويكون في يوم الجمعة، ووقته يبدأ من بعد طلوع الفجر الصادق ويمتد إلى ما قبل أداء صلاة الجمعة، لكن الأفضل أن يكون قريباً من ذهابه إلى المسجد.
ثانياً: فضل يوم الجمعة في الإسلام
قبل التطرق إلى حكم الغسل، لا بد من الوقوف عند عظمة هذا اليوم في الإسلام، فهو يوم جعله الله عيداً للمسلمين، وجمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره من الأيام، ومن ذلك:
-
قال النبي ﷺ: «خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَومُ الجُمُعةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا…» (رواه مسلم).
-
تُقام فيه صلاة الجمعة، وهي من أعظم الشعائر الجامعة في الإسلام.
-
يتكرر فيه ذكر الله تعالى جماعةً ويُلقى فيه الخطبة التي ترشد المسلمين وتجمع كلمتهم.
ومن هنا، جاءت السنن المتعلقة به، ومن أهمها: الغسل.
ثالثاً: حكم غسل الجمعة عند الفقهاء
اختلف العلماء في حكم غسل الجمعة، هل هو واجب أم مستحب؟ وقد وردت في هذا الشأن أقوال متعددة نلخصها فيما يلي:
1. القول الأول: أنه واجب
وهو قول بعض الصحابة والتابعين، واختاره الإمام مالك في إحدى الروايات عنه، واستدلوا بحديث النبي ﷺ:
«غُسْلُ يَومِ الجُمُعةِ واجِبٌ علَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث ظاهر في وجوب الغسل، والوجوب في اللغة والشرع معناه الإلزام، واستُدل به على أن غسل الجمعة فرض على من حضرها، ولا يسقط إلا بعذر.
2. القول الثاني: أنه سنة مؤكدة
وهو قول جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة وأكثر المالكية والحنفية. قالوا إن الأمر في الحديث محمول على الاستحباب وليس على الإلزام، واستدلوا بأحاديث أخرى تبين أن المقصود هو النظافة والتطهر.
ومن الأدلة التي استندوا إليها حديث النبي ﷺ:
«من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى…» (رواه البخاري).
فلو كان الغسل واجباً لم يكتفِ النبي ﷺ بالوضوء في هذا الحديث.
كما استدلوا بأن الصحابة لم يكونوا يلزمون الناس بالغسل، ولم يُنقل عنهم أنهم تركوا حضور الجمعة إذا لم يغتسلوا.
خلاصة الحكم الفقهي:
الجمهور على أن غسل الجمعة سنة مؤكدة، ويُستحب فعله لمن أراد حضور صلاة الجمعة. ويُسنّ للمسلم أن يغتسل إذا أراد أن يصلي الجمعة، خاصة إذا كان في بدنه أو ثوبه ما قد يُؤذي الآخرين من الروائح.
رابعاً: وقت غسل الجمعة
اتفق العلماء على أن غسل الجمعة لا يصح إلا في يوم الجمعة نفسه، وليس في الليل الذي قبله. أما الوقت المشروع له فهو:
-
من بعد طلوع الفجر الصادق إلى دخول صلاة الجمعة.
-
والأفضل أن يكون الغسل قريباً من الذهاب إلى الصلاة حتى يكون البدن في أكمل حالاته من الطهارة والنظافة.
وإذا اغتسل بعد الفجر ثم نام أو أحدث أو توضأ فقط، فلا يطالب بإعادة الغسل، لأن المقصود حصول الغسل في اليوم نفسه بنية الجمعة.
خامساً: شروط صحة غسل الجمعة
الغسل ليوم الجمعة كغسل الجنابة، ويشترط لصحة الغسل ما يلي:
| الشرط | التوضيح |
|---|---|
| النية | لا بد من نية غسل الجمعة، والنية محلها القلب. |
| تعميم البدن بالماء | فلا بد أن يصل الماء إلى جميع البدن، بما في ذلك الشعر والبشرة. |
| عدم وجود حائل | كطلاء أو مادة تمنع وصول الماء إلى الجلد. |
أما لو اغتسل للنظافة فقط ولم ينوِ غسل الجمعة، فلا يُعدّ غسلًا شرعياً لهذا المقصد، ويُستحب له إعادة الغسل بنية الجمعة إن أمكن.
سادساً: كيفية غسل الجمعة
الطريقة المثلى لغسل الجمعة كما وردت عن النبي ﷺ وعمل الصحابة هي:
-
النية.
-
التسمية.
-
غسل اليدين ثلاثاً.
-
غسل الفرج وما حوله.
-
الوضوء كوضوء الصلاة.
-
سكب الماء على الرأس ثلاثاً مع تدليك فروة الرأس.
-
سكب الماء على الجسد كاملاً بداية من الجانب الأيمن ثم الأيسر، مع تعميم البدن كله بالماء.
وهذه الكيفية مأخوذة من حديث ميمونة زوج النبي ﷺ في وصفها لغسله صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: الحكمة من مشروعية غسل الجمعة
مشروعية غسل الجمعة تنطوي على حكم جليلة تتسق مع مقاصد الشريعة في الطهارة والوقاية والاحترام الجماعي، منها:
-
احترام الجماعة والجمعة: لأن صلاة الجمعة تجمع أعداداً كبيرة من المسلمين في مكان واحد، فشرع الغسل ليكون الإنسان نظيفًا طيب الرائحة.
-
تجديد النشاط واليقظة: لأن الاغتسال ينشط الجسد، ويعين على الخشوع في الصلاة، بخلاف من يأتي منهكاً أو متعباً أو متسخاً.
-
اتباع السنة النبوية: فقد كان النبي ﷺ يواظب على ذلك، وكذلك الصحابة، وهو من شعائر تعظيم يوم الجمعة.
-
صون المسجد عن الروائح الكريهة: التي قد تتسبب في إيذاء المصلين وتشتيت خشوعهم، لذلك شُرع الغسل والنظافة والطيب.
ثامناً: هل غسل الجنابة يُغني عن غسل الجمعة؟
نعم، غسل الجنابة يُغني عن غسل الجمعة عند جمهور الفقهاء، بشرط أن يكون في وقت الجمعة. فإذا اغتسل الإنسان بنية رفع الحدث الأكبر، وكان ذلك في صباح الجمعة أو قبيل الذهاب للمسجد، سقط عنه غسل الجمعة ولا يُطالب بغسلٍ آخر.
وهذا لأن المقصود في النهاية هو الطهارة وتعميم الماء على البدن، وقد حصل ذلك بغسل الجنابة. لكن الأفضل الجمع بين النيتين: نية غسل الجنابة وغسل الجمعة.
تاسعاً: سنن مستحبة مع غسل الجمعة
من السنن المرتبطة بيوم الجمعة والتي يُستحب فعلها مع الغسل:
-
استعمال السواك.
-
لبس أحسن الثياب.
-
التطيب بعطر حسن الرائحة.
-
قص الأظافر وحلق الشعر الزائد إن وُجد.
-
الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ.
-
التبكير إلى المسجد.
-
الإنصات للخطبة.
كل هذه السنن تؤكد حرص الإسلام على تعظيم هذا اليوم وجعل المسلمين يظهرون فيه بأفضل هيئة وأكمل صورة.
عاشراً: المسائل المتعلقة بغسل الجمعة
| المسألة | الحكم |
|---|---|
| من اغتسل ليلاً | لا يُجزئه، لا بد أن يكون الغسل بعد طلوع الفجر. |
| المرأة هل تغتسل؟ | إن حضرت الجمعة، يُستحب لها الغسل. وإن لم تحضر، فلا يُطلب منها ذلك. |
| من لم يغتسل ونسي أو تكاسل؟ | صلاته صحيحة باتفاق العلماء، لكن فوّت فضلاً عظيماً. |
| هل يجوز الغسل بماء فيه طيب؟ | نعم، بشرط أن لا يكون فيه مواد تمنع وصول الماء للجلد. |
المصادر والمراجع
-
صحيح البخاري.
-
صحيح مسلم.
-
الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي.
-
الموسوعة الفقهية الكويتية.
عنوان المقال المقترح (محسن SEO):
حكم غسل الجمعة
