هل يجوز تقبيل الزوجة في رمضان؟
تعد مسألة تقبيل الزوجة في رمضان من المسائل الفقهية التي تثير اهتمام المسلمين خاصة في شهر رمضان المبارك، حيث تتعدد الأسئلة حول ما يجوز وما لا يجوز أثناء الصيام. من أهم هذه الأسئلة، يتساءل الكثيرون عن حكم تقبيل الزوجة في نهار رمضان ومدى تأثير ذلك على صحة الصيام. يبرز هذا الموضوع في سياق الحديث عن آداب الصيام وضرورة المحافظة على الطهارة والنقاء الروحي والجسدي في هذا الشهر الفضيل.
في هذا المقال، سنتناول هذه المسألة بالتفصيل من منظور الشريعة الإسلامية، مستعرضين الآراء الفقهية المختلفة، مع التركيز على الأدلة الشرعية التي استند إليها الفقهاء في حكم تقبيل الزوجة في رمضان، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على ذلك.
حكم تقبيل الزوجة في رمضان:
يعتبر الصيام ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، وقد فرضه الله تعالى على المسلمين في شهر رمضان. وقد جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية 187: “وَأَحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ”، حيث تشير هذه الآية إلى أن العلاقة الجسدية بين الزوجين تُباح ليلاً أثناء رمضان. ولكن خلال النهار، هناك مجموعة من الأمور التي يترتب على فعلها فساد الصيام، مثل الأكل والشرب والجماع.
أما عن تقبيل الزوجة في نهار رمضان، فالمسألة ليست بسيطة؛ لأن هناك العديد من المعايير التي تدخل في حكم هذه المسألة. بالاستناد إلى الحديث الشريف الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “رُبَّ صَائِمٍ لَا يَصِيبُهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ”، نجد أن الصيام يتأثر بالممارسات التي تقرب الشخص من الجماع أو تثير شهوته.
الآراء الفقهية في حكم تقبيل الزوجة:
تنوعت الآراء الفقهية حول حكم تقبيل الزوجة في رمضان على مدار العصور، إذ اختلف الفقهاء في هذه المسألة استنادًا إلى تفسيرهم للأدلة الشرعية، ومدى تأثير التقبيل على صحة الصيام.
-
الرأي الأول: تجنب التقبيل بشكل تام
يرى بعض الفقهاء أنه ينبغي على الصائم أن يتجنب تقبيل الزوجة تمامًا في نهار رمضان. ويستندون في ذلك إلى الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: “فإذا قبَّلَ أحدُكم امرأتَهُ فليغتسلْ.” وتُفهم هذه الأحاديث على أن التقبيل قد يؤدي إلى الانفعال والشهوة، مما قد يفسد الصيام إذا حدث الجماع بعد ذلك. وفي هذا الرأي، يحذر الفقهاء من أن تقبيل الزوجة قد يؤدي إلى تهيج الرغبة الجنسية، وبالتالي يؤدي إلى الجماع، مما يفسد الصيام.
-
الرأي الثاني: جواز التقبيل بشرط التحكم في النفس
في المقابل، هناك فقهاء آخرون يرون أن تقبيل الزوجة في رمضان جائز طالما أن الزوجين قادرين على التحكم في أنفسهما وعدم الوقوع في المحظور. فقد ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقبلون زوجاتهم في رمضان دون أن يكون لذلك تأثير على صحة الصيام. هذا الرأي يستند إلى الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”، ما يعني أن العلاقة بين الزوجين أمر مشروع طالما لا يتسبب في فساد الصيام.
وفي هذا الرأي، يُشترط أن يكون الزوجان قادرين على ضبط أنفسهم وتجنب الإفراط في التصرفات التي قد تؤدي إلى الجماع أو إفساد الصيام. فإذا كانت التقبيلة عابرة ولا تثير الشهوة أو تحفز على التفكير بالجماع، فإنها لا تفسد الصيام.
-
الرأي الثالث: التقنين في التقبيل حسب الحاجة والقدرة على التحكم
هناك من الفقهاء من يرى أن التقبيل لا يكون محرمًا في نهار رمضان إذا كان الزوجان قادرين على التحكم في نفسيهما. لكن في حال شعور أحدهما أنه قد يتأثر بشكل شديد من التقبيل، فإنه يجب تجنبه. وبالتالي، يُعتبر هذا الرأي أكثر مرونة في تفسيره، حيث يعتمد على القدرة الفردية على ضبط النفس.
متى يصبح التقبيل مفسدًا للصيام؟
من الضروري أن نفهم أن التقبيل قد يفسد الصيام إذا أدى إلى الاستثارة الجنسية أو رغبة في الجماع. ففي حال تسببت التقبيلة في تحفيز الرغبة الجنسية بشكل قوي لدرجة جعلت الشخص يتخيل أو يفكر في الجماع، فإنه يفسد صيامه.
الأسباب التي قد تجعل التقبيل مفسدًا للصيام:
-
الشهوة المفرطة: إذا كان التقبيل يؤدي إلى شعور قوي بالشهوة أو الإثارة الجنسية، مما قد يدفع الزوجين إلى الجماع.
-
الاندفاع غير المراقب: عندما لا يستطيع أحد الزوجين التحكم في نفسه بعد التقبيل، ويجد أنه اندفع نحو الجماع.
-
التأثير النفسي: إذا كان التقبيل في ذاته قد يثير الذاكرة الجنسية أو يدفع الزوجين لتكرار هذه الأفعال، مما يسبب فقدان التركيز على واجب الصيام.
حكم تقبيل الزوجة في نهار رمضان عند المذاهب الأربعة:
-
المذهب الحنفي: يرى الحنفية أنه لا يجوز للصائم أن يقبل زوجته إذا كانت هذه القبلة قد تؤدي إلى الشهوة، لأن هذا يفتح بابًا للفساد. ولكن إذا كانت القبلة خالية من الإثارة ولم تؤد إلى الشهوة أو التفكير في الجماع، فلا بأس بها.
-
المذهب المالكي: المالكية أكثر تشددًا في هذه المسألة. فهم يرون أن التقبيل في رمضان يُعد مفسدًا للصيام إذا تسبَّب في إثارة الشهوة. وعليه، لا يجوز للمسلم أن يقبل زوجته في النهار إذا كان هذا يتسبب في التفكير أو الشهوة.
-
المذهب الشافعي: الشافعية يشددون على أن التقبيل قد يفسد الصيام إذا تسبَّب في الشهوة المفرطة. وإذا كان التقبيل لا يتسبب في شيء من ذلك، فإنهم يرون أنه لا مانع من تقبيل الزوجة، بشرط أن يكون الصائم قادرًا على ضبط نفسه.
-
المذهب الحنبلي: الحنابلة يوافقون الشافعية في جواز تقبيل الزوجة بشرط أن يكون الشخص قادرًا على التحكم في نفسه. فإذا كانت التقبيلة تؤدي إلى تهيج الرغبة الجنسية، فإنها تكون محرمة.
الآثار النفسية والروحية للصيام:
من المهم أن نلاحظ أن الصيام ليس فقط امتناعًا عن الطعام والشراب، بل هو أيضًا تدريب على التحكم في الرغبات والشهوات. ولذا، فإن ممارسة التقبيل قد تؤثر على روحانية الصيام، حيث قد يجد بعض الصائمين أن التقبيل يشتت تركيزهم الروحي ويجعلهم أقل قدرة على التعبد والتقرب إلى الله.
خلاصة:
في ضوء ما تم استعراضه، نرى أن حكم تقبيل الزوجة في رمضان يعتمد على القدرة الشخصية على التحكم في الشهوة والرغبات. وإذا كانت القبلة لا تؤدي إلى إثارة الشهوة أو التفكير في الجماع، فإنها لا تفسد الصيام. ولكن إذا كانت تؤدي إلى تهيج الرغبات أو التفكير بالجماع، فإن ذلك يُعد مفسدًا للصيام.
لذلك، من الأفضل أن يتجنب الزوجان التقبيل في نهار رمضان إذا كانت هناك أي شكوك بشأن قدرتهما على التحكم في شهواتهما، لضمان سلامة صيامهما.
