حكم تشقير الحواجب في الإسلام

هل تشقير الحواجب حرام؟ تحليل فقهى وثقافى

يعدّ موضوع تشقير الحواجب من الموضوعات التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والاجتماعية على مر السنوات، خاصةً في الدول العربية والإسلامية. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنه ليس هناك مانع من هذا الفعل طالما أنه لا يُعتبر تغييرا في خلق الله، يُصرّ آخرون على تحريمه استناداً إلى بعض الأدلة الشرعية التي تَحْظُر تغيير الشكل أو ملامح الجسم كما خلقها الله. وبين هذا وذاك، يظل السؤال: هل تشقير الحواجب حرام؟ هذا هو ما سنحاول التطرق إليه في هذا المقال بشكل موسع ومتعمق، بالنظر إلى آراء العلماء والمفكرين في هذا الصدد.

أولاً: ما هو تشقير الحواجب؟

تشقير الحواجب هو عملية تجميلية تهدف إلى تفتيح لون الحواجب باستخدام مواد كيميائية لتقليل درجة اللون الداكن أو لتغييرها إلى درجة فاتحة بهدف تحسين مظهر الحواجب وتجميل الوجه. وفي بعض الحالات، قد يتضمن تشقير الحواجب إزالة بعض الشعر الزائد أو تقليص الكثافة بشكل جزئي للحصول على شكل الحواجب المثالي. وقد تستخدم النساء مواد مثل الهيدروجين بيروكسيد لتحقيق هذه الغاية.

ثانياً: موقف الإسلام من عمليات التجميل

إن الإسلام دين يتعامل مع القيم الروحية والأخلاقية بجانب النظافة الشخصية والمظهر الحسن، ولكن يحرص على المحافظة على التوازن بين الجمال الخارجي والداخل. ووفقاً للشريعة الإسلامية، يتم التعامل مع الجمال الجسدي من خلال ضوابط تتماشى مع الحفاظ على فطرة الإنسان كما خلقه الله.

وفي هذا السياق، هناك بعض العمليات التجميلية التي يُسمح بها في الإسلام، مثل قص الشعر، وتقليم الأظافر، والاعتناء بالنظافة الشخصية، طالما أنها لا تؤثر على الهوية الإنسانية الأصلية أو لا تشمل التغيير الكامل في الهيئة التي خلقها الله. أما العمليات التجميلية التي تهدف إلى تغيير ملامح الجسم بشكل جذري أو تَعدّي حدود الفطرة، فتعتبر محظورة.

ثالثاً: تشقير الحواجب بين الجواز والتحريم

لكي نفهم حكم تشقير الحواجب في الإسلام، علينا التوقف عند مفهوم تغيير خلق الله. في القرآن الكريم، ورد قوله تعالى في سورة النساء (الآية 119): “وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ”. وهذه الآية تعدّ من أبرز الآيات التي استدل بها العلماء الذين يرون أن التغيير الجذري للخلق يعتبر محظوراً. وعليه، يشمل هذا التغيير أي عملية تجميلية يمكن أن تؤثر على الهيئة الأصلية للشخص بما يتناقض مع خلقه الفطري.

لكن، وفي المقابل، هناك من يرى أن تشقير الحواجب لا يُعتبر تغييراً جذرياً للخلق، بل هو مجرد تغيير في اللون دون المساس بشكل الحاجب أو وضعه الطبيعي. وهذا الرأي يراه البعض جائزاً، خاصةً إذا كان الهدف هو التجميل دون إفراط أو ضرر.

رابعاً: فتاوى العلماء في حكم تشقير الحواجب

تباينت فتاوى العلماء في حكم تشقير الحواجب بناءً على تفسيرهم لمفهوم تغيير خلق الله ومدى تأثير هذه العمليات التجميلية على المظهر الطبيعي للفرد.

1. رأي العلماء المتشددين:
   العديد من علماء الدين الذين يعتبرون أن تشقير الحواجب حرام استندوا إلى قاعدة “تغيير خلق الله” باعتبار أن التغيير في اللون يعتبر جزءاً من تعديل ملامح الجسم. هؤلاء يرون أن التغيير في اللون مهما كان بسيطاً يشكل نوعاً من التفريط في فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها. ووفقاً لهذا الرأي، قد يندرج تشقير الحواجب ضمن جملة المحرمات التي تتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى أن بعض المواد الكيميائية المستخدمة قد تسبب أضراراً صحية على المدى الطويل.

2. رأي العلماء المعتدلين:
   من جهة أخرى، هناك من العلماء من يرون أن تشقير الحواجب لا يخرج عن المسموح به طالما أنه لا يَشمل تغيير الشكل الفطري للحاجب أو إزالة الشعر بشكل مؤذي. هؤلاء يفرقون بين تغيير لون الشعر وتغيير الشكل الفعلي للحواجب، ويعتبرون أن مجرد تفتيح لون الحاجب لا يندرج تحت مفهوم “تغيير خلق الله”. وفي هذه الحالة، يكون تشقير الحواجب أمرًا جائزاً شريطة أن يتم بحذر، وأن يتم استخدام مواد آمنة لا تضر الجلد أو تؤثر على صحة الفرد.

خامساً: المظاهر الاجتماعية والضغوط الثقافية

علاوة على النظرة الدينية، يتداخل في هذا الموضوع عامل الثقافة الاجتماعية التي تؤثر في مواقف الأفراد نحو عمليات التجميل بشكل عام، ومنها تشقير الحواجب. في المجتمعات الغربية، يعتبر التجميل جزءاً من الحياة اليومية، بل ويشجع عليه في بعض الأحيان كوسيلة للتعبير عن الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس. أما في المجتمعات العربية والإسلامية، فقد يرتبط التجميل في بعض الأحيان بالصورة النمطية أو بالمعايير التي تضعها وسائل الإعلام لتحديد “الجمال” المثالي. مما قد يخلق نوعاً من الضغط الاجتماعي على الأفراد، خاصة النساء، لتبني هذه العادات رغم عدم وضوح حكمها الشرعي.

سادساً: الأبعاد الصحية لتشقير الحواجب

بالإضافة إلى الجوانب الشرعية والاجتماعية، لا يمكننا تجاهل الأبعاد الصحية لتشقير الحواجب. فالمواد المستخدمة لتفتيح الحواجب تحتوي غالباً على مواد كيميائية قد تضر بالجلد إذا لم يتم استخدامها بشكل سليم. من بين هذه المواد، يأتي الهيدروجين بيروكسيد، الذي يمكن أن يسبب التهابات أو حساسية في البشرة، خاصة إذا كانت الحواجب حساسة أو إذا تم استخدامه بكميات كبيرة أو بطريقة غير صحيحة.

وإضافةً إلى ذلك، قد يؤدي التعرض المستمر لهذه المواد إلى مشاكل في صحة العين، وذلك في حال حدوث تسرب للمواد الكيميائية إلى العين أثناء تطبيقها. لهذا، من المهم أن تكون النساء اللواتي يستخدمن هذه المواد حريصات على استخدام منتجات موثوقة واتباع تعليمات السلامة المناسبة.

سابعاً: الخلاصة

إن حكم تشقير الحواجب في الإسلام لا يمكن تحديده بشكل قاطع دون النظر إلى عدة جوانب. من الناحية الدينية، يختلف العلماء في تفسير ما إذا كان تشقير الحواجب يدخل ضمن “تغيير خلق الله” أم لا. فبينما يرى البعض أن هذه العملية غير محمودة لأنها تعد تعدياً على الهيئة الطبيعية للإنسان، يعتقد آخرون أن التفتيح فقط لا يغير من الخلقة الأصلية. ولكن يجب أن تظل بعض النقاط تحت النظر مثل سلامة المواد المستخدمة وحفاظ الشخص على صحته وجماله بشكل طبيعي.

في النهاية، يعد التشاور مع أهل العلم وأخذ رأي الأطباء في مثل هذه الأمور خطوة ضرورية قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بتشقير الحواجب أو أي عملية تجميلية أخرى.