حكم الوقوف بعرفة
الوقوف بعرفة هو أحد أهم أركان الحج، بل هو الركن الأعظم الذي لا يصح الحج بدونه، حتى قال النبي ﷺ: “الحج عرفة”، وهذه العبارة النبوية المختصرة الجامعة قد أجمع العلماء على دلالتها على أن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج كله، ولا يمكن تداركه في عامه ذاك، وعليه أن يعيده في العام الذي يليه إن كان مستطيعًا. يحتل الوقوف بعرفة مكانة محورية في شعائر الحج، ويقع في قلب الشعائر الزمانية والمكانية التي تحكم هذا الركن من أركان الإسلام الخمسة، ويترتب على فقهه الصحيح صحة الحج أو بطلانه.
معنى الوقوف بعرفة
الوقوف بعرفة هو تواجد الحاج في أرض عرفة – ولو لحظة – في أي وقت من وقت الوقوف، بنيّة التعبد لله عز وجل، ويبدأ وقت الوقوف من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر يوم النحر، أي العاشر من ذي الحجة. ويكفي أن يدرك الحاج جزءًا من هذا الوقت، حتى ولو دقيقة واحدة، ليدخل في حكم الوقوف.
ويقع جبل عرفة خارج حدود الحرم، وهو الموضع الوحيد من مناسك الحج الذي يقع خارج مكة المكرمة، وتحديدًا على بعد حوالي 22 كيلومترًا جنوب شرق المسجد الحرام، ويجمع الحجاج هناك بين صلاة الظهر والعصر جمع تقديم وقصرًا، ثم يتفرغون للدعاء والذكر حتى غروب الشمس.
حكم الوقوف بعرفة في الفقه الإسلامي
أولًا: حكم الوقوف بعرفة عند المذاهب الأربعة:
| المذهب | حكم الوقوف بعرفة | هل يُجزئ جزء من الوقت؟ | التدارك إذا فاته |
|---|---|---|---|
| الحنفية | ركن لا يتم الحج بدونه | نعم، إذا وقف لحظة بعد الزوال إلى الفجر | لا يتم حجه، يجب الإعادة |
| المالكية | ركن أساسي من الحج | نعم، بشرط النية | لا حج له بدون عرفة |
| الشافعية | ركن من أركان الحج | يكفي جزء من الليل | يجب القضاء |
| الحنابلة | ركن لا يصح الحج بدونه | نعم، ولو لحظة بعد الزوال | يعيد الحج لاحقًا |
يُستفاد من إجماع المذاهب أن الوقوف بعرفة ليس واجبًا فقط، بل هو ركن لا يُجزئ الحج إلا به، ومن فاته فقد فاته الحج، وهذا ما يدل على أهميته القصوى في ترتيب شعائر الحج.
شروط صحة الوقوف بعرفة
لصحة الوقوف بعرفة عدة شروط أساسية يجب أن تتحقق ليكون الوقوف معتبرًا شرعًا، منها:
-
النية: يجب أن ينوي الحاج الوقوف بعرفة بنية التعبد.
-
التواجد داخل حدود عرفة: لا يُجزئ الوقوف خارج حدود عرفة الشرعية.
-
الوقوف في الوقت المحدد: يجب أن يكون الوقوف بعد الزوال من يوم عرفة وحتى فجر يوم النحر، ومن وقف قبل الزوال لم يصح حجه.
-
التمييز أو البلوغ: لا يُشترط البلوغ، ولكن يُشترط أن يكون المميز واعيًا بنيته.
-
الإسلام والعقل: لا يصح الوقوف من الكافر أو المجنون.
وقت الوقوف بعرفة
الوقت الشرعي للوقوف يبدأ من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة (أي دخول وقت الظهر الشرعي) إلى طلوع فجر يوم العاشر من ذي الحجة (أي يوم النحر). ويكفي أن يدرك الحاج أي لحظة من هذا الوقت بنيّة الوقوف حتى يُحسب له الوقوف شرعًا، ولو كان نائمًا أو مغمى عليه.
أما أفضل وقت الوقوف فهو من بعد صلاة الظهر والعصر جمع تقديم إلى غروب الشمس، وهو الوقت الذي وقف فيه النبي ﷺ في حجة الوداع، وقال: “وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت بعرفة حتى غربت الشمس”.
من لم يقف بعرفة
من لم يقف بعرفة في الوقت المحدد، ولو لعذر قاهر، فلا حج له، ويلزمه إعادة الحج في العام الذي يليه إن كان مستطيعًا. وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، مستدلين بقول النبي ﷺ: “من أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج”، وهذا يعني بالمقابل أن من لم يدرك عرفة قبل الفجر، فقد فاته الحج.
ولا يُغني عنه أي ركن آخر، سواء الطواف أو السعي، كما لا تُقبل منه الفدية كبديل عن الوقوف، وذلك لأن الفدية تجبر ترك الواجب، وليس ترك الركن.
حكم الوقوف بعرفة للنساء والمريض والضعيف
النساء: لا فرق بين الرجل والمرأة في حكم الوقوف بعرفة، فيجوز للمرأة أن تقف بعرفة سواء كانت حائضًا أو نفساء، لأن الطهارة ليست شرطًا للوقوف بعرفة، وإنما هي شرط للطواف فقط.
المريض والضعيف: يجوز للمريض أو الضعيف أن يُنقل إلى عرفة على نقالة أو في سيارة أو غير ذلك، ويُجزئه ذلك ما دام قد وقف في عرفة في وقت الوقوف.
ما يُستحب في يوم عرفة أثناء الوقوف
-
الجمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين.
-
التوجه إلى القبلة والدعاء.
-
الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد.
-
رفع اليدين بالدعاء والابتهال.
-
قراءة القرآن وتلاوة الأدعية المأثورة.
-
تذكّر موقف عرفة العظيم ومغفرة الذنوب.
وقد ورد في الحديث: “ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟”.
مسائل فقهية حول الوقوف بعرفة
1. هل يشترط المبيت في عرفة؟
لا يُشترط المبيت، وإنما يكفي التواجد في أي لحظة في الوقت الشرعي. ولو دخل عرفة في آخر دقيقة من الليل وخرج منها قبل الفجر، أجزأه ذلك شرعًا.
2. هل الوقوف على جبل الرحمة شرط؟
لا يُشترط الوقوف على جبل الرحمة، ولا يُطلب من الحاج الصعود إليه، لأن عرفة كلها موقف، كما قال النبي ﷺ.
3. من دخل عرفة وخرج منها قبل غروب الشمس؟
من وقف نهارًا وخرج قبل الغروب – بدون عذر – فقد ترك السنة، وعليه دم عند بعض الفقهاء، لكن حجه صحيح إن وقف جزءًا من الليل، والأكمل الجمع بين النهار والليل.
4. من لم يصل إلى عرفة إلا بعد الغروب؟
من وصل إلى عرفة بعد غروب الشمس ولكن قبل الفجر، فقد أدرك الحج باتفاق العلماء.
5. من وقف قبل الزوال ثم خرج؟
الوقوف قبل الزوال لا يُعتبر وقوفًا شرعيًا، ولا يصح به الحج.
أهمية الوقوف بعرفة في ضوء السنة النبوية
الوقوف بعرفة كان محل عناية خاصة في سنة النبي ﷺ، ففي حجة الوداع خَطب النبي ﷺ خطبته الشهيرة يوم عرفة، وعلّم فيها الصحابة معالم الدين، وبيّن خلالها حرمات الدماء والأعراض والأموال، وأرسى المبادئ الكلية للشريعة. وقد نزلت في ذلك اليوم قوله تعالى:
﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾ [المائدة: 3]، وهي آية عظيمة تدل على أن يوم عرفة ليس مجرد وقوف مكاني أو زمني، بل هو يوم مفصلي في تاريخ الإسلام.
مقارنة بين الركن والواجب في الحج
من المهم في هذا الموضع أن نفرق بين الركن والواجب في مناسك الحج:
| العنصر | الركن | الواجب |
|---|---|---|
| التعريف | ما لا يصح الحج بدونه | ما يُجبر تركه بدم |
| الحكم | بطلان الحج إذا فُقد | يصح الحج مع وجوب الفدية |
| مثال | الوقوف بعرفة | المبيت بمنى أو رمي الجمرات |
| التدارك | لا يمكن تداركه بعد فواته | يُجبر بدم |
| من تركه | يجب عليه الإعادة | يجب عليه دم |
خلاصات فقهية حول الوقوف بعرفة
-
الوقوف بعرفة ركن لا يصح الحج إلا به بإجماع أهل العلم.
-
يبدأ وقت الوقوف من زوال يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر من ذي الحجة.
-
لا يُشترط أن يقف الحاج كل الوقت، بل يُجزئ أي لحظة.
-
لا يُشترط الطهارة للوقوف، فيصح من الحائض والمريض.
-
من فاته الوقوف فقد فاته الحج ويجب عليه الإعادة.
-
الأفضل الجمع بين النهار والليل في الوقوف بعرفة.
-
لا فرق بين الرجال والنساء في حكم الوقوف.
-
لا يُشترط الصعود على جبل الرحمة، بل عرفة كلها موقف.
المصادر
-
ابن قدامة، المغني
-
النووي، المجموع شرح المهذب
