حكم اللعب في الإسلام

اللعب في الإسلام: حكمه، آراء العلماء، وتفسير النصوص الشرعية

اللعب من الظواهر الإنسانية التي ترافق الإنسان منذ صغره وحتى كبروه، فهو ليس مجرد نشاط يهدف إلى التسلية فقط، بل يشمل جوانب نفسية واجتماعية هامة تؤثر في تكوين الشخصية وتوازنها النفسي. ومع ذلك، فإن الحديث عن حكم اللعب في الإسلام يثير جدلاً واسعاً بين الناس، فتارة يُسمع أن اللعب حرام، وأخرى يُقال إنه مباح مع ضوابط، وأحياناً يُنظر إليه كعمل حسن إن كان فيه فائدة وترويح عن النفس. فهل اللعب حرام فعلًا؟ ومن أين جاءت هذه الفتاوى؟

مفهوم اللعب وأنواعه في اللغة والشرع

اللعب في اللغة هو التسلية واللهو، ويقال لعب الولد يلعب بمعنى لهو وتسلّى. وفي الشرع، اللعب هو كل ما يقوم به الإنسان من فعل يهدف إلى الترويح عن النفس من خلال لهو أو تسلية، سواء أكان هذا الفعل جسديًا كالجري والقفز أو ذهنيًا كالألعاب الذهنية والترفيهية.

ومن المهم التفرقة بين اللعب كحركة ونشاط طبيعي وضروري للإنسان، وبين اللعب الذي قد يؤدي إلى التبذير أو إضاعة الوقت أو التعدي على الحقوق.

اللعب في القرآن الكريم والسنة النبوية

لم يرد في القرآن الكريم نص صريح يحرم اللعب بشكل عام، بل وردت إشارات تدل إلى أن اللعب والترويح عن النفس جزء من الحياة الإنسانية، ومن ذلك قوله تعالى في سورة لقمان:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هزواً ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (لقمان: 6)

هذه الآية تذكر أن هناك من يشتري “لهو الحديث” بمعنى كلام اللهو والباطل الذي يضل عن سبيل الله، لكن هذا لا يعني تحريم اللعب بجميع أشكاله، بل إشارة إلى اللعب أو التسلية التي تُلهي عن الحق وتبعد الإنسان عن العبادة والطاعة.

أما السنة النبوية، فقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد أن اللعب مسموح به في حدود معينة، فقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يلهو مع أطفاله ويشجع على اللعب، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعب مع الحسن والحسين” (رواه البخاري).

وهذا يدل على أن اللعب له جانب إيجابي في تربية الأطفال وترفيههم.

مواقف العلماء من حكم اللعب

اتخذ العلماء مواقف متعددة بشأن اللعب، وهذه المواقف تتفاوت حسب نوع اللعب وتأثيره على الإنسان:

1. القول بتحريم اللعب في بعض الحالات:
   
   ذهب بعض العلماء إلى تحريم اللعب إذا كان فيه ضرر أو إضاعة للوقت، أو يؤدي إلى ترك الفرائض والواجبات الدينية، أو إذا كان اللعب فيه منكرات أو مخالفات شرعية مثل القمار أو أفعال غير أخلاقية. كما حذروا من اللعب الذي يستهلك الإنسان في أمور تافهة تلهيه عن العمل والعبادة.

2. القول بجواز اللعب مع الضوابط:
   
   وهذا هو الرأي الأكثر قبولًا عند العلماء، حيث يرون أن اللعب مباح إذا كان فيه ترويح عن النفس، ولا يسبب تعطيلًا للواجبات الشرعية، ولا يتضمن محرمات كالغيبة أو القذف أو إضاعة المال باللعب المحرم مثل القمار.
   
   يقول الإمام النووي في كتابه “الأذكار”:
   
   “اللعب المباح الذي لا يؤدي إلى ضرر ولا يمنع من حق واجب فهو من الترويح المباح”.

3. القول بأن اللعب من سنن الفطرة:
   
   ويرى بعض الفقهاء أن اللعب جزء من الفطرة البشرية، وهو وسيلة ضرورية لتنمية الشخصية، خاصة عند الأطفال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلهو مع أصحابه وأطفاله، مما يدل على مشروعية اللعب.

أنواع اللعب التي اختلف فيها الحكم

• اللعب البدني كالجري والقفز:
  
  مباح ومشجع عليه، خاصة للأطفال، لأن فيه تنمية الجسم وتحريك العضلات، وهو من مقومات الصحة النفسية والجسدية.

• اللعب الذهني كالألعاب الذهنية والألغاز:
  
  مباح أيضاً، ويمكن أن يكون مفيدًا لتنمية العقل وزيادة المعرفة، بشرط ألا يكون فيه مضيعة للوقت أو إهمال للواجبات.

• اللعب المحرم كالقمار وألعاب الحظ:
  
  حرام قطعًا، لأن القمار فيه إضاعة للمال وأكلٌ بالباطل، وهذا محرم في الإسلام نصًا.

• اللعب الذي يسبب الإضرار بالنفس أو بالآخرين:
  
  مثل الألعاب التي تسبب العنف أو الإدمان أو تؤدي إلى تعطيل الأعمال والعبادات، فهذا لا يجوز.

الحكم الشرعي للعب

يمكن تصنيف حكم اللعب في الإسلام وفق ما يلي:

أثر اللعب على الإنسان من منظور إسلامي ونفسي

اللعب لا يعد فقط تسلية، بل له أبعاد نفسية واجتماعية عميقة، فهو:

• وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية وتخفيف التوتر.

• يساعد على تنمية مهارات التواصل والتعاون مع الآخرين.

• يحسن المزاج ويعزز الشعور بالسعادة.

• يطور التفكير الإبداعي والذكاء.

والدين الإسلامي يعترف بهذه الفوائد، لذا يحث على اللعب المحمود الذي لا يتعارض مع الضوابط الشرعية.

استنتاجات عامة

اللعب في الإسلام ليس محرّمًا كليًا، وإنما تحكمه ضوابط وقواعد توازن بين حق الإنسان في الترويح عن نفسه وواجباته الدينية والدنيوية. الاعتدال في اللعب والتأكد من عدم تأثيره على أداء العبادات أو المسؤوليات، وعدم الوقوع في المحرمات مثل القمار، هو الموقف الشرعي الذي يتفق عليه جمهور العلماء.

فاللعب الصحي المتوازن هو سنة من سنن الفطرة، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشجع على اللعب والترويح، خاصة للأطفال، لأنه من وسائل التربية الجيدة وتكوين شخصية سليمة. أما اللعب المفرط أو المحرم فهو مما يجب التنبه له والابتعاد عنه.

المراجع:

1. تفسير ابن كثير، سورة لقمان، الآية 6.

2. صحيح البخاري، حديث عائشة رضي الله عنها عن لعب النبي مع الحسن والحسين.

3. “الأذكار” للإمام النووي، في باب ذكر اللعب.