حكم الرضاعة في رمضان

حكم الرضاعة الطبيعية في رمضان

الرضاعة الطبيعية هي عملية طبيعية تقوم بها الأم لإطعام طفلها الرضيع من خلال ثدييها. وقد ذكر القرآن الكريم في عدة آيات ما يؤكد على أهمية الرضاعة، ومنها قوله تعالى في سورة البقرة: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَولَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ” (البقرة: 233). ومن هنا يظهر مدى أهمية الرضاعة في الشريعة الإسلامية. لكن السؤال الذي يثير الجدل بين الكثيرين من المسلمين هو حكم الرضاعة الطبيعية في شهر رمضان، وما إذا كان لها تأثير على صيام الأم المرضعة.

1. تأثير الرضاعة على الصيام

من المعروف أن صيام شهر رمضان هو فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى على المسلمين، ويشمل الصيام الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. لكن في حال كانت الأم المرضعة في حالة من الجوع أو العطش الشديد بسبب الرضاعة الطبيعية، قد يتساءل البعض عن حكمها في هذا الشهر الفضيل.

الرأي الأول: الرضاعة لا تبطل الصيام

أغلب الفقهاء في المذاهب الأربعة (الحنفي، المالكي، الشافعي، والحنبلي) يتفقون على أن الرضاعة الطبيعية لا تبطل الصيام. فيقولون إن الأمهات المرضعات اللاتي يرضعن أطفالهن طوال ساعات النهار يمكنهن الصيام كما هو الحال مع غيرهن من المسلمين. إلا أنه في حال شعرت الأم بأنها لا تستطيع الصيام بسبب الإرهاق أو العطش الشديد الناتج عن الرضاعة، يجوز لها الإفطار في رمضان.

الرأي الثاني: إذا شعرت الأم بضعف شديد جراء الرضاعة، يجوز لها الإفطار

رغم أن الرضاعة الطبيعية في حد ذاتها لا تبطل الصيام، إلا أن هناك من يرى أن الأم المرضعة التي تشعر بالإرهاق الشديد بسبب الرضاعة أو الجفاف قد تكون في حالة تجعلها غير قادرة على إتمام الصيام. في هذه الحالة، يجوز لها الإفطار بناءً على حالة الضرورة التي تمر بها. مثل هذه الفتاوى تشير إلى أنه لا يجب أن تشعر الأم بالمعاناة الشديدة أثناء صيامها. لكن يجب أن تُكمل صيامها إذا كانت قادرة على تحمله، وإذا استمر الشعور بالجوع والعطش، يمكن للأم أن تأخذ فتوى خاصة بناءً على حالتها الصحية.

2. حكم الإفطار بسبب الرضاعة الطبيعية

إذا قررت الأم الإفطار بسبب الرضاعة أو إذا شعرت بضعف شديد، فإن الفقهاء اتفقوا على أن إفطارها لا يكون مُلزمًا إلا في حالات معينة. بعض الحالات التي قد تبرر الإفطار تشمل:

• شعور الأم بالدوار أو الإغماء بسبب الإرهاق الشديد: إذا شعرت الأم بأنها غير قادرة على تحمل الصيام نتيجة الرضاعة الطبيعية.

• إذا كانت الرضاعة تتسبب في جفاف حاد أو عدم القدرة على التركيز، وهو ما قد يهدد صحة الأم أو يضعف قدرتها على أداء العبادة الأخرى.

3. الكفارة والفدية

إذا أفطرت الأم بسبب الرضاعة الطبيعية، فلا يعتبر ذلك إثمًا إذا كانت قد تعبت أو تعرضت لحالة صحية تستدعي الإفطار. لكن في حال كان الإفطار بسبب حالة صحية عارضة أو صعوبة لا يمكن تجنبها، فإن الأم يمكنها أن تخرج الفدية عن الأيام التي أفطرت فيها.

إحدى الآراء الفقهية تقول إن الأم التي أفطرت يجب عليها إطعام مسكين عن كل يوم أفطرته، وهذه الفدية تُعطى للمحتاجين في شكل طعام. لكن إذا كانت الأم قادرة على الصيام في وقت لاحق من الشهر أو بعد انقضاء فترة الرضاعة، فيمكنها تعويض الأيام التي أفطرتها.

4. حالات خاصة للمرضعات

قد تطرأ بعض الحالات الخاصة التي تحتاج إلى استشارة فردية، مثل:

المرضع التي تقوم بإرضاع طفلين:

إذا كانت الأم مرضعة لطفلين وكانت الرضاعة تستغرق وقتًا أطول أو كانت تسببت في الجفاف والإرهاق، فقد تكون في حالة غير قادرة على الصيام. في هذه الحالة، يمكنها الإفطار واتباع الإرشادات الطبية أو الفقهية الخاصة بوضعها.

الرضاعة الطبيعية في حالات الحمل:

إذا كانت الأم الحامل والمرضع في الوقت نفسه، فهي قد تتعرض لمشاكل صحية أكبر نتيجة الجوع والعطش بسبب صيامها. ولذلك يجوز لها الإفطار في رمضان، ويمكنها تعويض الأيام التي أفطرت فيها بعد انقضاء فترة الحمل أو الرضاعة.

5. نصائح للأم المرضعة أثناء رمضان

إذا كانت الأم المرضعة ترغب في الصيام خلال رمضان وتخشى تأثيره على صحتها أو صحة طفلها، فيمكنها اتباع بعض النصائح التي قد تساعدها في الحفاظ على صحتها أثناء الصيام، مثل:

• شرب كمية كبيرة من الماء بين الإفطار والسحور: لتجنب الجفاف الناتج عن الرضاعة.

• تناول غذاء غني بالفيتامينات والمعادن: مثل الخضروات والفواكه والبروتينات التي تساعد على تعزيز الطاقة.

• توزيع الوجبات بشكل متوازن: بحيث يتم تناول وجبة خفيفة قبل السحور ووجبة متكاملة في الإفطار.

6. الرأي الطبي في الصيام والرضاعة الطبيعية

فيما يتعلق بالجوانب الطبية، قد تؤثر الرضاعة الطبيعية على الأم المرضعة أثناء الصيام، خاصة إذا كانت تعاني من جفاف أو نقص في التغذية. في هذه الحالات، ينصح الأطباء بتناول غذاء متوازن وشرب السوائل بشكل مستمر بين الإفطار والسحور للحفاظ على صحة الأم والطفل. إذا كانت الرضاعة تسبب ضغطًا شديدًا على الأم، يمكن أن تؤثر سلبًا على قدرتها على الصيام بشكل آمن، وبالتالي قد يوصي الطبيب بالإفطار.

7. خلاصة

من خلال هذا الاستعراض، نجد أن الرضاعة الطبيعية لا تبطل الصيام في رمضان، إلا إذا كانت الأم تشعر بضعف شديد أو تعرضت لحالة صحية تستدعي الإفطار. في هذه الحالة، يمكن للأم الإفطار ومن ثم تعويض الأيام التي أفطرتها بعد انتهاء فترة الرضاعة. ولكن من المهم أن تستشير الأم الطبيب أو المفتي إذا كانت هناك أي مشكلات صحية قد تؤثر على قدرتها على الصيام.