حكم البسملة في وسط السورة: دراسة فقهية وتفسيرية
تُعد البسملة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) من أخص العبارات التي نطق بها القرآن الكريم، وهي تبدأ بها غالبية سور القرآن الكريم ما عدا سور قليلة جدًا. تكررت البسملة في بداية العديد من السور، إلا أن الحديث عن حكم البسملة في وسط السورة يحمل دلالات فقهية وتفسيرية عميقة. في هذا المقال، سنعرض بشكل موسع حكم البسملة في وسط السورة مع النظر في الأسس الفقهية والتفسيرية المتعلقة بها، ونتناول الآراء المختلفة التي وردت في هذا الشأن.
مفهوم البسملة في القرآن الكريم
البسملة هي عبارة قصيرة مؤلفة من ثلاثة كلمات: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”، ويعود أصلها إلى اللغة العربية من الجذر “سَمَ”، الذي يعني بداية أو شروع. وبالتالي، فالبسملة تعتبر بداية لأي فعل أو أمر في القرآن الكريم، إذ تبدأ بها معظم السور، باستثناء سورة التوبة التي لا تبدأ بالبسملة.
البسملة تعكس معنى مهمًا في الإسلام، حيث تُستعمل في كل فعل يبدأه المسلم تقديسًا لله وتوكلاً عليه. فهي تعبير عن الاستعانة بالله وطلب الرحمة والرأفة منه في أي فعل أو قول.
حكم البسملة في وسط السورة
الحديث عن حكم البسملة في وسط السورة يرتبط بمجموعة من النقاط الفقهية والتفسيرية التي تقتضي فهمًا عميقًا لمواضع هذه الكلمة في القرآن الكريم. يختلف الحكم في هذا الموضوع بناءً على الاجتهادات الفقهية وطرق تفسير القرآن الكريم.
-
الآراء الفقهية حول البسملة في وسط السورة
الفقهاء اجتهدوا في المسائل المتعلقة بحكم البسملة، خاصة في مواضعها داخل السور. وقد تنوعت الآراء الفقهية في هذا الصدد بين قائل بالوجوب، وآخر يرى أنها مستحبة، ومنهم من يراها جائزة.
-
القول بوجوب البسملة في وسط السورة: يرى بعض الفقهاء أن البسملة يجب أن تكون في وسط السورة حيث وردت في ذلك دلالة على التوقف عند كل بداية جديدة في المعنى أو الموضوع الذي تعرضه السورة. إذ أنه عندما يذكر الإنسان أو يقرأ جزءًا من القرآن متصلًا بآخر، يجب أن يبدأ بالبسملة لإظهار التجديد في المعنى وإعادة التقديس لله، وإظهار بداية جديدة.
-
القول باستحباب البسملة في وسط السورة: هناك رأي آخر يعتبر أن البسملة في وسط السورة ليست واجبة، ولكن يُستحب قولها في حال الانتقال بين أجزاء السورة أو إذا أراد القارئ التوكُّل على الله في بداية كل فصل من الفصول التي تحتوي عليها السورة.
-
القول بالجواز: يرى البعض أن البسملة في وسط السورة يجوز قولها في حال كان القارئ يريد فصل موضوع عن آخر، حيث تكون بمثابة فاصل معنوي بين الجزئين. في هذا الرأي، لا تُفرض البسملة على القارئ أو المسلم إلا عند الحاجة لتوضيح المعنى.
-
التفسير اللغوي والشرعي لحكم البسملة في وسط السورة
البسملة في القرآن الكريم لها دلالة معنوية واضحة، فهي تمثل الاستعانة بالله والاعتراف برحمته. وعند النظر إلى القرآن من زاوية تفسيرية، نجد أن كل سورة تبدأ بالبسملة تشد انتباه القارئ إلى الربط بين العمل البشري والتوجيه الإلهي. في وسط السورة، تُستخدم البسملة لتحديد نوع الفاصل الذي يطرأ في الموضوع.
-
فاصل موضوعي: في القرآن الكريم، كما في بعض السور التي تتعرض إلى عدد من المواضيع المختلفة، تُستخدم البسملة كعلامة تميز الفصل بين موضوع وآخر. فمثلًا، يمكن أن تتغير موضوعات السورة بين الوصف والحديث عن بعض الأنبياء أو الإشارة إلى قصص تاريخية. وبالتالي، تُعد البسملة أداة لفصل بين هذه المواضيع.
-
دلالة على البداية والختام: من ناحية أخرى، البسملة تعطي إحساسًا بوجود بداية جديدة لكل فقرة، وبالتالي تمثل التقديس لله وتفويض الأمور إليه عند كل نقطة تحول.
-
المواقف التي يتم فيها استخدام البسملة في وسط السورة
من الأمثلة المشهورة على وجود البسملة في وسط السورة هي تلك التي تتكرر في السورة التي تبدأ بها البسملة مثل سورتي النمل والفاتحة. في سورة النمل، وردت البسملة مرتين: واحدة في بداية السورة، وأخرى عند بداية آية متعلقة بالحديث عن رسالة النبي سليمان عليه السلام.
-
سورة النمل: في هذه السورة، نجد أن البسملة تكررت في بداية السورة وفي وسطها عند الحديث عن حوار النبي سليمان مع الطيور والنمل. وهذا يعد بمثابة إشارة على الفصل بين الحديث عن الأنبياء والتوجيهات الموجهة إليهم.
-
سورة الفاتحة: البسملة تفتتح السورة، ولكن لم يتم تكرارها في وسط السورة، مما يدل على أنها تمثل بداية القارئ وطريقه في قراءة القرآن.
-
تأثير البسملة على فهم السياق القرآني
البسملة في القرآن تؤدي دورًا مهمًا في فهم السياق القرآني وتوجيه التأويلات التفسيرية. فقد كان الصحابة والتابعون يستخدمونها للتفرقة بين مواضيع السور. كما أن بعض الفقهاء اعتمدوا على البسملة لتوضيح كيفية الانتقال من مرحلة إلى أخرى في تفسير الآيات.
يعتبر العديد من العلماء أن البسملة في وسط السورة تكون بمثابة إشارة إلى أن الآيات التي تليها هي جزء من موضوع جديد أو دلالة على تحول في التوجيه الإلهي.
-
البسملة في قراءة القرآن والتلاوة
عند قراءة القرآن، يُستحب للمسلم أن يبدأ بالبسملة قبل الشروع في قراءة الآيات، سواء في بداية السورة أو في وسط السورة، وذلك وفقًا للسنة النبوية. وبالرغم من أن الحكم الفقهي في هذا السياق قد يختلف من مذهب إلى آخر، إلا أن تعبير “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ” يبقى جزءًا من سلوك المسلم في استحضار الله أثناء التلاوة.
الخاتمة
إن حكم البسملة في وسط السورة يتطلب فهمًا عميقًا للبعد الفقهي والتفسير القرآني، حيث تظهر البسملة كعلامة على بداية جديدة لكل جزء من السورة. فبجانب كونها تعبيرًا عن الاستعانة بالله ورحمته، فهي أيضًا تمثل فصلًا بين المواضيع المختلفة التي تتناولها السورة.
