حكم البسملة في الصلاة
البسملة، وهي قول “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”، تعد من أهم العبارات في الدين الإسلامي، إذ إنها ليست مجرد جملة افتتاحية، بل هي تعبير يحمل معانٍ عميقة في التشريع الإسلامي. في هذا المقال، سوف نناقش حكم البسملة في الصلاة، ونتناول آراء الفقهاء حولها، وهل هي واجبة أو مستحبة، فضلاً عن أدلتها الشرعية، وما يترتب على قولها أو تركها في الصلاة.
مفهوم البسملة ودلالتها في الشريعة الإسلامية
البسملة هي قول “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”، وهي عبارة افتتاحية تبدأ بها العديد من السور في القرآن الكريم، باستثناء سورة التوبة. يُفهم من البسملة أن المسلم يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى في جميع أعماله ونواياه، معترفًا برحمنية الله ورحيميته.
الكلمة “بِسْمِ” تأتي بمعنى “باسم”، والمراد بها هو الدعاء بالبركة والتوفيق عند بدء أي فعل أو أمر. والاسم “اللَّهِ” يشير إلى الذات الإلهية، وهو الاسم الأعظم في الإسلام، الذي لا يُذكر إلا لإثبات وحدانية الله عز وجل. أما “الرَّحْمَنِ” و”الرَّحِيمِ”، فهما صفتان من صفات الله، تعبران عن سعة رحمته وعطفه على عباده، وتظهر دلالتهما في كل جوانب الحياة اليومية للمسلم.
حكم البسملة في الصلاة: آراء الفقهاء
ينقسم الفقهاء في حكم البسملة في الصلاة إلى عدة آراء بناءً على فهمهم للسنة النبوية، وتفسيرهم للآيات القرآنية، وأدلة الحديث الشريف. سنتناول أبرز هذه الآراء وتفاصيلها في النقاط التالية:
-
الرأي الأول: وجوب قول البسملة في الصلاة
يرى بعض الفقهاء، وخاصة في المذهب الشافعي، أن البسملة واجبة في الصلاة. يستند أصحاب هذا الرأي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح قراءته في الصلاة بذكر البسملة، وذلك في العديد من الأحاديث الشريفة التي وردت عن الصحابة. من أبرز هذه الأحاديث ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه في الحديث الذي قال فيه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة”.
وفقًا لهذا الرأي، فإن ترك البسملة في الصلاة يعتبر من قبيل الإخلال بالواجب في الصلاة، وقد يترتب عليه نقص في أجر الصلاة أو عدم صحتها في بعض الحالات.
-
الرأي الثاني: استحباب البسملة في الصلاة
وفقًا للمذهب المالكي وبعض أئمة الحنفية، فإن البسملة ليست واجبة في الصلاة، بل مستحبة فقط. هؤلاء الفقهاء يرون أن البسملة على الرغم من أنها بداية للسور في القرآن الكريم، إلا أنه لا يشترط في الصلاة قولها بشكل مستمر عند بداية قراءة السور.
إحدى الأدلة التي يستند إليها هذا الرأي هي الأحاديث التي تفيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يترك البسملة أثناء الصلاة، وخاصة في السور الطويلة. وبالتالي، يرون أن ترك البسملة في الصلاة لا يفسدها ولا ينقص من أجرها. بل يعد من باب التيسير في أداء الصلاة.
-
الرأي الثالث: البسملة تكون واجبة في الفاتحة فقط
من الآراء الشائعة بين بعض العلماء في المذهب الحنفي، أن البسملة يجب أن تقال فقط في سورة الفاتحة، بينما يمكن تركها في السور الأخرى من الصلاة. يؤكد هذا الرأي أن الفاتحة هي السورة الأساسية في الصلاة التي يبدأ بها المسلم صلاته، وبالتالي فإن البسملة جزء أساسي من قراءتها.
إلا أن هذا الحكم قد يختلف عند بعض العلماء الذين يقتصرون على الفاتحة في حالة إيمانهم بأن البسملة هي آية من آيات السورة في القرآن الكريم.
-
الرأي الرابع: البسملة غير مشروعة في الصلاة
أخيرًا، هناك رأي للفقهاء الذين يرون أن البسملة ليست مشروعة في الصلاة، بل يجب على المسلم أن يقتصر على قول “الحمد لله” في بداية سورة الفاتحة، وذلك بناء على ما ورد عن الصحابة والتابعين في بعض رواياتهم. ومن أبرز الأدلة على ذلك الحديث الشريف عن ابن عباس رضي الله عنه، حيث قال: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة، وكان الصحابة في أغلب الحالات لا يذكرونها في الصلاة”.
البسملة والإمام والمأموم
تختلف بعض التفاصيل في حكم البسملة باختلاف كون الشخص إمامًا أو مأمومًا في الصلاة. في الصلاة الجماعية، يختلف حكم البسملة حسب المذهب المتبع. في المذهب الشافعي، يُستحب للمأموم أن يردد البسملة خلف الإمام إذا ذكرها في القراءة، إلا إذا كان الإمام لا يذكرها، ففي هذه الحالة يكون من الأفضل للمأموم أن يتبع ما يقوم به الإمام.
أما في المذهب الحنبلي، فيُستحب للمأموم أن يلتزم بما يقوم به الإمام من حيث البسملة. إذا قال الإمام “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ” في بداية القراءة، يسن للمأموم أن يتبع ذلك، وإذا لم يذكر الإمام البسملة، فإن المأموم يتابع في صمته.
الأدلة الشرعية المتعلقة بالبسملة في الصلاة
فيما يتعلق بالأدلة الشرعية حول البسملة، يمكن تقسيمها إلى قسمين: أدلة قرآنية وأدلة حديثية.
-
الأدلة القرآنية: يُذكر في القرآن الكريم أن البسملة جزء من السور ما عدا سورة التوبة، حيث قال الله عز وجل في بداية العديد من السور: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”. ومن هنا، يُفهم أن البسملة هي جزء أساسي من السور التي تحتوي عليها، مما يعزز من موقف الفقهاء الذين يرون أن البسملة جزء من الصلاة.
-
الأدلة الحديثية: ورد العديد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على أنه كان يبدأ قراءته بذكر البسملة في الصلاة. ومن أشهر هذه الأحاديث، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا قرأتم فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم”.
ترك البسملة في الصلاة وأثره
من المهم أن نوضح أن ترك البسملة في الصلاة قد يختلف حكمه باختلاف الآراء الفقهية. في المذهب الشافعي، يُعتبر ترك البسملة في الصلاة من قبيل التقصير في أداء العبادة، وقد يؤدي إلى نقص في أجر الصلاة أو عدم اكتمالها. بينما في المذهب المالكي أو الحنفي، لا يترتب على ترك البسملة أي أثر سلبي على صحة الصلاة، لأنها ليست من أركان الصلاة ولكنها من المستحبات التي تندب في بعض الأحيان.
الخلاصة
في النهاية، يتضح أن حكم البسملة في الصلاة يختلف بناءً على اختلاف الآراء الفقهية. بينما يصر بعض الفقهاء على أنها واجبة أو مستحبة في الصلاة، يراها آخرون غير ضرورية من الناحية الشرعية. تبقى البسملة في الصلاة أحد الموضوعات التي تبرز التنوع الفقهي في تعامل العلماء مع مختلف مسائل العبادة، حيث يعتبرها البعض جزءًا أساسيًا من الصلاة بينما يعتبرها آخرون مستحبًا فقط.
وبناء على ذلك، يجب على المسلم أن يتبع ما يرتاح له قلبه من هذه الآراء الفقهية، مع مراعاة ما هو متبع في المذهب الذي يتبعه، وذلك في إطار الاجتهادات الشرعية التي تسعى إلى تحقيق التيسير والراحة للعباد.
