حكم الإفطار في رمضان للمبتعث

حكم الإفطار في رمضان للمبتعث في سفر

يعد شهر رمضان المبارك من أعظم شهور السنة في الإسلام، حيث يحرص المسلمون على صيام أيامه إيمانًا واحتسابًا، وأداءً لفريضة من الفرائض التي فرضها الله تعالى على عباده. إلا أن بعض الظروف قد تطرأ على المسلم وتدفعه للبحث عن الرخص التي منحها الشرع في بعض الحالات، مثل السفر، مما يدفع الكثير من المبتعثين إلى التساؤل عن حكم الإفطار أثناء وجودهم في الخارج في إطار بعثة دراسية أو رحلة عمل.

في هذا المقال، سنقوم بشرح حكم الإفطار في رمضان للمبتعثين في سفر وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، مع إيضاح مختلف الآراء الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع، بالإضافة إلى تفسير النصوص الشرعية المتعلقة بذلك، وكيفية تطبيق هذه الأحكام في الواقع المعاصر.

1. الإفطار في السفر: الرخصة التي منحها الشرع

من خلال النصوص الشرعية، يتبين أن الله سبحانه وتعالى قد منح رخصة الإفطار للمسافر في شهر رمضان، وهي رخصة تتعلق بالمشقة التي قد يتعرض لها الصائم أثناء السفر، وهو ما يجعل هذا الأمر من أعظم مظاهر رحمة الله بعباده. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

“وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة: 184).

وعليه، فإن الصوم واجب على المسلم في رمضان إلا إذا كانت هناك مشقة أو ضرر يترتب على الصيام، وفي هذه الحالة، أباح الله تعالى الإفطار. فقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:

“إِنَّ اللَّهَ صَارِمٌ فِي رَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ”، ومن هذه الرحمة أن أباح الإفطار في السفر للمسافر لما قد يترتب عليه من مشقة.

2. حكم الإفطار للمبتعث في السفر

يُعتبر المبتعث في حكم المسافر الشرعي من الناحية الفقهية، لأن المغتربين في الخارج يقضون فترة طويلة من الزمن بعيدًا عن موطنهم، ويُعاملون معاملة المسافرين، إذ أن السفر في الفقه الإسلامي يُعرف بالخروج عن البلد مسافة معينة تقدر بنحو 80 إلى 90 كم تقريبًا، وهذه المسافة متعارف عليها في معظم المذاهب.

إذن، إذا كان المبتعث يقيم خارج وطنه لأغراض الدراسة أو العمل، ويجد في ذلك مشقة مع الصيام بسبب اختلاف الأجواء أو طول النهار أو الظروف التي قد يمر بها، فإنه من المباح له أن يفطر ويقضي الأيام التي أفطر فيها بعد عودته، أو يمكنه أن يصوم في وقت لاحق إن كان له ظروف تسمح بذلك.

3. شروط الإفطار في رمضان للمسافر

من أجل أن يكون الإفطار في رمضان للمسافر جائزًا، يجب أن تتوافر بعض الشروط التي جعلها العلماء أساسًا لهذا الحكم:

1. أن يكون السفر طويلًا:
   السفر الذي يتيح للمسلم الإفطار في رمضان هو السفر الذي يعادل مسافة 80 إلى 90 كم، أي ما يعادل المسافة التي يعتبرها الفقهاء “سفرًا”.

2. أن يكون السفر لأمر مشروع:
   يختلف السفر المشروع عن السفر الذي لا يندرج تحت الضرورة الشرعية، لذلك لا يجوز الإفطار لمجرد السفر غير الضروري. يُشترط أن يكون السفر إما للعمل أو للدراسة أو لقضاء حاجة مشروعة.

3. أن تكون هناك مشقة في الصيام:
   إذا كان السفر مصحوبًا بمشقة كبيرة على المسافر كأن يكون في سفر طويل وشاق أو في جو حار جدًا أو في ظروف قد تؤثر على صحته، فإن ذلك يعد سببًا شرعيًا لإباحة الإفطار.

4. كيفية الإفطار في السفر

يجب على المبتعث الذي يقرر الإفطار في رمضان بسبب السفر أن يفهم طريقة تعامله مع هذه الرخصة بشكل صحيح. وتتمثل الخطوات الأساسية في:

1. الإفطار عند بداية السفر:
   يبدأ المسافر الإفطار بمجرد أن يبدأ رحلته ويخرج من حدود المدينة أو البلد، كما أشار إلى ذلك الفقهاء بناء على الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

   “إذا سافر أحدكم فليتمتع في السفر، فإنه رخصة من الله”.

2. قضاء الأيام التي تم الإفطار فيها:
   بعد العودة من السفر، يجب على المبتعث أن يقضي الأيام التي أفطر فيها في رمضان، وهو أمر متفق عليه بين الفقهاء. ففي حالة العودة بعد نهاية رمضان، يقوم المسلم بصيام الأيام التي أفطرها دون أن يكون هناك داعٍ للكفارة.

3. التقويم الزمني في المناطق ذات الساعات الطويلة:
   في بعض الحالات، قد يتواجد المبتعث في مناطق يكون فيها اليوم أطول من المعتاد، مثل البلدان الشمالية التي تستمر فيها الشمس لفترات طويلة خلال الصيف. في هذه الحالة، يجوز له أن يصوم بحسب توقيت مكة المكرمة أو أقرب بلد إسلامي، وإن كان يفضل في بعض الأحيان أن يتم الاستعانة بالحسابات الفلكية لموعد الإفطار والسحور.

5. حالات خاصة: السفر في مناطق تختلف فيها مواعيد الإفطار

أحد المواضيع المهمة التي تتعلق بالإفطار في السفر هو التوقيت المختلف الذي قد يواجهه المسلمون في بعض الدول، خاصة في المناطق التي لا يكون فيها غروب الشمس في نفس الوقت الذي اعتاد عليه المسلم في بلده. هذا قد يتسبب في حيرة للمبتعثين في تلك البلدان.

إلا أن هناك بعض الحلول الشرعية التي أقرها العلماء، حيث يجوز للمسافر في هذه المناطق أن يعتمد على التوقيت المحلي للصلاة في تحديد أوقات الإفطار، ويمكن أن يصوم حسب التوقيت الشرعي للدولة التي يقيم فيها. وفي حالة تواجد المسلم في مناطق يُشغل فيها النهار لفترة طويلة جدًا ولا توجد إمكانية للصوم، يمكنه أن يعتمد على التقويم الإسلامي المقرر في مكة المكرمة.

6. إفطار المبتعث في المناطق التي لا تكون فيها صلاة تراويح أو جماعات

يعتبر المسلمون صلاة التراويح جزءًا مهمًا من طقوس شهر رمضان، لكن في بعض الدول التي يقيم فيها المبتعثون قد لا توجد مساجد تقدم هذه الخدمة أو قد تكون هناك صعوبة في الصلاة جماعة بسبب ظروف معينة.

ورغم أن هذا لا يؤثر على صحة الصوم، إلا أن المسلم قد يشعر بالحرمان في هذه الحالة من الأجواء الرمضانية المعتادة في بلده. في هذه الحالة، يتعين على المبتعث أن يواصل الصلاة في المنزل جماعة مع زملائه أو أفراد العائلة إن أمكن، وأن يحرص على العبادة والأذكار التي تزداد في هذا الشهر.

7. توصيات ونصائح للمبتعث في رمضان

على الرغم من أن هناك رخصًا للإفطار في السفر، إلا أنه من المهم أن يكون المبتعث حريصًا على عدم إساءة استخدام هذه الرخصة. ومن النصائح التي يمكن أن يقدمها العلماء للمبتعثين:

1. عدم التسرع في الإفطار:
   ينبغي على المبتعثين أن يتحققوا من السفر الفعلي والمشقة الحقيقية قبل اتخاذ قرار الإفطار، وألا يكون الإفطار بسبب توافر فرصة للراحة فقط.

2. المحافظة على الأذكار:
   الحرص على أداء الأذكار والدعاء وتلاوة القرآن في رمضان يساعد على الحفاظ على الروحانية والارتباط بالشهر الفضيل.

3. التواصل مع العلماء:
   في حالة وجود تساؤلات أو ظروف غير واضحة، يفضل أن يتواصل المبتعث مع العلماء أو المفتيين المحليين للتأكد من الإجراءات الصحيحة التي يجب أن يتبعها.

8. خاتمة

إن الإفطار في رمضان للمبتعثين في سفر يعد من الرخص التي منحها الله لعباده رحمة بهم في حالات المشقة. ومع ذلك، يجب على المبتعثين أن يفهموا الأحكام الشرعية التي تحكم هذا الموضوع ويعملوا بها، كما يجب عليهم أن يتعاملوا مع هذه الرخصة بحذر، وأن يسعى كل مسلم في رمضان لأن يعظم شعيرة الصوم قدر استطاعته.