حكم من أفطر في رمضان بعذر
يُعدُّ شهر رمضان من الأشهر المباركة التي لها مكانة عظيمة في قلوب المسلمين حول العالم، حيث يتميّز هذا الشهر بالعبادة والطاعة، ويُعتبر صومه فرضاً على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام. ومع ذلك، فقد وضع الله سبحانه وتعالى رخصة للمسلمين في حال وجود ظروف تمنعهم من الصوم، مثل المرض أو السفر، وأكد على أن الإسلام دين اليسر والتسهيل. لذلك، يمكن للمسلم الذي يواجه ظروفاً تبرر الإفطار أن يفطر على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية التي تتعامل مع هذا الموضوع بروح من العدل والمراعاة للمصلحة العامة للإنسان. في هذا المقال، سوف نتناول حكم من أفطر في رمضان بعذر، مع استعراض الأدلة الشرعية والتفصيل في الحالات المختلفة التي يُسمح فيها بالإفطار، والآثار المترتبة على ذلك.
1. الأصل في الصيام ووجوب الصيام في رمضان
يعد صيام شهر رمضان من أركان الإسلام الخمسة، وقد جاء النص القرآني الكريم في قوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).
وقد فُرض صيام شهر رمضان على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، وهو فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام.
2. الأعذار المبررة للإفطار في رمضان
الإفطار في رمضان لا يُعتبر عملاً خاطئًا أو محرمًا في حالة وجود عذر شرعي يجيز ذلك. فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الشريفة أن الشريعة الإسلامية تراعي ظروف الإنسان، فحالات المرض والسفر والنفاس والحيض هي من الأعذار التي تجعل الإفطار جائزًا بل ومُستحبًا، ولقد ذكر ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عِزَائِمُهُ” (رواه مسلم).
وفيما يلي تفصيل لبعض الأعذار التي تجيز الإفطار في رمضان:
2.1 المرض
المرض هو أحد الأعذار الأساسية التي تبرر الإفطار في رمضان. إذا كان المسلم يعاني من مرض يُعرضه للخطر أو يزيد من معاناته نتيجة للصوم، فإن الإسلام يُبيح له الإفطار.
ويشمل هذا المرض المزمن أو العارض الذي يصعب معه أداء العبادة مثل المرض الشديد الذي يحتاج إلى علاج مستمر، أو المرض الذي يتسبب في إجهاد الجسم مثل الحمى العالية أو مرض السكري الحاد. وفي هذه الحالة يجب على المسلم أن يفطر، مع ضرورة تعويض الصوم في وقت لاحق إذا كان المرض غير مزمن أو لا يستدعي الإفطار بشكل دائم.
2.2 السفر
السفر من الأعذار التي يجيز فيها الشارع الإفطار في رمضان. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح:
“فَمَنْ كَانَ مَنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” (البقرة: 184).
وهذا يشمل السفر الطويل الذي يستغرق وقتًا، سواء كان السفر للعمل أو للزيارة أو لأي سبب آخر. وإذا كانت الرحلة تتسبب في إرهاق الجسم وتحتاج إلى شرب أو تناول الطعام للحفاظ على النشاط البدني، فإن الإفطار في هذه الحالة يكون جائزًا.
2.3 الحيض والنفاس
النساء اللاتي يمرن بفترة الحيض أو النفاس يُمنعن من الصيام في رمضان، وهذا من رخصة الشريعة الإسلامية. والحيض هو الدم الذي يخرج من المرأة في فترة معينة، والنفاس هو الدم الذي يخرج بعد الولادة.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَإِنِّي فَارَقْتُكُمْ فِيهِ صَوْمًا وَإِنِّي لَا أَجْمَعُ لَكُمْ كُلَّ وَقْتٍ”.
فالمرأة في هذه الحالة تُفطر وتُقضي الأيام التي أفطرتها بعد رمضان.
2.4 الحمل والرضاعة
إذا كانت المرأة حاملًا أو مرضعة، فإنها قد تواجه صعوبة في الصوم بسبب تأثيره على صحتها أو صحة طفلها. في هذه الحالة، يمكنها أن تُفطر إذا كانت تشعر بأي خطر على صحتها أو صحة مولودها.
وقد أكد الفقهاء أن المرأة التي تفطر في رمضان بسبب الحمل أو الرضاعة يجب عليها القضاء إذا كانت حالتها غير مستمرة، وفي بعض الحالات قد تلتزم بالكفارة في حال كانت الحالة صحية دائمة تؤثر على قدرتها على الصيام.
2.5 الشيخوخة
المسنون الذين لا يستطيعون الصيام بسبب ضعف القوة الجسدية والإرهاق المستمر جاز لهم الإفطار.
وفي هذه الحالة، يجب عليهم فدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم يفطرونه. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ تَجَاوَزَ عَنْ صَائِمِي رَمَضَانِ فِي حَالَاتٍ…”.
3. حكم من أفطر بعذر
من أفطر في رمضان بسبب عذر شرعي، فحكمه في الغالب هو أنه يُعفى من الصوم في هذا الشهر، ولكن يجب عليه قضاء الأيام التي أفطر فيها.
فالمرض أو السفر أو الحيض أو النفاس أو غيرها من الأعذار المؤقتة لا تجعل المسلم يعفى من قضاء الصوم بعد زوال العذر.
أما إذا كانت الحالة التي تمنع الصيام دائمة، مثل مرض مزمن لا يُرجى شفاؤه أو كبار السن الذين لا يستطيعون الصيام، فإنه لا يجب عليهم القضاء، ولكن عليهم دفع فدية عن كل يوم من أيام رمضان التي أفطروا فيها.
4. الكفارة في حالة الإفطار بدون عذر
إذا كان الشخص قد أفطر في رمضان عمدًا ودون عذر شرعي، سواء كان هذا الإفطار بسبب تناول الطعام أو الشراب أو الجماع، فقد أوجبت الشريعة الإسلامية عليه الكفارة.
الكفارة هي صيام شهرين متتابعين أو إطعام 60 مسكينًا. فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا فَجَزَاؤُهُ إِمَّا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا”.
يجب على المسلم الذي أفطر عمدًا أن يتوب إلى الله ويجتهد في الكفارة لتجنب الخروج عن الأوامر الإلهية.
5. التوبة والتعويض
عند الإفطار بعذر شرعي، فإن المسلم يُعفى من التبعات الخاصة بالصوم في ذلك اليوم، لكن يجب عليه التعويض بطرق معقولة بعد زوال العذر، وذلك عن طريق قضاء الأيام التي أفطر فيها في وقت لاحق.
وفي حال كان العذر دائمًا، فإن المسؤولية تُسقط، ويتم دفع الفدية بدلاً من الصيام.
6. كيفية قضاء الصيام
قضاء الصيام يكون بعد رمضان في أي وقت من السنة، ما دام الشخص في صحة جيدة وغير مريض. وعادةً ما يتم ذلك في أيام متتالية أو مفردة حسب قدرة الشخص، ويشترط أن يتم قبل حلول رمضان التالي.
في الختام، يُمكن القول أن الشريعة الإسلامية تقدم مرونة كبيرة للمسلمين في حال وجود عذر يبيح لهم الإفطار في رمضان، مع التأكيد على أن الصوم هو عبادة عظيمة يجب الحفاظ عليها قدر المستطاع.
