من كان يحكم مصر قبل الفتح الإسلامي؟
تُعدّ مصر من أقدم الحضارات في العالم، حيث شهدت العديد من العصور السياسية والثقافية والدينية المتعاقبة قبل أن يحلّ الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. هذه الفترة التي سبقت الفتح شهدت حكم العديد من القوى والأنظمة المختلفة التي أثّرت في هوية البلاد وشكلها الجغرافي والثقافي، وكان لكل فترة حكم تأثير بالغ في تطور مصر السياسية والاجتماعية.
1. مصر تحت حكم الفراعنة
تعود أقدم صور الحكم في مصر إلى العصر الفرعوني، حيث كان الفراعنة يمثلون الحكام المطلقين للبلاد. يُعتبر هذا العصر من أعرق الفترات في تاريخ مصر، فقد شهدت مصر تحت حكم الفراعنة العديد من الإنجازات الكبرى في مجالات مثل الهندسة المعمارية، والفنون، والطب، والتجارة.
حكم الفراعنة مصر لفترات طويلة تزيد على ثلاثة آلاف عام، وقد تم تقسيم هذه الفترة إلى عدة أسر حاكمة (dynasties). كان الفراعنة يُعتبرون في البداية آلهةً على الأرض، وكان لديهم سلطة دينية وملكية كاملة على الشعب والمجتمع. أشهر الفراعنة الذين حكموا مصر في هذه الفترة هم رمسيس الثاني، تحتمس الثالث، توت عنخ آمون، وكل منهم قد ترك بصمته الخاصة في تاريخ مصر. كما قامت الدولة الفرعونية بتشييد المعابد الضخمة والأهرامات التي ما زالت تُعد من عجائب العالم القديم.
2. فترة الاحتلال الفارسي
على الرغم من قوة الدولة الفرعونية، إلا أنها شهدت فترات من الضعف، مما مهد الطريق لاحتلالات خارجية. في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، احتل الفرس مصر لأول مرة تحت قيادة الملك قمبيز الثاني. هذا الاحتلال كان له تأثير كبير في التوازن السياسي والاقتصادي للمنطقة.
استمر حكم الفرس لمصر حتى 332 قبل الميلاد، وكان الفرس قد دمجوا مصر ضمن إمبراطوريتهم الواسعة. ورغم أن الفرس لم يغيروا كثيرًا في نظام الحكم الداخلي لمصر، إلا أنهم فرضوا السيطرة عليهم وأدخلوا ثقافتهم الدينية والعسكرية. ولكن حكم الفرس لم يكن دائمًا مستقرًا، فقد نشبت ثورات شعبية عدة ضدهم، حتى تم تحرير مصر على يد الإسكندر الأكبر.
3. الحكم اليوناني – فترة البطالمة
بعد وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد، أصبحت مصر تحت حكم البطالمة، وهي سلالة يونانية تأسست على يد بطليموس الأول الذي كان أحد جنرالات الإسكندر. كان حكم البطالمة من أهم الفترات التي شهدتها مصر قبل الفتح الإسلامي، حيث عملوا على تطوير مصر اقتصاديًا وثقافيًا، مع المحافظة على بعض التقاليد المصرية القديمة.
لقد أسس البطالمة مدينة الإسكندرية، التي أصبحت فيما بعد مركزًا ثقافيًا وتجاريًا هائلًا في العالم القديم. كما أن الملكة كليوباترا السابعة، التي تعتبر آخر حكام الأسرة البطلمية، كانت قد اجتهدت في التحالفات السياسية لتأمين حكم مصر، لكنها لم تتمكن من مواجهة الضغوطات التي تعرضت لها من قبل الإمبراطورية الرومانية.
4. فترة الحكم الروماني
في عام 30 قبل الميلاد، انتهى حكم البطالمة في مصر عندما انتحرت كليوباترا السابعة بعد هزيمتها أمام قوات الإمبراطور الروماني أوغسطس. بعد ذلك، أصبحت مصر إحدى المقاطعات الرومانية. كانت مصر ذات أهمية كبيرة بالنسبة للإمبراطورية الرومانية، إذ كانت تعتبر سلة غذاء الإمبراطورية بفضل زراعتها الخصبة، وخاصة في إنتاج القمح.
خلال هذه الفترة، كانت مصر تحت حكم الإمبراطور الروماني مباشرةً، وكانت تُدار من قبل حكام رومانيين يعرفون بالـ “محافظين”. ورغم أن مصر ظلت تحظى بالاستقلالية الثقافية إلى حد ما، إلا أن الرومان فرضوا عليهم ضرائب ثقيلة وفرضوا عليهم قواعد رومانية صارمة. ومع مرور الزمن، بدأت الثقافة الرومانية تهيمن على الحياة اليومية، وانتشرت المسيحية في مصر خلال القرن الثالث الميلادي.
5. الحكم البيزنطي
عقب انقسام الإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي، أصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية، التي كانت تحت حكم القسطنطينية. كان هذا التحول نقطة فارقة في تاريخ مصر، حيث شهدت البلاد العديد من التغيرات الدينية والاجتماعية. على الرغم من أن مصر كانت تحت حكم بيزنطي، إلا أن هناك استمرارًا للنفوذ الروماني من حيث الهيكل الإداري.
تزامن الحكم البيزنطي مع تصاعد المسيحية في مصر، حيث أصبحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تمثل القوة الدينية والروحية الرئيسية في البلاد. وقد كانت المسيحية قد فرضت نفسها في مصر حتى أصبح الكثير من الشعب المصري يتبع المذهب المسيحي، وهو ما أدى إلى بعض التوترات مع السلطة البيزنطية التي سعت إلى فرض المذهب الأرثوذكسي.
6. فترة الاحتلال الفارسي الثانية
في عام 616 ميلادي، نجح الفرس في غزو مصر مرة أخرى خلال حكم الساسانيين. احتل الفرس مصر تحت قيادة الملك كسرى الثاني، وظلوا في البلاد لمدة عشر سنوات فقط، حيث استطاع البيزنطيون استعادة الحكم في عام 629 ميلادي. ورغم أن حكم الفرس لم يستمر طويلاً، إلا أنه كان فترة حافلة بالاضطرابات السياسية والثقافية التي أثرت في مصر.
7. الفتح الإسلامي لمصر
بحلول القرن السابع الميلادي، كانت مصر قد مرّت بفترات عديدة من الاحتلال والتحولات السياسية والدينية. ومع ازدهار الخلافة الإسلامية، بدأت مصر تشهد الفتح الإسلامي على يد القائد العربي عمرو بن العاص في عام 640 ميلادي. هذا الفتح لم يكن مجرد حدث عسكري، بل كان نقطة تحول كبرى في تاريخ مصر، حيث بدأ الإسلام في الانتشار بسرعة بين سكانها، وتأسس نظام حكم جديد أسس لنشوء دولة إسلامية جديدة في مصر.
8. الختام
قبل الفتح الإسلامي، كانت مصر قد شهدت تحولات كبيرة في سيادتها ونظامها السياسي، بدءًا من الفراعنة مرورًا بالفترات الفارسية واليونانية والرومانية والبيزنطية، وأخيرًا الفرس قبل الاحتلال الإسلامي. كان لكل فترة حكم خصائصها المميزة وأثرها العميق في ثقافة وعادات الشعب المصري. هذه الفترات المتعاقبة هي التي شكلت الأساس الذي قامت عليه مصر بعد الفتح الإسلامي.
