حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر: الواقع، التشريعات، والتحديات

مقدمة

تشكل قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة محوراً أساسياً في الخطاب الحقوقي والاجتماعي في مصر، نظراً لما تمثله هذه الفئة من شريحة كبيرة ومهمة في المجتمع المصري. وتُشير التقديرات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة ذوي الإعاقة في مصر تتراوح بين 10% إلى 12% من إجمالي عدد السكان، ما يعني أن ملايين الأفراد يواجهون تحديات يومية تتعلق بالدمج، والحصول على الحقوق، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.

تُعد مصر من الدول التي أولت اهتماماً متزايداً بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة خلال العقود الأخيرة، خصوصاً منذ صدور قانون رقم 10 لسنة 2018، والذي يعتبر حجر الزاوية في إعادة تشكيل البنية التشريعية والمؤسسية المعنية بهذه الفئة. وقد سبقت هذا القانون جهود متفرقة وسياسات عامة هدفت إلى تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية، إلا أنها لم تكن كافية لتحقيق التكافؤ الفعلي للفرص أو المساواة في الحقوق.

التعريف القانوني لذوي الاحتياجات الخاصة

عرف القانون المصري الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بأنهم “كل شخص يعاني من قصور أو خلل كلي أو جزئي، سواء كان جسمياً أو ذهنياً أو عقلياً أو حسياً، قد يمنعه من ممارسة حياته بصورة طبيعية، بما يستوجب تقديم الدعم والتأهيل له من أجل تحقيق الدمج الكامل في المجتمع.”

ويشمل هذا التعريف فئات متعددة، منها ذوو الإعاقات الحركية، والسمعية، والبصرية، والعقلية، واضطرابات النطق والتوحد، واضطرابات التعلم، والمصابين بإعاقات مركبة.

الإطار الدستوري والتشريعي لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة

الدستور المصري

ينص دستور جمهورية مصر العربية لعام 2014 في أكثر من مادة على ضمان حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى رأسها المادة (81) التي تنص صراحة على أن:

“تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة صحياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وترفيهياً، ورياضياً، وتعليمياً، وتوفير فرص العمل لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، التزاماً بمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.”

قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (قانون رقم 10 لسنة 2018)

يُعد هذا القانون نقلة نوعية في الاعتراف بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وضمان تمكينهم في مختلف المجالات، وقد أُعد استناداً إلى المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، خاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صدقت عليها مصر عام 2008.

يتضمن هذا القانون أكثر من 50 مادة تنظم حقوق هذه الفئة في مجالات متعددة من بينها:

• الرعاية الصحية.

• التعليم.

• التوظيف.

• السكن.

• التنقل.

• المشاركة السياسية.

• الحماية من التمييز.

أبرز الحقوق التي ينص عليها القانون المصري

أولاً: الحق في التعليم

• تلتزم الدولة بتوفير تعليم مجاني شامل وجيد لذوي الاحتياجات الخاصة في جميع المراحل.

• تخصيص نسبة لا تقل عن 5% من الأماكن في الجامعات والمدارس الحكومية والخاصة لهم.

• تطوير برامج الدمج التربوي والتوسع في المدارس الدامجة.

• توفير أدوات تعليمية ومناهج مخصصة ومترجمين للغة الإشارة ومرافقين تربويين عند الحاجة.

• دعم التعليم الفني والمهني الموجه للأشخاص ذوي الإعاقة.

ثانياً: الحق في العمل

• تلتزم المؤسسات الحكومية والخاصة بتخصيص نسبة لا تقل عن 5% من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة.

• توفير البيئة المناسبة في مقار العمل لضمان دمجهم الفعّال.

• منح تسهيلات لأصحاب العمل الذين يقومون بتوظيف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

• دعم مشاريع ريادة الأعمال والتدريب المهني المخصص لهذه الفئة.

ثالثاً: الحق في الصحة والرعاية الطبية

• تقديم خدمات صحية مجانية في المستشفيات الحكومية.

• إنشاء مراكز تأهيل طبي ونفسي في جميع المحافظات.

• تقديم خدمات التأهيل المجتمعي والوقاية من الإعاقة.

• توفير أجهزة تعويضية مثل الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية مجاناً أو بأسعار رمزية.

رابعاً: الحق في التنقل والمواصلات

• منح تخفيضات على وسائل المواصلات العامة تصل إلى 50% أو أكثر.

• تهيئة المرافق العامة ووسائل النقل لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة.

• تخصيص أماكن في محطات المترو والقطارات لذوي الاحتياجات الخاصة.

• السماح بترخيص سيارات خاصة مُجهزة بدون جمارك أو ضرائب.

خامساً: الحقوق السياسية والمشاركة المجتمعية

• ضمان الحق في الترشح والتصويت في الانتخابات، مع تسهيلات لوجستية داخل اللجان الانتخابية.

• تخصيص نسبة من مقاعد البرلمان والمجالس المحلية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

• دعم مشاركتهم في الحياة الثقافية والرياضية من خلال الأندية والجمعيات الأهلية.

سادساً: الحماية القانونية والاجتماعية

• تجريم أي شكل من أشكال التمييز أو التنمر أو العنف أو الإيذاء تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة.

• تخصيص مساعدات اجتماعية ومعاشات تكافلية للأسر الفقيرة التي لديها أبناء من ذوي الإعاقة.

• إنشاء المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة كجهة رسمية لمتابعة تطبيق السياسات العامة وضمان التمثيل.

التحديات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر

ضعف التطبيق العملي للقوانين

رغم قوة القانون المصري وتقدميته مقارنة بدول كثيرة، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين التشريع والتطبيق. على سبيل المثال، ما زالت نسبة 5% من التوظيف غير مُفعّلة في معظم المؤسسات، وغالباً ما يتم تعيين الأشخاص ذوي الإعاقة في وظائف هامشية أو غير منتجة.

نقص الكوادر المتخصصة

يعاني نظام التعليم والصحة في مصر من نقص شديد في المتخصصين المؤهلين للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل المعلمين المدربين، والمترجمين بلغة الإشارة، والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين.

ضعف البنية التحتية

معظم المباني العامة، المدارس، الجامعات، ومؤسسات الدولة غير مجهزة لاستقبال ذوي الإعاقة الحركية أو الحسية، ما يعيق تنقلهم ومشاركتهم الفعالة.

النظرة المجتمعية والوصم

ما زالت بعض المجتمعات تنظر إلى الإعاقة من منظور سلبي، ما يؤدي إلى وصم اجتماعي يعزل هؤلاء الأفراد ويقلل من مشاركتهم في الحياة العامة. كما أن بعض الأسر تفضل إخفاء أفرادها ذوي الإعاقة بدلاً من دمجهم في المجتمع.

نقص الدعم المالي

العديد من الأسر التي تعيل أطفالاً أو أفراداً من ذوي الاحتياجات الخاصة تعاني من ضغوط اقتصادية شديدة، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة الأجهزة التعويضية والعلاج الطبيعي والتعليم الخاص، رغم وجود بعض برامج الدعم الحكومي إلا أنها غير كافية ولا تغطي كل الفئات.

جهود الدولة والمجتمع المدني

شهدت مصر خلال العقد الأخير عدة مبادرات نوعية لتحسين واقع ذوي الاحتياجات الخاصة، منها:

• إعلان عام 2018 عاماً لذوي الإعاقة من قبل رئاسة الجمهورية.

• إنشاء المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة كهيئة مستقلة.

• تنظيم مسابقات ومبادرات رياضية وثقافية وفنية مخصصة لهم مثل “قادرون باختلاف”.

• برامج وزارة التضامن الاجتماعي لدعم الرعاية المنزلية والإعانات المالية.

• حملات توعية في وسائل الإعلام لتغيير الصورة النمطية عن ذوي الإعاقة.

• مشاركة منظمات المجتمع المدني في تقديم خدمات التأهيل والتعليم والتوظيف.

جدول يلخص أهم الحقوق والمزايا لذوي الاحتياجات الخاصة في مصر

خاتمة

تمثل حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة أحد أعمدة العدالة الاجتماعية في أي دولة تطمح لتحقيق التنمية الشاملة، ومصر وضعت خطوات مهمة على طريق التمكين والتكافؤ، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. ويحتاج الأمر إلى تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية لتفعيل التشريعات، وتحقيق الدمج الكامل، وتغيير الثقافة المجتمعية تجاه هذه الفئة التي تملك الكثير من القدرات التي يمكن أن تساهم في بناء المجتمع إذا ما تم تمكينها فعلاً وليس قولاً.

المراجع:

1. قانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة – الجريدة الرسمية.

2. تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – إحصاءات الإعاقة في مصر.