حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية: تطور تشريعي وتحديات واقعية

مقدمة

تُعد حقوق الإنسان من المواضيع الجوهرية التي تحظى باهتمام بالغ في الساحة الدولية، لما لها من تأثير مباشر على كرامة الفرد وحريته وأمنه. وفي سياق هذا الاهتمام العالمي، اتجهت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة إلى إعادة تشكيل الإطار القانوني والمؤسسي الذي ينظم حقوق الإنسان في البلاد، مع محاولات جادة لإحداث تغييرات تشريعية ومؤسسية تتماشى مع الرؤية الوطنية 2030. وعلى الرغم من هذه الخطوات، لا تزال المملكة تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتطبيق المعايير الدولية في مجال الحريات العامة والعدالة الاجتماعية، ما يدفع إلى ضرورة تفحص شامل للواقع الحقوقي في السعودية من منظور تطوره التاريخي، وتحولاته القانونية، والتحديات التي تعترض سبيله.

السياق التاريخي لحقوق الإنسان في المملكة

يرتبط مسار حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية بالسياق الديني والسياسي للدولة، حيث تعتمد المملكة على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وفقاً للمذهب الحنبلي. وقد ظل النظام القضائي والإداري يعتمد على اجتهادات الفقهاء والقضاة من دون وجود دستور مكتوب حتى صدور النظام الأساسي للحكم عام 1992، الذي جاء بمثابة وثيقة تنظيمية حددت العلاقة بين الحاكم والمحكوم ووضعت القواعد العامة التي تُفهم منها بعض الحقوق الأساسية.

النظام الأساسي للحكم لم يستخدم مصطلح “حقوق الإنسان” بشكل مباشر، إلا أنه احتوى على عدد من المواد التي يمكن اعتبارها ضمانات لحقوق الإنسان، مثل الحق في الأمن، وحماية الممتلكات، ومراعاة العدالة، والحق في التعليم والرعاية الصحية. ومع ذلك، فإن هذه الحقوق تندرج ضمن إطار يربطها بالشريعة الإسلامية من حيث التطبيق والحدود.

التغيرات القانونية والمؤسسية في مجال حقوق الإنسان

خلال العقدين الأخيرين، قامت المملكة بخطوات إصلاحية واسعة في مجال حقوق الإنسان، جاءت كرد فعل جزئي على الضغوط الدولية، وفي الوقت نفسه نتيجة لإصلاحات داخلية يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق «رؤية السعودية 2030». وتشمل أبرز هذه التغيرات:

1. إنشاء هيئة حقوق الإنسان

في عام 2005، أُسست هيئة حقوق الإنسان في السعودية كجهة حكومية مستقلة تعنى بمراقبة تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان، والعمل على نشر الوعي الحقوقي، ورفع التقارير إلى الملك. ويُنظر إلى هذه الهيئة كأداة لإضفاء طابع رسمي على التزامات الدولة الحقوقية، إلا أنها كثيرًا ما تُنتقد لعدم استقلاليتها التامة كونها تتبع مباشرة السلطة التنفيذية.

2. إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان

أُسست الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في عام 2004 كمبادرة غير حكومية، وهي تُعد أول منظمة حقوقية من نوعها في البلاد. وقد ساهمت في توثيق عدد من الانتهاكات، ورفعت تقارير عديدة عن أوضاع السجون، والعنف الأسري، وحقوق المرأة، إلا أن عملها يخضع لقيود رقابية وتحديات تتعلق بحرية التعبير.

3. إصلاحات تتعلق بحقوق المرأة

شهدت المملكة تغييرات كبيرة في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحقوق المرأة، أبرزها:

• رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في عام 2018.

• تعديل نظام الولاية، مما سمح للمرأة بالحصول على جواز سفر والسفر دون إذن ولي الأمر.

• زيادة نسبة تمثيل المرأة في سوق العمل وفي المناصب القيادية الحكومية والخاصة.

• تجريم التحرش الجنسي بقانون صدر عام 2018.

هذه الخطوات اعتُبرت تاريخية وأثارت ردود فعل إيجابية على المستوى الدولي، إلا أن كثيرين يرون أنها لا تزال بحاجة إلى تدعيم قانوني ومجتمعي فعّال لضمان استدامتها.

4. مكافحة العنف الأسري

صدر قانون مكافحة العنف الأسري عام 2013، وهو من أوائل القوانين التي تناولت موضوع العنف داخل الأسرة في السعودية. وقد أسس هذا القانون آلية لتلقي الشكاوى وحماية الضحايا، خصوصًا النساء والأطفال، وتم تخصيص مراكز إيواء ودعم نفسي واجتماعي لهم.

5. التوجه لإلغاء عقوبة الإعدام ضد القُصر

أعلنت هيئة حقوق الإنسان السعودية عام 2020 عن إلغاء عقوبة الإعدام ضد القصر (الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً عند ارتكاب الجريمة)، واستبدالها بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات في مؤسسات خاصة. ورغم إيجابية هذا الإعلان، إلا أن التطبيق العملي لهذا القرار لم يكن شاملاً، ولا يزال يثير القلق في بعض الحالات الموثقة من قبل منظمات حقوقية.

التحديات والمعوقات في ملف حقوق الإنسان

1. حرية التعبير وتقييد الصحافة

تُعد حرية التعبير من أكثر الحقوق المُقيدة في السعودية، حيث تخضع وسائل الإعلام للرقابة الصارمة، ويواجه العديد من النشطاء والمدونين والكتاب ملاحقات قانونية بتهم تتعلق بـ”الإساءة إلى النظام العام” أو “تهديد الأمن القومي”. ولا تزال قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 تُلقي بظلالها على سمعة المملكة في الساحة الدولية.

2. الاعتقال التعسفي

وثّقت العديد من المنظمات، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، حالات اعتقال تعسفي لنشطاء حقوقيين، ونساء، وعلماء، وأكاديميين، دون توجيه تهم واضحة أو محاكمات عادلة. وقد أُثيرت تساؤلات حول مدى احترام النظام القضائي السعودي لمبادئ المحاكمة العادلة والضمانات القانونية للمعتقلين.

3. العمالة الوافدة ونظام الكفالة

تُعد أوضاع العمالة الأجنبية من أبرز الملفات الحقوقية المُثيرة للجدل، حيث يخضع الملايين من العمال لنظام الكفالة، الذي يمنح الكفيل سيطرة واسعة على العامل. وقد أدت هذه الظروف إلى انتشار انتهاكات تتعلق بالأجور وظروف العمل وسوء المعاملة. وفي عام 2021، أعلنت المملكة عن إصلاحات جزئية على هذا النظام، تضمنت حرية التنقل وتغيير الوظيفة دون موافقة الكفيل في حالات معينة، إلا أن نظام الكفالة لم يُلغَ بشكل نهائي.

4. حقوق الأقليات الدينية

تعاني بعض الأقليات الدينية، خصوصًا الشيعة في المنطقة الشرقية، من تمييز في مجالات مثل التوظيف، والتعليم، والمشاركة السياسية، رغم أن النظام الأساسي للحكم لا يميز بين المواطنين. وقد وثّقت بعض الجهات الحقوقية الدولية حالات اعتقال ومحاكمات على خلفيات مذهبية، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا لمبادئ العدالة والمساواة.

التزامات المملكة الدولية

انضمت المملكة إلى عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، منها:

• اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1997)

• اتفاقية حقوق الطفل (1996)

• اتفاقية مناهضة التعذيب (1997)

• اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) مع تحفظات واسعة

كما تخضع السعودية للاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتُطلب منها تقديم تقارير دورية حول تقدمها في مجالات الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إلا أن هذه الالتزامات غالباً ما تصطدم بالتفسيرات الخاصة للشريعة الإسلامية التي تتبعها المملكة، مما يُضعف من فعالية التنفيذ الكامل للاتفاقيات الدولية، خاصة مع التحفظات التي تبديها الحكومة على بعض البنود التي تراها مخالفة للأحكام الشرعية.

جدول: أبرز التغيرات الحقوقية في السعودية منذ عام 2015

الخلاصة

يمكن القول إن ملف حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية يشهد تحولات تدريجية لكنها غير متوازنة. ففي حين تُسجل المملكة خطوات إيجابية في مجالات مثل تمكين المرأة والإصلاح القانوني، إلا أن القيود الصارمة على حرية التعبير، واستمرار الاعتقالات التعسفية، والتمييز ضد بعض الفئات الاجتماعية، لا تزال تلقي بظلالها على الصورة العامة للواقع الحقوقي في البلاد. التحدي الأكبر يتمثل في التوفيق بين الرؤية الدينية للدولة والتزاماتها الدولية، وتفعيل الآليات القضائية والإدارية لضمان احترام حقوق الإنسان كممارسة فعلية وليست شعارات تشريعية.

المصادر

1. هيئة حقوق الإنسان السعودية – https://www.hrc.gov.sa

2. تقرير منظمة العفو الدولية عن السعودية – https://www.amnesty.org/ar/location/middle-east-and-north-africa/saudi-arabia/