حقل غاز ظهر: الثورة الطاقية في مصر

حقل غاز ظهر: أحد أبرز الاكتشافات في صناعة الطاقة المصرية

حقل غاز ظهر هو أحد أكبر وأهم الاكتشافات في تاريخ صناعة الطاقة في مصر، والذي يُعتبر بمثابة نقطة تحول كبيرة في تطور قطاع الغاز الطبيعي في البلاد. يقع هذا الحقل في البحر الأبيض المتوسط، ويُعد من أضخم الحقول الغازية في العالم، ويشكل ركيزة أساسية لاستراتيجية مصر في مجال الطاقة، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي. يتجاوز هذا الاكتشاف مجرد كونه حقلًا للغاز الطبيعي، حيث يمثل خطوة محورية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

الاكتشاف والموقع

تم اكتشاف حقل غاز ظهر في عام 2015 بواسطة شركة إيني الإيطالية، في منطقة شاطئ دلتا النيل في البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالي 190 كم شمال مدينة بور سعيد. الحقل يقع ضمن منطقة امتياز “شروق” البحرية، التي تمتلك شركة إيني الإيطالية 50% من حصتها فيها، بينما يتقاسم باقي الحصة مع شركاء آخرين، منهم شركة “روس نفط” الروسية و”مبادلة” الإماراتية.

أثبتت عمليات التنقيب في الحقل وجود احتياطي كبير من الغاز الطبيعي، يُقدر بحوالي 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، مما يجعل حقل ظهر من أكبر الحقول الغازية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وهذا الاكتشاف عزز من مكانة مصر كداعم أساسي للإنتاج الغازي في المنطقة، وأدى إلى تحفيز استثمارات ضخمة في صناعة الطاقة.

التطورات والتقنيات المستخدمة

منذ اكتشاف حقل ظهر، شهدت عمليات التنقيب والتطوير تسارعًا ملحوظًا. في وقت قياسي، تم البدء في مشروع تطوير الحقل بكامل طاقته الإنتاجية، لتلبية احتياجات السوق المحلي من الغاز الطبيعي.

أحد أبرز العوامل التي ساعدت على تسريع عمليات التطوير هي استخدام تقنيات متقدمة في الحفر والإنتاج، بالإضافة إلى بناء البنية التحتية اللازمة لمعالجة الغاز الطبيعي واستخراجه. اعتمدت شركة إيني على خبراتها السابقة في استكشاف حقول الغاز الكبيرة، بالإضافة إلى التعاون مع شركات أخرى ذات خبرة في هذا المجال.

تم العمل على إنشاء محطة لمعالجة الغاز في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث يتم معالجة الغاز المستخرج من الحقل وضخه إلى الشبكة الوطنية للغاز في مصر، وبالتالي تقليل الاعتماد على استيراد الغاز.

الإنتاج والتوريد المحلي والدولي

بدأ حقل ظهر في إنتاج الغاز الطبيعي بكميات تجارية منذ عام 2017، ووصل الإنتاج إلى مستويات قياسية في فترة زمنية قصيرة. في البداية، كان الإنتاج يصل إلى حوالي 350 مليون قدم مكعب يوميًا، ولكنه ارتفع تدريجيًا ليصل إلى أكثر من 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2020، ما يعادل حوالي 60% من احتياجات مصر من الغاز الطبيعي.

يجسد حقل ظهر تحولًا كبيرًا في استراتيجية الطاقة لمصر، حيث لم يعد البلاد بحاجة إلى استيراد الغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها المحلية. على سبيل المثال، أصبح الحقل مصدرًا رئيسيًا لتوريد الغاز إلى محطات توليد الكهرباء المحلية التي تعد من أكبر المستهلكين للغاز.

إضافة إلى تلبية احتياجات السوق المحلي، أصبح حقل ظهر مصدرًا مهمًا للتصدير. فقد بدأت مصر في تصدير الغاز الطبيعي إلى أسواق أخرى، خاصة إلى أوروبا وآسيا، بعد أن كان الحقل قد ساهم في تلبية الاحتياجات المحلية وتوفير احتياطي كبير من الغاز الطبيعي.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي

حقل غاز ظهر كان له تأثير كبير على الاقتصاد المصري من حيث تعزيز الأمن الطاقة للبلاد. هذا الاكتشاف منح مصر فرصة كبيرة للاستفادة من مواردها الطبيعية بشكل أفضل، مما ساهم في تقليل الاعتماد على الواردات من الطاقة. كما ساهمت عمليات تطوير الحقل في خلق العديد من فرص العمل في صناعة النفط والغاز، من خلال التعاون مع الشركات العالمية والمحلية.

من ناحية أخرى، يعد حقل ظهر عنصرًا أساسيًا في استراتيجية الحكومة المصرية لتطوير صناعة الغاز، وتحقيق الاستقرار في قطاع الطاقة. وقد أتاح أيضًا لمصر التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، حيث أن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري يساهم في تحقيق الأهداف البيئية المستدامة.

التحديات والمستقبل

رغم النجاح الكبير الذي حققه حقل غاز ظهر، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه قطاع الغاز في مصر بشكل عام، مثل ارتفاع تكاليف الاستثمار في مشاريع الطاقة، والتقلبات العالمية في أسعار النفط والغاز. كذلك، يبقى الحفاظ على مستويات إنتاج عالية من الحقل يتطلب استثمارات مستمرة في التكنولوجيا والمعدات.

من جهة أخرى، تشهد مصر تحولًا مستمرًا نحو تطوير البنية التحتية للطاقة، مع سعيها إلى بناء محطات استيراد وتصدير الغاز المسال، وزيادة قدرتها على تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية. وهذا من شأنه أن يعزز من مكانتها كمصدر رئيسي للغاز في المنطقة.

التعاون الدولي وتأثيره على الاقتصاد المصري

حقل غاز ظهر يعد رمزًا للتعاون الدولي الناجح بين مصر والدول والشركات العالمية الكبرى. فقد ساهمت شركة إيني الإيطالية في الاستثمار في هذا الحقل، بجانب العديد من الشركات الأجنبية والمحلية، مما جعل مصر وجهة جاذبة للاستثمار في مجال الغاز والطاقة.

التعاون مع الشركات العالمية ساعد في نقل التقنيات الحديثة والمتطورة التي كانت أساسية في تسريع وتيرة العمل في حقل ظهر، كما سمح للعديد من الشركات المصرية بتطوير مهاراتها وخبراتها في هذا المجال الحيوي.

الاستدامة والتحديات البيئية

لا شك أن عمليات استخراج الغاز من حقل ظهر لم تخلُ من بعض التحديات البيئية، مثل خطر تلوث البيئة البحرية نتيجة الأنشطة الصناعية في المنطقة. ومع ذلك، تسعى الحكومة المصرية وشركات الطاقة إلى ضمان أن عمليات الإنتاج تلتزم بأعلى المعايير البيئية، بما في ذلك الحد من الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

تعمل الحكومة على زيادة دور الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في مزيج الطاقة المحلي، لضمان تحقيق التوازن بين تلبية احتياجات البلاد للطاقة وحماية البيئة.

الخلاصة

حقل غاز ظهر يمثل واحدًا من أعظم الاكتشافات في مجال الطاقة في مصر والمنطقة. ورغم التحديات التي قد تواجهه في المستقبل، يبقى حقل ظهر أحد المحركات الرئيسية لتحقيق الأمن الطاقي في مصر وزيادة فرص تصدير الغاز إلى الأسواق الدولية. ومع استمرار العمل على تحسين البنية التحتية للطاقة في البلاد، فإن حقل غاز ظهر سيظل عاملاً محوريًا في تطور قطاع الطاقة المصري في السنوات القادمة.